“ليبانون ديبايت”_ عبدالله قمح
في الشكل، أعاد تيّار “المستقبل” تشكيل خطابه السياسي بما يتلاءم والتطورات الجارية نفطياً: أيّد استجرار الغاز و الكهرباء عن طريق سوريا، وبعثَ برسائل “ودّية” حيال العلاقة مع دمشق من على لسان عضو الكتلة النائب “المسيحي” هادي حبيش. على الأرجح يوحي البعض باقتراب نضوج “استدارة” سياسية زرقاء يأمل سعد الحريري أن يطوي فيها خلافه مع دمشق، أقلّه حتى الآن، سيّما بعدما ثبت بالنسبة إليه، ألّا علاقة للشام في اغتيال والده عام 2005 بحسب نتائج المحكمة الدولية، وبالتالي، إن الخلاف بين الجانبين ليس أكثر من نزاع سياسي، يُحتمل أن يجد طريقه إلى الحل في لحظة معينة، وربما لن يطول الأمر حتى نرى الحريري ضيفاً مرّة أخرى في الغرفة المجاورة للرئيس بشّار الأسد في قصر المهاجرين!
في المضمون، يريد “المستقبل” الا يفوته “قطار دمشق”. سبق له وأن حاول الدخول إلى سوريا عبر شركات مقاولات وتحت عنوان إعادة الإعمار، والآن يُكرّر محاولاته لكن من زاوية سياسية ومتظلّلاً بالتبدّل السياسي الأميركي ـ التكتيكي، على اعتبار أن هناك “قبّة باط” أميركية، ودول الخليج تنسّق من فوق ومن تحت لإعادة صهر العلاقة مع “الأمويين”، فما الذي يوجب أن يكون “المستقبل” بعيداً أو في “بوز المدفع”؟ في المضمون أيضاً، يعتبر الرئيس الحريري نفسه معنياً بفكرة مدّ لبنان بالغاز المصري. وللتذكير، فإن الحريري كان من بين أوائل الذين طرحوا الفكرة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، خلال زياراته المتتالية واشتغل على انضاج الفكرة، أقلّها هذا ما يدّعيه، ولم يكن العائق سوى سوريا التي كان مطالباً بتصفير المشاكل معها، ولربما قد حان الموعد.
عملياً، ثبت أن الأميركي ومتى أراد، في إمكانه جرّ الطبقة السياسية بأمها وأبوها إلى حيث يريد. غالباً رجالات الطبقة وعلى اختلافهم محكومون بوجهة النظر الأميركية. الآن، ومتى قرّرت واشنطن أن ثمة صلاحية لدمشق في مدّ الغاز والكهرباء المصري والأردني إلى لبنان، وطبعاً لهدف مقارعة النفط الإيراني المقبل، زحف اللبنانيون فرادى وجماعات، وها هي إحدى أكثر المحسوبات على السفيرة دوروثي شيا تؤمّ “وفد الطاقة”.
مما لا شك فيه، أنه لولا خطاب العاشر من محرّم الذي أعلن خلاله الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله، أن سفن المحروقات الإيرانية زاحفة نحونا، لما تحرّك الأميركي وبادر لإتخاذ أي خطوة “نفطية”، وهذا أمر محسوم. وتأسيساً على ذلك، يعتبر الجانب الأميركي بأن كافة إجراءاته “العقابية” تجاه الحزب، والتي ينعكس الجزء الأكبر منها على الشرائح الشعبية على امتداد الأراضي اللبنانية، ستصبح من دون أي قيمة فعلية إن ظفر الحزب باستجرار النفط من إيران عن طريق سوريا، وبالتالي، كان يجدر به، إنما بات مفروضاً عليه تحرير بعض “الممرات” وإعادة استخدامها في معركة إعادة التوازن لبرنامج احتكار مصادر الطاقة، بعدما شهدَ على ضربات ذات ثقل حيوي.
مما لا شك فيه، أن واشنطن، وبالتنسيق مع بعض حلفائها في لبنان، باشرت عملية انقضاض على “خطوط الإمداد الايرانية” بالمعنى السياسي: السماح للوفد الوزاري اللبناني بزيارة دمشق والتنسيق معها. فتح قانون قيصر على استثناءات في مجال السماح بإستجرار الكهرباء والغاز عن طريق سوريا، ويُفترض لاحقاً أن تخفّف القيود حول استقدام المحروقات المستهلكة من قبل عامة الشعب حين تنجز بعض الأمور التقنية ذات العلاقة مثلاً بوقف الدعم وسوى ذلك. وفي اعتقادهم أن هذا كله، وفي حال حسم أمره، له أن يستخدم في تنشيط خلايا سياسية وسيأتي يوم تنهض فيه وتقول للحزب “لقد أتممنا استجرار حاجاتنا من المحروقات عن طريق سوريا ولم بعد من داعٍ لناقلات النفط من إيران ما دامنا نأخذ حاجاتنا من الطاقة من مصادر شرعية”.
لكن أي خطوة من هذا النوع يحتاج اتمامها إلى إعداد لوجستي وخطط تسبق أي عملية، وزيارة وفد من أعضاء هيئة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي مؤخراً، تصبّ في هذا الإتجاه، ومن أبرز تجليات ذلك نوعية المفردات التي استخدمها بعض أعضاء الوفد. فمنهم من ألمح إلى ضرورة جعل الجيش في مواجهة “حزب الله”، وهذا يستبطن دعوةً لتوريط الجيش وممارسة مزيد من الضغط عليه ومقايضته بأثمان مطلوبة لسدّ حاجاته. آخرون اعتبروا أن الحزب سرطان ويجب استئصاله، وهذا لا يحصل إلاّ من خلال عملية جراحية، لذلك، يُمكن عطفها على الحالة الأولى. لكن ما ظهر جلياً، توافقهم على إعادة النظر في العقوبات، بمعنى إدخال تعديلات على توصيفها كي تتلاءم وطبيعة ممارسة الضغط السياسي على لبنان الرسمي. فبدل أن تكون موجهة لـ”حزب الله”، ألمح إلى احتمال إسقاطها على مؤسّسات الدولة اللبنانية، وهو بنظرهم احتمال قائم سيصلون إليه متى رست السفن الإيرانية على الشواطئ اللبنانية، أو أُدخلت المحروقات الإيرانية عن طريق سوريا والحزب إلى بيروت، من دون مواجهة من جانب سياسي لبناني رسمي بالحد الأدنى. والتهديد بإخضاع لبنان إلى العقوبات، يشكّل عملياً إعلان حرب في الداخل اللبناني، أو أقلّه يحمل جذوراً قد تؤدي إلى نزاع أهلي ما.
عملياً، الولايات المتحدة تضغط، والفترة الفاصلة بين وصول النفط الإيراني وإعلان إدخاله (المرصد السوري تحدّث أمس عن حركة صهاريج عبرت بإتجاه لبنان عن طريق حمص قادمة من العراق لم يُكشف عن طبيعتها، أي عبر الخط الذي رسمه “حزب الله” لتمرير نفطه) حبلى بالتناحر على مصادر الطاقة. “لحظة الصفر” تبدأ فور الإعلان عن كلمة مرتقبة للسيد نصرالله، وهو موعد ليس ببعيد. ويفترض البعض أن الإعلان عن ذلك الموعد، لا يمثل عملياً إعلاناً عن وصول النفط إنما إعلاناً عن إدخاله إلى لبنان والبدء في توزيعه، وهنا بيت القصيد.