الأخبار- فاتن الحاج
فيما ترهن «المؤسّسات التربويّة الخاصّة» إعداد الموازنات المدرسيّة التي تحدّد الأقساط على أساسها بمساعدة الدولة، وتصرّ على مؤتمر تربوي لحلّ الأزمات المستعصية، لا يتردّد البعض في تحميل الأهل أعباء كلفة إنقاذ المدرسة!
لكن هل تحتاج مدرسة تضم 800 تلميذ إلى 320 ألف دولار لكي «تقلع» في العام الدراسي؟ تسأل ريتا، والدة تلميذ في مدرسة علمانية.
لم تعترض الوالدة على زيادة قسط ابنها من 11 مليون ليرة في العام الماضي إلى 27 مليوناً هذا العام، رغم أنها تدرك أن فرض أي زيادة قبل إعداد الموازنة هو بحدّ ذاته خطوة غير قانونية، وأن القسط الأول يجب ألا يتجاوز ثلث القسط في العام الدراسي السابق. تتفهّم ريتا أن تلجأ المدرسة إلى زيادة 35 في المئة على القسط لزوم زيادة رواتب المعلمين، لكن أن تفرض عليها، إلى جانب الزودة، دفع 400 دولار أميركي بـ«الفريش دولار»، من خارج الموازنة، فهذا ما لم يستطع عقلها أن يستوعبه، وخصوصاً أن الأمر ترافق أيضاً مع تكاليف أخرى؛ منها رفع ثمن القرطاسية من 400 ألف ليرة إلى مليون ليرة. تقع الأم في حيرة من أمرها، وخصوصاً أنها لا تريد أن تسلخ ابنها عن مدرسته ولا تقوى في الوقت عينه على تحمل الأعباء التي فاقت كل تصور.
تقول ريتا إنها ليست حالة مدرسة ابنها فحسب، بل سمعت من أصدقائها عن حالات مشابهة في مدارس أخرى، والعنوان المرفوع دائماً هو «إنقاذ المدرسة لتقف على رجليها وتمضي في العام الدراسي الحضوري!». تروي أنها من أولياء الأمور الذين استفادوا العام الماضي من مساعدة الدولة الفرنسية للمدارس الفرنكوفونية، إذ تلقّت مدرسة ابنها مبلغ 500 يورو عبر السفارة الفرنسية عن كل تلميذ، وأبلغتها بأنها حسمت 5 ملايين ليرة من القسط، علماً بأن المدرسة تحافظ على المبالغ باليورو، ولا تدرجها ضمن الموازنة تحت بند الإيرادات، ما يمكن أن يخفف من أعباء الأقساط عن كاهل الأهالي.
محمود قطايا، منسق الشؤون المالية في اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، يوافق على ضرورة أن تدعم الدولة القطاع الخاص «فهي التي أوقعتنا في هذه الأزمة وهي المسؤولة عن وضع الحلول لها»، لكنه يعتقد أن كلام الإدارات المدرسية على عجزها عن وضع موازنة من دون مساعدة الدولة هو أمر مبالغ فيه. الانتكاسة الاقتصادية فضحت المدارس، كما يقول، إذ إن مناشدتها الدولة لتناشد حاكم مصرف لبنان الإفراج عن أموالها المجمدة لدى المصارف يعني أنها لم تطبق القانون لجهة إعادة الفائض في الموازنة الى الأهل لكونها مؤسسات غير ربحية وأنها سرقت الأموال ووضعتها في حساباتها في المصارف.
قطايا يشير إلى أن الاتحاد قدّم الى وزير التربية خطّة تسمح بإعداد موازنة شفافة وتقضي بالتخفيف من المصاريف وتعليق بعض البنود استثنائياً، ومنها بند تعويض صاحب الرخصة، وبند التجديد والتطوير المتعلق بشراء التجهيزات والمعدات الإلكترونية وغيرها، وبند الاستهلاكات وهو أمر مخالف في الأصل للأمور المحاسبية والتقشف في بند الصيانة والتصليحات واقتصاره على الأمور الضرورية.
وبالنسبة إلى بند مساعدة التلامذة المحتاجين، اقترح الاتحاد إلغاءه من الموازنة وفتح صندوق تعاضد في المدرسة بإشراف لجنة الأهل وصندوق آخر في وزارة التربية بإشراف الوزارة.
يمكن أيضاً، بحسب قطايا، تأجيل الدفعات المتوجبة على المدارس لصناديق التعاضد والتعويضات والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بموجب مشاريع قوانين صادرة عن المجلس النيابي، وإمداد القطاع التربوي بمحروقات بسعر مدعوم تؤمّن لوسائل النقل المدرسية التي تقلّ الأساتذة في الوقت نفسه، ما يخفف عبء بدل النقل عن الموازنة، علماً بأن المدرسة ستستردّ ثمن المحروقات من بدل الأوتوكار الذي تتقاضاه من الأهل من خارج القسط، فيما هي مطالبة بإدخال كل الإيرادات التي تحصل عليها في الموازنة، ومنها: النقل المدرسي، الزيّ المدرسي، الكافيتريا، فتح الملف والمنح والمساعدات التي تحصل عليها المدارس من جهات مانحة أو من جمعيات تتبع لها. وفق قطايا، القانون لا يسمح لإدارة المدرسة بأن تزيد رواتب المعلمين بنسبة تتجاوز 30 في المئة من المكافآت واحتياط المدرسة، باستثناء إصدار قانون سلسلة رتب ورواتب جديدة. تضامن العائلة التربوية يقتضي، كما يقول، التضحية من كل مكوناتها: المدارس والمعلمين والأهل، وأن لا يكون الأهل كبش الفداء دائماً.
المدير العام لجمعية التعليم الديني ــــ مدارس المصطفى، محمد سماحة، يرى أن إعداد الموازنات يواجه عقبات حقيقية في ظل ارتفاع سعر صرف الدولار وضرورة زيادة رواتب المعلمين، مشيراً إلى أن الكثير من المدارس لن تدخل العام الدراسي من دون إعطاء زيادة للمعلمين تراوح بين 30 % و50 %، وبالتالي فإن الموازنة ستبنى وفق الأمر الواقع وليس وفق ما ينص عليه القانون، «لذا نسعى كاتحاد مؤسسات تربوية خاصة باتجاه اللجان النيابية لتعديل القانون استثنائياً كي يحاكي الواقع».
يؤيد سماحة طرح اتحاد لجان الأهل لجهة التقشف في بنود الموازنة، ولا سيما في القرطاسية والزي المدرسي، وتقليص الكثير من الأنشطة مع المحافظة على الحد الأدنى من المستوى التربوي المطلوب. يقرّ بأن عمل المدارس بنفَس تجاري في هذه الظروف هو أشبه بالانتحار، ولا بد من أن تتحمل كل المكونات مسؤولياتها لوضع القطار على السكة وإقلاع العام الدراسي. يقول إن أولويات المدارس تتمثّل بتأمين مستلزماتها من المحروقات، لافتاً إلى دراسة تتحدث عن أن كلفة النقل للتلميذ الواحد تراوح بين 350 ألف ليرة و500 ألف لمسافة 4 إلى 5 كيلومترات عن المدرسة.
تجدر الإشارة إلى أنّ فريقاً من المؤسسات يعمل بالتعاون مع وزارة التربية للتحضير لمؤتمر تربوي موسع يشارك فيه ممثلون عن التعليم الخاص والتعليم الرسمي والمنظمات الدولية المعنية بالقطاع بهدف اجتراح الحلول المناسبة للجميع.
الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر يبدو هو الآخر مقتنعاً بأن «تركيب» الموازنات مستحيل قبل معرفة أعداد الطلاب المسجلين وما هي المساعدات التي ستقدمها الدولة وما هي مشاريع القوانين التي ستقرّها، مشيراً إلى أن الانطلاق بالعام الدراسي مرهون بالمؤتمر التربوي الطارئ الذي سينظّم تحت مظلّة وزارة التربية التي أودعناها ورئاسة الجمهورية كل هواجسنا.