أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في 16 آب الجاري، أنّه “لن يستقيل، وسيقوم بواجباته حتى النهاية، وأنّ أحداً لن يهزّه”. وقد رَدّ بهذا الموقف الحاسم على كلّ الدعوات الى استقالته أو إسقاطه. لكن يبدو أنّ تيار “المستقبل” يركّز، بعد اعتذار رئيسه سعد الحريري عن التأليف، على استهداف عون، سواء في ملف جريمة مرفأ بيروت، او في التصويب على رئيس الجمهورية وفريقه السياسي على أنّه يعرقل التأليف، وإن في طرح العمل على إسقاطه في حال اعتذر الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، وهذا ليس فقط سياسياً بل دستوري من خلال مجلس النواب. فهل هذا مُمكن، وهل شروط إسقاط عون في المجلس متوافرة دستورياً وسياسياً؟
دستوريّاً وقانونيّاً، وبمعزل عن أي اصطفاف سياسي، يوضح الوزير الأسبق المحامي زياد بارود أنّ “إسقاط رئيس الجمهورية غير موجود في الدستور، بل هناك حالة واحدة لإقالة الرئيس دستورياً وهي اتهامه بالخيانة العظمى وفق المادة 60 من الدستور. وخارج هذه الحالة، لا أحد يمكنه تقصير ولاية رئيس الجمهورية إلّا إذا اختار هو الاستقالة”.
أمّا المسار الدستوري لإقالة رئيس الجمهورية، فيمرّ في مرحلتين:
ـ أولاً، إتهامه بالخيانة العظمي من أكثرية الثلثين في مجلس النواب، وإحالة هذا الاتهام الى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
ـ ثانياً، محاكمته أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء، وهذه تتطلّب حضور جميع أعضائه الـ15، ويُتخذ قرار الادانة بأكثرية 10 أعضاء منهم.
ويشير بارود الى أنه “حتى لو تم تأمين أكثرية الثلثين في مجلس النواب، فهي لا تكفي لإقالة رئيس الجمهورية، فهي مطلوبة للاتهام فقط وليس للإدانة التي يقرّرها المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء”.
ويقول: “المطالبة باستقالة مسؤول في السياسة شيء وإقالته عبر أصول دستورية وقانونية محددة شيء آخر، وهذا المسار الدستوري ليس نزهة، فرئيس الجمهورية مُنتخَب ولديه موقع دستوري وليس موظفاً، علماً أنّ هناك نصوصاً دستورية وقانونية محدّدة حتى لإقالة الوزراء والموظفين الكبار”. أمّا في حال العمل على إقالة عون، فيوضح بارود أنّ “الشروط والعناصر الموضوعية المطلوبة لهذا الغرض غير متوافرة، لذلك يبقى الكلام في السياسة، وأقصى ما يمكن أن يفعله مجلس النواب هو اتهام الرئيس بالخيانة العظمى من خلال ثلثي المجلس، وهذه الأكثرية أيضاً غير متوافرة”.
دستوريّاً، لم يُعمَد مرة في لبنان الى إقالة رئيس الجمهورية، بينما عُمل سياسياً وشعبياً على إسقاط أكثر من رئيس، ومنهم بعد “اتفاق الطائف” الرئيس إميل لحود، من دون أن ينجح ذلك، لاعتبارات عدة، ومنها وضع البطريركية المارونية خطاً أحمر على إسقاط رئيس الجمهورية في الشارع.
وفي حالة عون، لا تتوافر دستورياً أكثرية الثلثين لاتهامه بالخيانة العظمى، والتهمة غير متوافرة أيضاً، ولا يظهر أنّ الأحزاب السياسية المُمثّلة بكتل نيابية، وحتى منها المعارضة لعون، مثل “القوات اللبنانية” و”الحزب التقدمي الاشتراكي”، ستقِف مع “المستقبل” لمحاولة إقالة عون أو إسقاطه من مجلس النواب الذي انتخَبه، علماً أنّ رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كان قد أعلن أخيراً أنّه لا يؤيّد الدعوة الى استقالة عون. وتشير مصادر “الإشتراكي” الى أنّ “هذا الإسقاط يتطلّب توافقاً وإجماعاً سياسياً، وإذا لم يكن هناك جو مسيحي وموافقة من “حزب الله”، مَن يمكنه إسقاط عون؟”. وتقول: “يجب طرح أمور منطقية وموضوعية. ولنفترض أنّنا أسقطنا الرئيس، هل بانتخاب رئيس جديد نحلّ المشكلة؟ كذلك إذا أسقطنا الرئيس وهذا التحالف الذي لديه أكثرية في مجلس النواب هو نفسه، ماذا نكون فعلنا؟”.
كذلك تشير المصادر نفسها الى أنه “تاريخياً في لبنان هناك محاذير، وليس سهلاً حصول هذا السيناريو، فليس هناك من تَبنٍّ من المرجعيات السياسية والدينية المسيحية لإسقاط رئيس الجمهورية، وإنّ رفع هذا الشعار من أي فريق آخر يؤدّي الى تشنج داخلي بين الطوائف وشَحذ الغرائز، ولسنا في حاجة إليه الآن”. ويعتبر “الاشتراكي” أنّ “الكلام المنطقي هو أنّنا مقبلون على انتخابات نيابية تعيد إنتاج السلطة، ومن خلالها ربّما يحصل تغيير في موازين القوى، وعندها ينتخب المجلس الجديد رئيساً جديداً”.
أمّا بالنسبة الى “القوات” فالكلام عن إقالة عون دستورياً هو لـ”مجرد الكلام السياسي وحاجات الخطاب العالي النبرة، فهو غير قابل للتحَقّق”. أمّا إسقاط عون فعلياً، فيجري بحسب “القوات” عبر مسارين:
ـ الأول، سيناريو إسقاط عون في الشارع حيث يخرج الناس، ويكون هناك قرار بتظاهرات أمام القصر الجمهوري أو في أي مكان في البلد تحت عنوان إسقاط رئيس الجمهورية.
ـ الثاني، الاستقالة من مجلس النواب، حيث نفرض إعادة تشكيل سلطة مجدداً، ومن خلال إعادة تكوين السلطة نفرض انتخابات رئاسة جمهورية.
وخلافاً لهذا لا يمكن إسقاط الرئيس، بحسب “القوات”، لذلك إنّ المدخل للتغيير، بحسب مصادرها، “يبدأ بالاستقالة من مجلس النواب، ومَن أخَّرَ كلّ هذا المسار هو مَن رفض الاستقالة”. وتذكّر المصادر أنّ “القوات دعت، قبل استقالة الرئيس حسان دياب، الى استقالة مشتركة ثلاثية مع “المستقبل” و”الاشتراكي”، ولو بدأ هذا المسار كان يمكن أن يأخذ اتجاهاً آخر يعيد ميزان القوى المجلسي ويؤدي الى انتاج سلطة جديدة”. وتغمز من قناة الحريري، مشيرةً الى أنّ “هناك من قال إنّ هناك فرصة، وبَدّد 9 أشهر من الوقت، فلماذا لم يستفِق منذ 9 أشهر عندما كان رئيساً مكلفاً؟”.
وعن اعتبار “المستقبل” أنّ جعجع يحمي عون، تقول مصادر “القوات”: “إنّ أحداً لا يمكنه المزايدة علينا، فـ”القوات” كانت السبّاقة وهي لا تضع خطوطاً حمراً على أي موقع رئاسي، لكن علينا أن نكون واقعيين وليس تنظيريين، فكيف نسقط الرئيس وكيف نؤمّن الأكثرية لذلك؟! حتى جنبلاط لا يسير بذلك، فضلاً عن أنّ “حزب الله ” ومحور 8 آذار، الذي لم يسمح بتقصير ولاية مجلس النواب، لن يسمح بإسقاط عون”.
وتعتبر “القوات” أنّ المواجهة مع عون تبدأ من خلال موقف سياسي يقول لفريق الرئيس و”حزب الله”: “ألّفوا الحكومة التي تريدونها ولا ثقة لا في التكليف ولا في التأليف، وتحمّلوا مسؤولية الكارثة التي أوصلتم البلد إليها”. وتقول مصادرها: “من هنا تبدأ المواجهة وقد بدأناها، فيما الآخرون لم يبدأوها بعد. فالمواجهة تبدأ أولاً من رفض إعطاء أي مظلّة سياسية لهذا الفريق والمشاركة معه في الحياة السياسية، ثمّ الاستقالة من مجلس النواب كخطوة عملية”.
وفي هذا الإطار، تذكّر أنّ “القوات” كانت متقدمة على الجميع، عندما رفضت أن تُسمّي أي شخصية لتأليف الحكومة وأن تشارك في التأليف، ورفضت تغطية العهد و”حزب الله”، فيما أنّ مَن غطّى العهد وذهب الى التكليف وسعى الى التأليف وهاجمَ “القوات” على رفضها ذلك، استفاق الآن لأنّه لم يتفق مع عون، ولو اتفق معه لكان يترأس حكومة الآن”. وبالتالي، بالنسبة الى “القوات”، إنّ “ضرب العهد يبدأ من عدم تغطيته والمشاركة في التكليف والتأليف، أمّا الذي هو جزء لا يتجزّأ من تسمية الرئيس نجيب ميقاتي لتأليف الحكومة فلا يمكنه أن يُزايد على “القوات”.