ألان سركيس-نداءالوطن
خطفت الأحداث التي وقعت في بلدة مغدوشة الجنوبية الأنظار، وكادت توحي بأن اشكالات طائفية قد تقع لو لم يُبادر بعض العقلاء إلى ترطيب الأجواء.
بعيداً من تفاصيل الحادثة وكيف تمّ تطويقها، فإن هناك سؤالاً كبيراً يُطرح، وهو “ما هو مستقبل المسيحيين في الجنوب سياسياً وأمنياً، وهل هم محميّون في ظل كل ما يحصل في لبنان، وهل ما زال الصدام مع المسيحيين خطاً أحمر عند “حزب الله”؟
لا شكّ أن “كل ديك على مصطبته صيّاح”، لكن الحقيقة أن مسيحيي الجنوب موجودون ومتجذرون منذ القدم في منطقتهم وساهموا في نهضة الجنوب وكانوا جزءاً لا يتجزأ من النسيج الإجتماعي. والجدير ذكره أن البطريرك الماروني الياس الحويّك “مطّ” حدود لبنان الكبير إلى قرى الشريط الحدودي التي تضمّ غالبية مسيحية.
أما محاولة إلصاق تهمة “العمالة” بمسيحيي الجنوب، بحسب المرجعيات الدينية والسياسية المسيحية جنوباً، فهي ساقطة حكماً، لأن ظروف تشكيل جيش لبنان الجنوبي معروفة، خصوصا ان نسبة كبيرة من عناصر هذا الجيش كانت من الشيعة وبقية المذاهب الإسلامية.
وفي السياق، فإنّ وضعية مسيحيي الجنوب تُطرح على بساط البحث، فبعد تحرير جزين إنتخابياً عند إقرار قانون القضاء عام 2008 في “إتفاق الدوحة”، تنفّس أهالي جزين الصعداء بعدما باتوا قادرين على اختيار ممثّليهم، لكن بعد ذلك تم ضمّ جزين إلى صيدا بحسب القانون النسبي الأخير، وعاد رئيس مجلس النواب نبيه برّي إلى دعم مرشحه ابراهيم عازار الذي خطف مقعداً مسيحياً بفعل حيثيته الخاصة إضافة إلى الدعم الشيعي.
ومن جهة أخرى، فإن مغدوشة التي تشكّل إحدى أهم القرى المسيحية في الجنوب لا تستطيع إيصال صوتها بفعل سطوة حركة “امل” على المقعد الكاثوليكي في قضاء الزهراني، وما ينطبق على الزهراني ينطبق على مسيحيي مرجعيون الذين يخطف الرئيس السابق للحزب “السوري القومي الإجتماعي” النائب أسعد حردان مقعدهم بدعم من “حزب الله” وحركة “أمل”.
قد يكون المقعد النيابي تفصيلاً، لكن الأساس يبقى في غياب إستراتيجية مسيحية موحّدة لدعم صمود الأهالي، فهناك قسم كبير من المسيحيين إما هاجر خوفاً من قوة الأمر الواقع بعد الإنسحاب الإسرائيلي وإما لا يزال مبعداً إلى إسرائيل، في حين أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي وقّع ورقة التفاهم مع “حزب الله” تخلّى عن مطلبه إعادة من هُجّروا إلى قراهم.
يُبدي أهالي بلدات رميش ودبل وعين إبل ومرجعيون والقليعة والمية ومية ومغدوشة وبقية القرى المسيحية، تمسّكاً شديدا بأرضهم حتى لو كان قسم كبير منهم يقطنون في بيروت والضواحي الشرقية، وهم الذين كانوا ينهون أشغالهم مساء الجمعة ويتوجهون في الليلة نفسها إلى الجنوب لتمضية عطلة نهاية الأسبوع، لكن صرخة الأهالي كبيرة، فلا الأحزاب المسيحية ولا المرجعيات الدينية ولا رجال الأعمال يبدون إهتماماً بصمودهم في قراهم، ربما لأنهم لا يشكّلون قوة إنتخابية كما يقولون.
ومن جهة أخرى، فإن الضعف المسيحي في كل لبنان نتيجة سياسات البعض الخاطئة والصراعات الدائرة في ما بينهم يؤثّر على دورهم، في حين أن فائض القوة لدى “الثنائي الشيعي” يجعل بلدة صغيرة شيعية بين بحر مسيحي أو سني في الشمال أو جبل لبنان مثلاً تستقوي وتفرض ما تشاء على محيطها.
سقطت الدولة في يد “حزب الله” واستقوى “الثنائي الشيعي”، وإذا كان “حزب الله” لا يتحمّل المسؤولية المباشرة عن أحداث مغدوشة، فإن الأكيد أن فائض القوة يضعف الدولة ولا يجعل الأجهزة الامنية تتصرّف كما يجب، وبالتالي فإن الحل بقيام دولة قوية عادلة تحتكر السلاح وتساوي بين كل الناس.