حسين أمير عبد اللهيان: داهية الحرس الثوري؟
ابراهيم ريحان – أساس ميديا
حسين أمير عبد اللهيان أو أمير حسين عبد اللهيان. حتّى اسمه يُراوغ مَن يتلفّظه.
مُخلصٌ للحرس الثّوريّ وتيّار حزب الله في إيران برتبة وزير خارجيّة الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران بعدما صادق مجلس الشّورى على ترشيح الرّئيس إبراهيم رئيسي له.
هو الرجل الأقوى وشبه الدّائم في مبنى وزارة الخارجية، إن في عهد “المحافظ سابقاً”، محمود أحمدي نجاد، أو في مطلع عهد “الإصلاحي الرّاحل” حسن روحاني.
مُراوغٌ سياسيّ كما يُراوغ اسمُه المُتابعين. يُتقن إطلاق التّصريحات المُتعدّدة، وتوزيع الأدوار حول أيّ قضيّة، ليوهِمَ المستمعين بوجود تضارب أو تناقض إيرانيّ. إذ يتولّى شدّ الحبل فيما يرخيه أحدٌ آخر، أو العكس. باختصار، يُتقِنُ عبد اللهيان سياسة “شعرة مُعاوية” الذي يتناوَب خُطباء بلاده على لعنه صباحاً ومساءً.
هو أحد ودائع الحرس الثّوريّ في الطّاقم الدّبلوماسيّ الإيرانيّ، حتّى ارتبط اسمه، خلال فترة عمله في وزارة الخارجيّة، بتدخّلات “الحرس الثوري” و”فيلق القدس” في السّياسة الخارجيّة، وتحديداً في ملفّات العراق وسوريا ولبنان.
لم يكن اختيار الرّئيس إبراهيم رئيسي له وزيراً للخارجيّة عن عبث. فهو الرّجل الذي لم يستسِغه وزير الخارجيّة السابق المُبتسم دائماً محمّد جواد ظريف حتّى عزله من منصبه كنائبٍ له للشؤون العربية والإفريقية سنة 2016، مُتحدّياً التّيّار الأصوليّ و”الحرس”.
وها هو اليوم يدخُل مبنى وزارة الخارجيّة مُتربّعاً على كرسيّ الوجه “الظريف” والمحبوب لدى الغرب.
حسين أمير عبد اللهيان خرّيج قسم العلاقات الدّبلوماسيّة من كلية العلاقات الدوليّة التّابعة لوزارة الخارجية الإيرانية. يحملُ شهادتيْ “ماجستير” و”دكتوراه” في العلاقات الدوليّة من جامعة طهران.
وجوده الدّائم في الخارجيّة الإيرانيّة خوّله تقلّد مناصب عديدة. فكان خبيراً سياسيّاً في الوزارة من 1992 إلى 1997، ثمّ نائباً لسفير بلاده في بغداد سنة 1997، حيث كان من مسؤوليّاته التنسيق مع عناصر “فيلق بدر” المعارض لنظام صدّام حسين.
أدوار عراقية
بعد سقوط نظام البعث في العراق، لم يجد قائد قوّة القدس السّابق قاسم سليماني أفضل من عبد اللهيان لدعم تعيينه في منصب نائب المُساعد الخاصّ لوزير الخارجيّة لشؤون العراق، لسببين:
الأوّل هو العلاقات التي نسجها مع مُعارضي صدّام حسين الموالين لإيران أثناء وجوده في بغداد.
والثّاني هو ولاؤه التّام والثّابت للمُرشد عليّ الخامنئيّ، وإخلاصه لمؤسّسة الحرس الثّوريّ، والرّابط الشّخصيّ المتين الذي جمعه بسليمانيّ الذي وجدَ فيه ضالّته الدّبلوماسيّة.
الرّابطة التي جمعت عبد اللهيان بقاسم سُليماني، الذي أدمنَ تقبيل رأسه أمام عدسات الإعلام، تجلّت بقوله خلال لقاءاته مع مسؤولين أوروبيين: “عليكم شكر إيران وسليماني لأنّه ساهم في إرساء السّلام والأمن العالميّين. لولاه، لتفكّكت الدول الكبرى في المنطقة”.
بعد ذلك، صارَ رئيس الدّائرة الخاصّة بالعراق في وزارة الخارجيّة. خوّله هذا المنصب أن يجلسَ مع الأميركيين في بغداد سنة 2007 في 3 اجتماعات “فاشلة” تحت عنوان “تأمين العراق”، وذلك بعد تدهور الأوضاع الأمنيّة وتفشّي الاقتتال الطّائفيّ في بلاد الرّافدين. وصَف عبد اللهيان هذه اللقاءات فيما بعد بقوله: “إنّ الأميركيين غادروا المكان عندما سمعوا كلاماً منطقيّاً ولم يكن لديهم إجابات منطقية عليه”.
بعد العراق، عملَ أثناءَ ولاية محمود أحمدي نجاد الثّانية سفيراً لبلاده في العاصمة البحرينيّة المنامة لـ3 سنوات بدءاً من سنة 2007.
سنة 2010 تولّى منصبه الأرفع في الخارجيّة قبل التّوزير. وهو نائب وزير الخارجيّة الإيرانيّة للشّؤون العربيّة والإفريقيّة. وذلك قبل أن يعزله ظريف ويستبدله بـ”صديق العرب” حسين جابري أنصاريّ كردٍّ منه على إحراق “الحرس” لمبنى السّفارة السّعوديّة في طهران. يومها، سارَع الحرس الثّوريّ إلى إبقائه في واجهة السّياسة الخارجيّة، عبر تعيينه مُساعداً خاصّاً لرئيس مجلس الشورى في الشؤون الدولية.
ومع استقالة ظريف أو “تمرّده” سنة 2019 بسبب عدم إبلاغه بزيارة الرئيس السوري بشار الأسد إلى طهران، كانَ طرح الحرس الثّوريّ اسم عبد اللهيان لخلافته سبباً كافياً لتطويع ظريف ورفض الرّئيس حسن روحاني استقالته.
تسلّمَ عبد اللهيان، ذو اللّسان العربيّ الطّلِق، الملفّ العربيّ في الخارجيّة الإيرانيّة لـ6 سنوات. بدأ مسيرته فيها من لبنان، حيث التقى الأمين العام لحزب الله السّيّد حسن نصرالله مرّات عديدة كانت أولاها بعد تعيينه سنة 2010.
مهندس تداعيات الربيع العربي؟
وفي عهده العربيّ، كانت انطلاقة “الرّبيع العربيّ” الذي وصلت شرارته إلى النّظام السّوريّ حليف طهران، وحاولت طهران استغلاله في البحرين. وانطلقت شرارة الأزمة اليمنيّة، وظهرَ تنظيم “داعش” في العراق.
هنا، تولّى عبد اللهيان سياسة المراوغة والتّلاعب بقوله: “لا تُصِرّ إيران على أنّ الرئيس بشار الأسد يجب أن يبقى رئيساً مدى الحياة”. بينما في الممارسة على الأرض كانت تبدو دمشق أهمّ بالنّسبة إلى إيران من طهران نفسها.
كانت تصريحاته عن سوريا واليمن تدعو دائماً إلى “حلّ سياسيّ للأزمتين”، فيما كانت بلاده ترسل مقاتلين من لبنان وأفغانستان والعراق ومستشارين عسكريين وأسلحة وذخائر وكلّ أشكال الدعم اللوجستيّ إلى جبهات القتال في سوريا واليمن.
أمّا في العراق، الذي تُسيطر فيه إيران بطواقم خبرائها العسكريين وميليشياتها وأسلحتها الخفيفة والمتوسّطة والثّقيلة على الأرض، وتُمسكُ بفضائه الفعليّ بمُسيَّراتها وصواريخها، وفضائه الافتراضيّ عبر أذرعها الأمنيّة، كان يقول عبد اللهيان إنّ بلاده “لا تعتزم إرسال قوات إلى العراق، لكنّها قد تزوّد بغداد بأسلحة إذا طَلَبَ المسؤولون العراقيّون منها ذلك”.
وبينما غرقَت إيران في التّدخّل في البحرين بكلّ الوسائل السّياسيّة واللوجستية والأمنيّة، وحتى عبر منابر خطب الجمعة والحسينيّات وإعلامها، كان عبد اللهيان يزعُم أنّ “التّدخّل العسكريّ السّعوديّ في البحرين أدّى إلى إيجاد شرخٍ عميقٍ بين الحكومة والشعب”.
مع تسلّمه وزارة الخارجيّة، ينتظر العالم بأسره ماذا سيكون الموقف الإيرانيّ في المحادثات النّوويّة. إلّا أنّ جملةً واحدةً قالها على شبكة CNN الأميركيّة تُعطي انطباعاً عن التّشدّد الذي ينتظرُ الجلسة السّابعة، إن حصلت: “إذا كان الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى للعودة إلى الاتفاق النووي، فلا ينبغي له أن يطرح أشياءَ جديدة، مثل المنطقة وصواريخنا والتدخّل في شؤون إيران”.
هو الدّبلوماسي “الداهية الإيرانيّ”، الذي يجمع كُلّ خبراته العَمليّة في المشرقِ العربيّ، من سواحل لبنان إلى الخليج العربيّ، مروراً بالعراق وسوريا. يكادُ يظهر في وسائل الإعلام عندَ كلّ مطلعِ شمسٍ. وكأنّه الوجه الذي لا يُمكنُ الاستغناء عن طلّته، ولا عن جملته التي لا تفارق شفتيه عندَ كلّ تصريحٍ، وهي عينها التي افتتح بها عهده وزيراً للخارجيّة: “الحلّ السياسيّ”، لجميع مشاكل المنطقة…