الكاتب:علي رباح ـ باحث ومدرب في التنمية السياسية والادارية
هذا الموضوع بالذات هو مادة دسمة للتنمر على قاعدة توهين القضية يوجب تضعيفها واسقاطها، ولكن هل هي كبيرة الى الحد الذي تُستخدم فيه كتعليل لكل مشاكل البلاد المستهدفة، ومهما كان مستوى هذه المشكلة ومداها، هل يتم التنمر عليها وفقاً لخطة مدروسة، ام يأتي كإنعكاسٍ لثقافة مجتمع دأب على تبسيط القضايا، كل القضايا ولو ارتبطت بمواضيع تلامس وجوده، وفق اسلوب حياة “مسخري”، تافه، يهرب من خلاله من الواقع، أو يُعبر عن واقع حال هابط وصلت اليه معظم التكتلات البشرية، بأسلوب “كركوزي” حيث تسود الفئة الاكثر جهلاً على مساحات وسائل التواصل الاجتماعي بحكم عددها الكبير.
من يُنكر المؤامرة، هو إما سطحي المعرفة، أو مشغّل من قبل جهة تريد صرف النظر عن المسألة وتوجيه المجتمع نحو جلد ذاته، أو ينظر الى اسباب مشكلات بلاده من الزاوية التي لا تظهر فيها المؤامرة، وهي زاوية شديدة الضيق. ودعوني اقول لكم ان المؤامرة موجودة، بل المؤمرات، وهي تجلي لصراع بين كافة الدول التي لا تحكمها القواعد الاخلاقية، بل فلسفات نيتشه وميكافيللي وغيرهم من فلاسفة التدمير، هذا الصراع الذي يصبح احادي التأثير في حال كانت الدولة المستهدفة ضعيفة، لا تستطيع الرد بمؤمرات مقابلة او بالحد الادنى اجهاض التي تستهدفها. فأميركا تتآمر على الصين والصين ترد عليها بمؤامرات معاكسة، وتتآمر على روسيا وروسيا تتآمر عليها، وتوازن الرعب النسبي يلعب دوره في كبح جماح الاطراف.
أما في حالتنا، كدول عربية والكثير من الدول الاسلامية، بل معظمها، نتعرض لسيلٍ من المؤامرات، ولكننا بالمقابل، نواجهها بالانكار، او التلهي، او الهروب، او ركوب الموجة، أو التنمر، وهو موضوعنا في هذا المقال، ودعوني اقول للجميع ما يلي:
· المؤامرة موجودة، وتتمظهر في خطط وسياسات واجراءات، تقوم بها اطقم السفارات الهائلة (15 الف موظف اميركي في السفارة الاميركية في العراق؟؟؟؟؟) التي تجند طبقة الكونسبيراسي وكبار السياسيين والامنيين كقادة الجيش واجهزة الامن، الذين يجندون الاوليغارشيين وموظفي الادارات العامة والاجهزة العسكرية والامنية متوسطي الموقع في الهيكل التنظيمي، والذين بدورهم يجندون صغار الموظفين والمتسلقين، الذين يجندون التافهين، وهذا الهيكل يمتد من اعلى الهرم الى اسفله، ويعمل هؤلاء على تحقيق منفعة الدولة المتآمرة، ولا يقف الامر عند هذا الحد، بل تُجهز ادوات بديلة، عند انتهاء صلاحية المنظومة السابقة، وتتمثل في ضباع ال NGO’s وشخصيات من خارج منظومة الدولة والكثير من الذباب الالكتروني، تتكفل باستقطاب حالات المعارضة، ليبقى الجميع تحت السيطرة في مسرح الدمى.
· يعمل هؤلاء على تدمير بنية الدولة من الداخل، وافراغها من عناصر قوتها المادية والبشرية، ويعمدون الى توجيه ضربات ترددية، تبدأ في مركز الدولة ولا تنتهي في كل اطراف تفاصيل حياتنا اليومية، حتى يسأل السائل، هل للمتآمرين ونظرية المؤامرة علاقة في ما يحصل؟
· المشكلة ان تداعيات هذه المؤامرات، تستقطب الكثير من الجشعين، والغوغائيين، والطامعين، والنهمين ليتماشوا معها بغية الاستفادة من نتائجها، وهم طفيليات الظروف الصعبة، وهؤلاء هم من يضيع ملامح المؤامرة، ويلقون على مشهدها الواضح بعض الضباب، وهم يخدمون المتآمر بجشعهم وانعدام احساسهم الديني والاخلاقي والانساني. ويُكمل المشهد مجموعة اغبياء (اجلكم الله)، لعب الزمن دوره فأعطاهم منصات يتكلمون من خلالها وينظرون ويتفلسفون فلا تدري ان كانوا يتكلمون من افواههم أو من مكان آخر ..
أقول، للمتنمرين، إن كنتم عملاء للكولونيالي، فلا تفرحوا كثيراً، فلن تجدوا لكم مكاناً في الطائرة بين الكلاب والكحول، وإن كنتم سطحيي المعرفة، فلا مناص من قيامكم بالبحث والتحري، فكم كبير من كتّاب تلكم البلاد يتحدثون عن تجاربهم التآمرية أو تجارب غيرهم من ابناء جلدتهم، كجون بيركنز ، ومايكل روبين، ومايلز كوبلاند، ونعومي كلاين، واريك فروم، وجوناثان راندال، وهنري كسنجر، وغيرهم.
وأقول للأغبياء والحمقى، بمعزل عن حملهم لوثيقة من مؤسسة تعليمية دينية كانت او اكاديمية، من عدمه، صبرٌ جميل وبالله المستعان على ما انتم عليه، .. وطوبى لمن وعى القضية وفهم كل ابعادها وشمّر عن ساعديه فهو في المواجهة ..
والسلام