تتخفّى الولايات المتحدة خلف ذرائع وعناوين “كالديمقراطية” و”حقوق الانسان” و”مكافحة الإرهاب” لتقنع الرأي العام الدولي بتدخلها في الدول وخاصة دول الشرق الأوسط، و”تستثمر” في كل شؤونها الداخلية، حتى يُكشف لاحقًا أنها أساس صنيعة كل الأدوات والجماعات، التي لا شُغل لها سوى التدمير وانتهاك الانسان وحقوقه خدمةّ لمصالحها وأطماعها السياسية.
وفي سوريا التي تشهد حرباً منذ العقد الأخير، شواهد حيّة على العلاقة بين واشنطن وتنظيم “داعش الإرهابي”، وكيفيّة استثمارها له، بمحاولة منها لتغيير موقفها السياسي من الجمهورية الاسلامية الايرانية، وكيان الاحتلال الإسرائيلي وكذلك تجاه قضايا مهمة في المنطقة.
السياسة الامريكية الكليّة في سوريا
عام 2011، ودون سابق إنذار، شهدت دول عربية تحركات شعبية عديدة. كان العنوان الأبرز لها معيشيًا. سرعان ما انحرف بعضها عن سلميته ليتحول إلى حراك عسكري منظم، كما حصل في ليبيا على سبيل المثال.
سوريا، المتميزة في موقعها الجغرافي والسياسي، والدولة ذات الاقتصاد المتين، والمتموضعة ضمن دول الممانعة للسياسات الاميركية، والداعمة للمقاومة في مواجهة الأطماع الاسرائيلية، وذات العلاقة الاستراتيجية مع الجمهورية الاسلامية الايرانية، وذات الدور الإيجابي والمؤثر مع محيطها العربي والاقليمي، شهدت تحركات شعبية في أكثر من مدينة وهبت الاحتجاجات على إثر الحراكات الشعبة في بلدان عربية عدة.
بداية، حاولت الدولة إيجاد علاج من خلال التواصل مع الفئات التي بدأت الحراك تحت عناوين مختلفة، لكن شيئا ما بدأ يتضح للعيان منذ اللحظات الاولى، إذ خلصت المعطيات والقراءات إلى أن شيئا ما يحرك من الخارج، ومن قبل أكثر من طرف، وكذلك بين أطراف متشابكة. لكن ذلك لم يمنع دمشق من الذهاب باتجاه تعديل دستوري ألغت بموجبه المادة الثامنة من الدستور، التي طرحت على التصويت الشعبي. وكذلك تنظيم مؤتمرات حوارية في قلب العاصمة دمشق، من أجل إيجاد مخارج للأزمة.
تزامن ذلك مع حراك عربي إقليمي (لا سيما تركي) اتجاه دمشق. تلمست الدولة من خلال ما كان يطرح، تحت وطأة التهويل والتهديد بالحصار والعزلة، أن الأمر بعيد كل البعد عن تحقيق آمال الشعب السوري، وأنه مرتبط بمطالبة سوريا بتغيير موقعها السياسي وموقفها من العلاقة مع الجمهورية الاسلامية الايرانية ودعم المقاومات في لبنان وفلسطين، والانتقال إلى حظيرة الدولة التي تسير وفق ما تريده واشنطن.
من خلال ما كان ينقل إلى دمشق، لمس السوريون أن ورقة “كولن باول”، وزير الخارجية الاميركي عام 2003، وضعت على الطاولة من جديد وربما شكل ذلك خلاصة لما هو آت ويحضر.
البدايات … الواقع على الأرض والدور الاميركي
على وقع التحركات في سوريا، وبدء أعمال عنف وإرهاب، ورفع شعارات مذهبية، وظهور مجموعات تخريب منظمة، بدأ يظهر الدور الاميركي في دعم تلك التحركات شيئا فشيئا إن بالمباشر أو عبر وكلاء من دول عربية وإقليمية.
لسنا بحاجة إلى كثير من الأدلة لتبيان الدور التحريضي لواشنطن والداعي إلى العنف ورفض الحوار. ففي السابع من تموز عام 2011 زار السفير الاميركي لدى سوريا “روبرت فورد”، المعروف بتدخله السافر في شؤون الدول الداخلية أينما حل، برفقة السفير الفرنسي في سوريا “أريك شوفالييه” مدينة حماة. كان يوم جمعة، وهو يوم يشهد تحركات تحت عناوين مختلفة. كان عنوان تحركات تلك الجمعة: “لا حوار”، أي لا حوار مع الدولة السورية. يومها تحدثت المعلومات عن حث السفيرين مع من اجتمعوا بهم على رفض الحوار مع دمشق وتصعيد التظاهرات والتحركات. وهو ما أكدته مصادر سورية رفيعة في ذلك الوقت، وقد أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً اكدت فيه أن “وجود السفير الأميركي فى مدينة حماة دون الحصول على الإذن المسبق من وزارة الخارجية وفق التعليمات المعممة مراراً على جميع السفارات، دليل واضح على تورط الولايات المتحدة بالأحداث الجارية في سوريا ومحاولتها التحريض على تصعيد الأوضاع التي تخل بأمن واستقرار سوريا”.
كانت زيارة فورد تلك، مفصلاً وفي ذات الوقت مؤشراً على سياسة أميركية تصعيدية ضد دمشق، فواشنطن منذ اللحظات الأولى شكلت تكتلاً من أكثر من سبعين دولة لمحاصرة سوريا وتشديد الضغوطات عليها. وبعد رفض دمشق التدخل في شؤونها الداخلية ورفض الضغوط الخارجية لا سيما الأميركية. تدرجت حملة الضغوطات الاميركية، من حثّ حلفائها على قطع العلاقات الدبلوماسية مع دمشق إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية عليها، إلى عدم الاعتراف بشرعية الرئيس السوري بشار الأسد والنظام السياسي القائم، وإعلان الدعم للتحركات الميدانية تحت العنوان الانساني ليتبين سريعا أن قرار نشر الإرهاب بمختلف مسمياته قد اتخذ ورصد للأمر موارد مالية وتسليحية ضخمة وجندت دول إقليمية وعربية لتمويله.
برنامج تدريب وتجهيز “مسلحين سوريين“
مع اتساع رقعة الحرب في سوريا، وطغيان المجموعات المعروفة “بالجهادية” على المشهد السوري واتساع رقعة عملها على مختلف أراضي البلاد، تحت مسميات مختلفة، وفتح الحدود كاملة أمام تدفق المسلحين الأجانب – تتحدث التقديرات عن مشاركة مسلحين من أكثر من 80 دولة – ذهبت واشنطن إلى اتخاذ مواقف أكثر وضوحا تجاه تقديم الدعم التسليحي لفصائل سورية مختلفة تحت عنوان “المعارضة المسلحة المعتدلة”.
في الثالث عشر من حزيران عام 2013، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأميركي “باراك أوباما” قرر تقديم دعم عسكري “للمعارضة السورية”. يومها لم يفصح البيت الأبيض عن نوعية تلك الاسلحة. لكنه في 11 أيلول 2013، أي بعد خمسة أشهر من إعلان البيت الابيض قرار الدعم العسكري، وعلى إثر زيارته الى واشنطن، قال المتحدث باسم ائتلاف “جماعات مسلحة سورية” عبد القادر صالح: “إن الولايات المتحدة توزع مساعدات غير فتاكة، وبعض المساعدات الفتاكة أيضاً على المجلس العسكري الاعلى”، في إشارة إلى المجلس الذي يشرف على عمليات المسلحين الذين يعملون تحت قيادة اللواء سليم ادريس، يومها.
وأضاف: “إن الولايات المتحدة بدأت بتقديم المساعدات الفتاكة لأنهم متأكدون أن الآليات التي أرساها المجلس العسكري الأعلى جرى اختبارها بشكل جيد وأنهم سيكونون متأكدين من أن الأسلحة لن تقع في الأيدي الخطأ”، وقصد بالأيدي الخطأ الجماعات المتشددة جبهة النصرة المصنفة فعليا على لوائح الارهاب الاميركية والتي كانت تنشط في شمال البلاد.
يعتبر ذلك مؤشراً عمليا على دعم أميركي تسليحي لفصائل مسلحة بطريقة مباشرة. فواشنطن أقرت عام ألفين وثلاثة عشر برنامج تدريب وتسليح لمقاتلين سوريين، وتم إنشاء وإقامة مراكز تدريب في الداخل السوري، وفي دول مجاورة – تركيا والأردن – وكان التدريب يجري بإشراف أميركي مباشر وقد بثت مشاهد لعمليات التدريب تلك.
يجب الإشارة إلى أن الدعم الأميركي للمجموعات المسلحة كان كبيراً، وتؤكد مصادر مختلفة أن البرامج الأميركية للتدريب والتسليح والتي انتقدها مشرعون أميركيون لاحقاً وأعلنوا فشلها، وأن الساحة السورية فُتحت للمتشددين الذين هم أكثر تاثيراً على أرض الواقع، كانت غطاءا وحرفا للانظار عن التسليح والدعم الذي أوكل إلى دول عربية معادية لسوريا ولدول إقليمية، وأن السلاح بمختلف صنوفه كان يتدفق الى الأراضي السورية عبر لبنان وتركيا والاردن.
في المحصلة تكفي الإشارة الى التسليح والتدريب الأميركي لمسلحين سوريين لتبيان حقيقة الموقف السياسي الأميريكي من سوريا والذي كان يهدف إلى، ليس فقط الضغط على الرئيس السوري، إنما إسقاط النظام وتعيين نظام بديل عنه يحقق مصالح أميركا والكيان الاسرائيلي في المنطقة
مجموعة أصدقاء الشعب السوري
منذ اندلاع الأحداث تحرك الأميركيون والغربيون وبعض العرب وتركيا تحت عنوان “دعم الشعب السوري”. تحت هذا المسمى جرت عمليات التسليح وتمزيق المجتمع السوري، وتغذية الانقسامات المذهبية والمناطقية. وبالتوازي مع التباكي على الشعب السوري، وفي خطوات تدحض هذه المزاعم، عمد الأميركيون إلى فرض عقوبات اقتصادية ومالية على دمشق، المتضرر منها هو الشعب السوري.
عملت واشنطن منذ اللحظات الاولى عبر مجلس الأمن الدولي، وسعت إلى استصدار قرارات للتدخل في سوريا بمختلف السبل، على غرار ما حصل في ليبيا، لكنها اصطدمت بالمانع الروسي- الصيني، وجرت عدة محاولات لإدانة دمشق التي كانت تقاتل الارهاب المتصاعد بمختلف مسمياته والمدعوم عربيا وأميركيا وتركيا وغربيا، لكن كل تلك المحاولات فشلت بسبب الفيتويات الروسية والصينية المشتركة.
وعليه، فإن واشنطن التي كانت تواصل فرض عقوبات أحادية الجانب، بالاضافة الى العقوبات الأوربية والعربية والمقاطعة الدبلوماسية، لجأت إلى التحرك من خارج مجلس الأمن الدولي، وعليه أتى مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” الذي عقدت جلسته الأولى في تونس في 24 شباط عام 2012، وحضره ممثلون عن سبعين دولة وعدد من المنظمات والهيئات الدولية منها جامعة الدول العربية.
صحيح أن أول من اقترح إنشاء مجموعة اتصال لمساندة مايسمى”الثورة السورية” كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلا أنه حظي بدعم وتوجيه ومتابعة أميركية خالصة.
نظم المؤتمر في تونس، البلد الذي قطع علاقاته بدمشق عام 2012 وطرد سفيرها. وبحسب المعلن كان المؤتمر يهدف إلى حل الأزمة السورية، إلا أن شكل الحضور والعناوين التي طرحت وما تضمنته مداخلات الحاضرين، كان يشي بتعميق الأزمة ومواصلة تغذية الإرهاب وفرض حلول سياسية تناسب الأميركيين أولا.
أبرز ما ورد في البيان الختامي:
_ دعوة الحكومة السورية إلى إنهاء العنف ووقف إطلاق النار والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لأكثر المناطق تضرراً.
_ فرض مزيد من العقوبات على النظام السوري كحظر السفر على المسؤولين.
_ تجميد أرصدة ووقف التعامل التجاري في مجالات النفط والفوسفات.
_ تخفيض العلاقات الدبلوماسية.
_ حظر توريد السلاح.
_ عدم إقصاء الأقليات في سوريا وإنصافها، واعتراف بالقلق المشروع للأقليات العرقية والدينية.
_ وختاما الاعتراف بالمجلس الوطني السوري كممثل وحيد للشعب السوري.
وفي الدلالة على الرعاية الأميركية الخالصة للمؤتمر والتي تبين سياسة أميركا تجاه سوريا، كان أول المعلقين على النتائج هو الرئيس الأميركي “باراك أوباما”، وقال يومها: مستعدون لاستخدام كل الأدوات المتوافرة لمنع المجازر في سوريا. إن الوحدة الدولية التي تجلت في المؤتمر تشجعه”.
كذلك برز تعليق وزيرة خارجيته “هيلاري كلينتون”، التي حضرت المؤتمر في تونس، حيث قالت: “ينبغي أن يسعى المجتمع الدولي الى تغيير موقف الصين وروسيا المعارض لأي إجراء يرمي إلى وقف القمع الذي يمارسه النظام السوري.. ينبغي أن يدركوا أنهم يقفون ليس في وجه تطلعات الشعب السوري فحسب، وإنما الربيع العربي برمته”.
إن الإشارة إلى مؤتمر “أصدقاء الشعب السوري” في دراستنا، يرمي إلى تبيان وإيضاح الدور الاميركي في إدارة الاوضاع في سوريا سياسيا وعسكريا، والإمساك بهذا الملف لتحقيق مكتسبات لا تقف عند حدود الشرق الأوسط. ومن الواضح أن خلاصة الموقف الاميركي تجلت في ذلك المؤتمر باعتباره أنه أتى بعد فشل تنفيذ واشنطن سياساتها عبر مجلس الأمن الدولي بسبب التصلب في الموقفين الروسي والصيني.
تشير الخلاصة في العنوان الأول من الدراسة إلى أن السياسة الاميركية في سوريا تمثلت في مراحلها الاولى بمحاصرة دمشق خارجيا وتغذية الصراع المسلح وفتح الأبواب أمام استقدام الارهابيين من حول العالم. وتسهيل نشوء التنظيمات الارهابية ذات الطابع التكفيري، والتي باتت لها الكلمة العليا في الميدان السوري منذ عام 2013 بشكل أساسي. كذلك العمل على التحرك من خارج مجلس الأمن الدولي، وهو الأمر الذي يؤكد على الطبيعة العدوانية للسياسة الاميركية والتي لا تعرف حدودا، وهو ما سنبينه في سياق دراستنا من خلال إبراز التعاون المباشر وغير المباشر بين واشنطن وتنظيم داعش الارهابي تحديداً.
الخارطة الجغرافية للوجود الأميركي العسكري
ما هو معروف، أن التواجد الأميركي المباشر على الأرض السورية بدأ مع الإعلان عن تشكيل التحالف الدولي لمحاربة داعش في أيلول عام 2014، والمُشكل من ثلاث وثمانين دولة وتقوده الولايات المتحدة الأميركية.
بدأ التواجد الأميركي على الأرض بصفة مستشارين إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردية خلال معارك تحرير بلدة عين العرب “كوباني” من تنظيم داعش الإرهابي بتاريخ 26 يناير 2015، ليبدأ هذا التواجد بالتوسع لاحقاً مع تقدم قوات “قسد” المُشكلة أميركيا في مواجهة داعش في مناطق شمال شرق سوريا (شرق نهر الفراق) عام 2017، ويتحول إلى وجود عسكري وازن، فتم نقل قوات عسكرية وعتاد من دول مجاورة. واتخذت هذه القوات من مواقع حيوية وقواعد عسكرية سورية مراكز إقامة لها ليصبح الانتشار الجغرافي واسعا، وأخذ الشكل الحالي للتمركز مع تقدم قوات “قسد” في مواجهة داعش في مناطق شمال شرق سوريا (شرق نهر الفراق) عام 2017.
وفيما يتعلق بمنطقة جنوب شرق سوريا، تمركز الأميركيون إلى جانب البريطانيين في منطقة التنف، ضمن قاعدة التنف العسكرية عند المثلث العراقي السوري الأردني، بدءا من عام 2015. ويجب الإشارة إلى أن البريطانيين ينشطون بقوة في تلك المنطقة، وتتحدث تقارير عن أن قاعدة التنف تضم طائرات تورنيدو بريطانية إلى جانب طائرات عسكرية أميركية.
التواجد العسكري الأميركي المباشر قبل وبعد ما يعرف بعملية “نبع السلام” التركية التي بدأت في التاسع من اكتوبر عام 2019:
القواعد التي تم شقها من قبل القوات الأمريكية وتم إخلاؤها لاحقًا:
_ قاعدة عين العرب “كوباني” – ريف حلب الشمالي الشرقي وتعرف باسم قاعدة “خراب العاشق”. (أخليت)
_ قاعدة “تل أبيض” – عند الحدود السورية مع تركيا (أخليت)
_ قاعدة مدينة “عين عيسى”. (أخليت)
_ قاعدة المبروكة غرب رأس العين. (أخليت)
_ قاعدة في مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة (أخليت)
_ نقطة خط نهر الساجور بريف منبج شرق حلب (أخليت)
_ نقطة تل أرقم في ريف رأي العين (أخليت)
_ نقطة تل سمن في ريف الرقة الشمالي (أخليت)
_نقطة معمل لافارج لأسمنت في برلدة صرين- شمال شرق حلب (أخليت)
القواعد القائمة حاليًا
_ قاعدة “رميلان” شرق القامشلي. (قاعدة عسكرية) (قائمة)
_ قاعدة في مطار “خراب الجير” – ريف المالكية (نقطة دعم لوجستي) (قائمة)
_ قاعدة في مطار رحيبة “روباريا” – ريف المالكية بريف الحسكة الشمالي الشرقي (دعم لوجستي) (قائمة)ٍ
_ قاعدة “تل بيدر” شمال غرب محافظة الحسكة. (نقطة ارتباط – دعم لوجستي) (قائمة)
_ قاعدة “لايف ستون” ريف الحسكة الغربي (دعم لوجستي) (قائمة)
_ قاعدة الشدادي – ريف الحسكة. (قائمة)
_ قاعدة “كونيكو” ريف دير الزور. (قائمة)
_ قاعدة حقل “العمر” النفطي. (قائمة)
- قاعدة “الباغوز” – ريف دير الزور الجنوبي (قيد الإنشاء).
- قاعدة التنف العسكرية – تقع عند الحدود العراقية السورية الأردنية، وتعد القاعدة الأمريكية الأكبر في سوريا. (قائمة)
القواعد العسكرية الرئيسية:
_ قاعدة التنف العسكرية (القاعدة الأكبر)
_ قاعدة “رميلان” شرق القامشلي. (ثاني أكبر قاعدة أميركية)
_ قاعدة الشدادي – ريف الحسكة.
_ قاعدة “كونيكو” ريف دير الزور.
_ قاعدة حقل “العمر” النفطي.
الواضح من الانتشار العسكري الأميركي في شمال شرق سوريا، وجنوب شرق البلاد (التنف)، وبما هو مؤمن من سطوة جوية تسمح للقوات الأميركية برقابة عالية، أنه ليس مرتبطا بما تقول واشنطن إنه محاربة تنظيم “داعش”الإرهابي، إنما يشكل عوائق لطرق الوصل بين سوريا والعراق وبالتالي بين طهران وبيروت. هو تواجد يشكل غطاءً للتنظيمات الارهابية لا سيما تنظيم داعش والميليشيات المسلحة. فبعض القواعد العسكرية مزودة بأجهزة رصد وتشويش ورادارات وكذلك منظومة “باتريوت” للدفاع الجوي (كونيكو) وأنظمة دفاع جوي قصيرة المدى.
محطات التنسيق والتعاون بين داعش والولايات المتحدة
لا بد قبل الحديث عن محطات التنسيق المثبتة بين القوات العسكرية الأميركية المحتلة وتنظيم داعش الارهابي، الإضاءة على أهم مراحل العمليات ضد التنظيم الارهابي التي نفذها محور المقاومة والشريك الروسي، تحديدا عام 2017 والتي شكلت تحولا على صعيد المواجهة، وما رافق تلك العمليات من تقدم لما يسمى قوات سوريا الديمقراطية بدعم من الولايات المتحدة الأميركية في شمال شرق سوريا (شرق نهر الفرات) بالتوازي مع تقدم قوات محور المقاومة في البادية السورية “شرق حمص”، جنوب شرق دمشق وشرق مدينة حلب.
مع نهاية عام 2016 وتحقيق الإنجاز الاستراتيجي الأول المتمثل بتحرير مدينة حلب، وتعرض المشروع التركي لضربة كبيرة، بدأ الأتراك عملية عسكرية تحت مسمى “درع الفرات”، كان الهدف منها الوصول إلى مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، كتعويض عن خسارة مدينة حلب، وموطئ قدم في تلك المنطقة، تؤسس لاحقا للتقدم في عمق الاراضي السورية، أي نحو الوسط، والتوسع نحو شمال شرق البلاد انطلاقا من منبج للعبور نحو شرق النهر. كانت تركيا تضع خططاً للدخول من هناك نحو مدينة الرقة، وهو ما كان يعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صراحة.
كان ملفتا خلال عمليات درع الفرات أمرين: استبسال “داعش” في القتال بمواجهة القوات التركية، وممانعة الأميركيين دخول قوات تركية أو مجموعات مسلحة، مدعومة منها، إلى مدينة مدينة منبج (ريف حلب الشرقي)، وبالتالي فيتو أميركي على دخول أنقرة الى شرق الفرات، وهو ما يعني وضع حدود للدور التركي في سوريا.
بالتوازي مع العمليات العسكرية التركية، ومع تبيان ما يحضره الأميركييون، خاصة بعد ضربة الشعيرات، تبين أن شيئا ما يحضر في شمال شرق سوريا، وشرق سوريا بشكل عام، تشرف عليه واشنطن.
في ذلك الحين، كان الجيش السوري وحلفاؤه والشريك الروسي يحضرون لعملية عسكرية واسعة في شمال حماة، الهدف منها الوصول إلى مدينة “خان شيخون” في ريف ادلب الجنوبي. لكن ضربة الشعيرات التي نفذها الاميركيون بحجة انطلاق طائرات منها نفذت هجوما كيميائيا مزعوما في خان شيخون، إضافة إلى التحركات التركية في شرق حلب (درع الفرات)، ومع وضوح ما يحضره الاميركيين في شمال شرق سوريا (شرق نهر الفرات)، كل ذلك فرض تغييرا في المعادلة على كامل الساحة السورية (والعراقية)، فبدأت العمليات العسكرية التي تهدف إلى ضرب تنظيم داعش الارهابي، وبالتالي التوجه شرقا.
بداية عام 2017 بدأ الجيش السوري عملية عسكرية في ريف حلب الشرقي هدفت إلى الوصول إلى ضفة نهر الفرات الغربية، وبالتالي قطع الطريق على التوغل التركي، الذي كان يتخبط في مدينة الباب، ويواجه خطوطا حمر رسمتها واشنطن. نجح السوريون في الوصول إلى بلدة “تادف” المجاورة لمدينة الباب، وتمكنوا أيضا من ضرب “داعش” في نقطة تموضع مهمة له وهي قرية دير حافر، وبعدها تمكن من الوصول إلى ضفة نهر الفرات، وقطع بذلك طريق إمداد مهم لتنظيم داعش نحو مدينة الباب.
ومع وصول الجيش السوري الى ضفة الفرات الغربية، كانت وحدات منه ومن قوى الحلفاء تتقدم نحو مدينة تدمر، ونجحت باستعادتها للمرة الثانية من تنظيم داعش، ومنها بدأ التقدم شمال شرق تدمر، كان الهدف ملاقاة القوات القادمة بموازاة نهر الفرات من الشمال، وبالتالي محاصرة بقايا داعش في مناطق واسعة من ريف حماة الشرقي وما تبقى من قوات للتنظيم شمال تدمر في مناطق من شرق حمص.
كان الهدف من هذه العمليات، بالاضافة الى عمليات أخرى في ريف دمشق الجنوبي الشرقي، تهئية الأرضية لعمليات عسكرية كبرى الهدف منها اقتلاع داعش من شرق حمص والبادية السورية ومواقعه في شرق البلاد وجنوبها.
ومن الشهر الثالث من عام 2017 وحتى الخامس منه كانت العمليات العسكرية تتوسع في شرق حمص. كانت قوات من المقاومة (حزب الله) والجيش السوري والحلفاء بدعم جوي روسي تتقدم في مناطق واسعة. لتطلق في بداية الشهر الخامس المرحلة الاولى من عمليات “الفجر الكبرى”، بدء توسيع التقدم في مناطق بريفي دمشق الجنوبي والشرقي لجهة البادية، وتوسيع التقدم في ريف حمص الشرقي بالتوازي مع تقدم قوات سورية نحو ريف الرقة الغربي قادمة من ريف حلب الشرقي.
بعد التقدم في ريف دمشق الجنوبي، تمكن حلفاء المقاومة، بقيادة الشهيد الجنرال قاسم سليماني من تطويق الاميركيين في منطقة التنف بشعاع 55 كلم، يومها أغار الامريكيون جويا، وفي أكثر من مرة، قرب قوات تابعة للحلفاء، لكن الأمر لم ينجح في وقف التقدم.
ومع تقدم قوات الجيش السوري والحلفاء بزخم عال، أطلق الامريكيون، في الشهر السادس، عملية عسكرية نحو مدينة الرقة التي يسيطر عليها تنظيم “داعش”، عبر قصف جوي تدميري عنيف استهدف المدينة وأطرافها، ليمهد الطريق “لقوات سوريا الديمقراطية” على الارض. كان واضحا أن الأميركيين يسابقون الجيش السوري والحلفاء لمنعهم من عبور شرق النهر، وبالتالي خوض عمليات عسكرية برية شرق النهر بالتوازي مع عمليات الجيش السوري غربه. الأمر الذي تبين أكثر فأكثر خلال المراحل اللاحقة.
لابد من الإشارة إلى أن الأمريكيين حاولوا منع الجيش السوري من السيطرة على بلدة “الرصافة” التي تقع على بعد ثلاثين كيلومترا من مدينة الرقة في شمال سورية على نهر الفرات، وأسقطوا طائرة حربية سورية في أجوائها. لكن الأمر لم يمنع السوريين من دخولها والمرابطة فيها.
وبالعودة إلى عمليات الفجر الكبرى، بدأت المرحلة الثانية في الشهر الثامن، وتمكن الجيش السوري وحلفاؤه من السيطرة على مدينة “السخنة” في أقصى ريف حمص الشرقي. وبالسيطرة عليها، فتح الباب أمام فك الحصار عن مدينة دير الزور المحاصرة والذي تم في الشهر التاسع من العام نفسه (2017). وبهذا انتهت المرحلة الثانية لتبدأ المرحلة الثالثة وهي الأهم: التوجه نحو البوكمال في أقصى ريف دير الزور الجنوبي. وللوصول إليها، تقدمت قوات الجيش السوري والمقاومة والحلفاء والقوات الرديفة، من مدينة دير الزور نحو مدينة الميادين. وبالتوازي تقدمت قوات مؤللة من شرق حمص، تحديدا من حميمية نحو “المحطة الثانية t2“، لتصل الى المدينة في الشهر الحادي عشر من ذلك العام.
وبين المرحلة الثانية والثالثة من عمليات الفجر الكبرى، كانت قوات “قسد” تتقدم بالتوازي نحو شرق النهر مع تقدم القوات السورية وحلفائها غربه. كان واضحا أن الاميركيين رسموا حدودا لهم، ولخصومهم، وهي أنهم سيرابطون في شمال شرق البلاد، حيث منابع النفط والثقل الرزاعي للدولة السورية.
وليحقق الأميركيون أهدافهم، كان لا بد من مساندة تنظيم “داعش” سواء في البادية أو شرق حمص. كان واضحا وبالادلة أن للأميركيين دورا هاما في الكثير من عمليات تنظيم “داعش”، إذ قدموا له دعماً مباشراً وغير مباشر.
وهنا نسلط الضوء على حوادث حصل فيها إسناد ودعم أميركي مباشر، كذلك تنسيق ميداني:
الحادثة الاولى (جبل الثردة – 2016(:
في العاشر من أيلول، وإثر العمليات العسكرية في مدينة حلب، وتمكن الجيش السوري وحلفائه من تحقيق إنجازات هامة، ومحاصرة المسلحين في أحياء المدينة الشرقية، وبعد جولات تفاوض عدة بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الأميركي جان كيري، تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار في المدينة، عرف بـ “اتفاق حلب”.
بحسب المعطيات في تلك المرحلة، فإن ما توصلت إليه الدبلوماسية الأميركية والروسية، لم يعجب الصقور في الولايات المتحدة الأميركية، تحديدا في البنتاغون يومها، تبين بحسب هؤلاء، أن الإتفاق ناقص، ولا يحقق مصالح واشنطن، ويعطي موسكو اليد العليا في مدينة حلب.
وعليه، في السابع عشر من الشهر نفسه، أي بعد سبعة أيام من التوصل للاتفاق، شنت طائرات أميركية (تابعة للتحالف الذي تقوده واشنطن)، غارات عنيفة استهدفت جبل الثردة غرب مدينة دير الزور، المحاصرة آنذاك، شرق سوريا. تزامنت الغارات، التي بررها الأميركيون بانها كانت عن طريق الخطأ، مع هجوم لتنظيم داعش باتجاه تلك “التلة” التي يعني سقوطها، دخول داعش إلى مدينة دير الزور.
في تلك الليلة، شن التنظيم الهجوم، المعد له مسبقا، مباشرة مع وقوع الغارات الأميركية.
بحسب المعطيات ما جرى تلك الليلة، أن عناصر التنظيم الارهابي كانوا على تنسيق تام من الأمريكيين، خاصة لجهة تنظيم الهجوم، جوًا (أميركي)، برًا (داعش)، على ذات الهدف الميداني، وذات أهداف تلك العملية.
كان الهدف من تلك الضربة هو الدخول إلى دير الزور وإسقاطها، وبالتالي إخراج الحكومة السوية وقواتها والحلفاء نهائياً من تلك المنطقة.
يومها، سقط اتفاق حلب، وأغلق طريق” الكاستيلو” شمال المدينة، وهو معبر المساعدات نحو أحياء حلب الشرقية، واستؤنفت العمليات التي أدت إلى تحرير تلك الأحياء نهاية العام نفسه.
يومها أيضا، تمكن الجيش العربي السوري وحلفاؤه بإسناد جوي روسي من صد الهجوم على جبل الثردة، وأسفرت العملية عن سقوط ما يزيد عن المائة شهيد.
ما حصل في جبل الثردة كان تنسيقًا عسكريًا مباشرًا، وليس صدفة أو غارات جوية أميركية عن طريق الخطأ.
الحادثة الثانية: هجوم مضاد في البادية بشعاع 170 كلم (2017)
_ عام 2017 – أواخر شهر أيلول، وبعد أقل من 25 يوما على وصول الجيش السوري والحلفاء إلى مدينة دير الزور وفك الحصار عنها، والاستعداد لاستئناف العمليات نحو الميادين، شن تنظيم “داعش” هجوما واسعا في البادية إنطلق من عدة نقاط في عمقها واستهدف: الشولا وكباجب في ريف دير الزور.
_ السخنة في ريف حمص الشرقي
_ المحطة الثالثة في ريف حمص الشرقي
_ الخط الواصل بين حميمة في أقصى ريف حمص الجنوبي الشرقي والمحطة الثالثة في الريف.
هَدَفَ الهجوم إلى ضرب منجز الجيش السوري وحلفائه في تلك المرحلة، وهو ما تحقق في المرحلة الثانية من عمليات “الفجر الكبرى” والتي تم بموجبها فك الحصار عن مدينة دير الزور.
تمكن تنظيم “داعش” بهجوم منسق وقوي من استهداف نقاط على شعاع 170 كلم في البادية، من تحقيق تقدم ملحوظ، لكنه سرعان ما تراجع بفعل قوة التصدي الكبيرة لقوات الحلفاء والجيش السوري باسناد جوي روسي.
تزامن الهجوم يومها مع تحريك بقايا لخلايا “داعش” في “القريتين” بريف حمص الشرقي، لإشغال قوات الحلفاء والجيش السوري.
في تلك العملية، كان للأمريكيين دور كبير في توجيه قوات “داعش”. بعض تلك القوات تحركت من عمق البادية، وأخرى من مناطق قرب منطقة التنف.
يومها أيضًا، تم رصد تشويش كبير تزامن مع الهجوم، بل وسبقه بقليل، واستهدف التشويش سلاح الاشارة للقوات السورية والحلفاء التي شكل حزب الله رأس حربة فيها.
كما رصد يومها تحليق كثيف لمسيرات، تبين أنها تابعة للقوات الأميركية، وكانت تؤمن غطاء لتنظيم داعش وتزود قواته على الأرض بإحداثيات ونقاط تموضع للجيش السوري وحلفائه.
في تلك الحادثة، تجلى التنسيق الأميركي بأبهى صوره وبشكل عال المستوى، ونجح الحلفاء في كسره.
هنا لا بد من الإشارة أنه ليس خفيا أن القدرات التي يمتلكها الحلفاء كانت عالية جدا لجهة المسيرات وسلاح الاشارة المتطور أيضا.
الحادثة الثالثة: التشويش على عمليات الحلفاء في البوكمال (2017)
في الشهر الحادي عشر من عام 2017، ومع تقدم قوات الحلفاء بقيادة الجنرال الشهيد قاسم سليماني، إنطلاقا من المحطة الثانية في ريف حمص الجنوبي الشرقي، نحو مدينة البوكمال في اقصى ريف دير الزور الجنوبي التي يسيطر عليها تنظيم داعش الارهابي، عمد الأمريكيون إلى التشويش على الأجواء واتصالات القوات المتواجدةعلى الأرض، وأرسلوا تهديدات بقصف أي قوة تجتاز شرق النهر، يومها أوقفت موسكو لمدة 48 ساعة فقط ضرباتها التي كانت تقوم بها القاذفات الاستراتيجية التي تعبر الأجواء الايرانية وتستهدف مواقع وتحصينات تنظيم داعش الارهابي.
يومها، صحيح أن الأميركيين أوصلوا في رسالتهم تهديدا يتعلق بشرق الفرات، لكن أيضا حاولوا إعطاء عناصر داعش متنفساً في البوكمال ليلملموا صفوفهم، كذلك عمد الأميركيون إلى إخلاء قيادات من داعش في مناطق قريبة شرق النهر لم تعرف هويتهم.
هنا يجب أن نذكر شيئا مهما، في تلك المرحلة، كان “مايك بومبيو”، وزير الخارجية الأمريكي في إدارة ترامب، هو مدير السي أي ايه، فأرسل عبر وسيط رسالة للجنرال قاسم سليماني، الذي كان يتواجد على الأرض في تلك المعركة. هذه الرسالة، التي نقلت عبر وسيط، رفض الجنرال الشهيد تسلمها، أو حتى السؤال عن مضمونها، ما اضطر الأمريكيين لاحقا إلى القول إنها رسالة تهديد مفادها أن لا تمسوا مصالحنا في العراق!!، وهو ما أثار تعجب المتابعين للمعارك والمفاصل السياسية في تلك المرحلة. ويومها، ما دفع الأميركيين للإعلان عن المضمون، هو رفض الشهيد سليماني تسلمها.
نذكر هذه الحادثة لنبين مدى انزعاج الأميركين في تلك المرحلة من العمليات العسكرية تلك التي وضعوا كل ثقلهم فيها، دعماً لداعش.
يجب الإشارة أيضا إلى أن الهدف من التصعيد الأميركي في تلك المرحلة، هو منع الحلفاء والجيش السوري من السيطرة على مدينة البوكمال، وملاقاة القوات العراقية وقوات الحشد التي تمكنت من الوصول إلى مدينة القائم، فالإلتقاء بين القوتين يعني فتح الطريق من طهران، بل أبعد، إلى بيروت، برا. وهنا الضربة الكبرى للأميركيين التي دفعتهم إلى إسناد داعش بشكل مباشر في تلك المعركة.
إن تحرير البوكمال، وفتح الطريق بين المدينة السورية ومدنية القائم العراقية، يعد إنجازا استراتيجيا يفوق بحجمه الإنجاز الكبير الذي تمثل بتحرير حلب أواخر عام 2016، مع عدم التقليل من أهمية منجز حلب.
الحادثة الرابعة: الهجوم من منطقة التنف نحو السويداء (2018)
في عام ألفين وثمانية عشر، وبعد إنهاء الجيش العربي السوري وحلفائه، التواجد المسلح للتنظيمات الارهابية في الغوطة الشرقية لدمشق، بدأت العمليات العسكرية لتحرير كامل الجنوب السوري، وفعلا تمكن الجيش السوري في مرحلة وجيزة من تحقيق تقدم واسع.
في تلك المرحلة، كان تنظيم “داعش” الارهابي قد انحسر تواجده في البادية السورية، ما عدا خلايا كانت تتمركز بحماية القوات الأميركية في منطقة التنف، أي شعاع ال 55 كلم. هذه القوات لم يكن لها إمدادٌ عسكري سوى من منطقة التنف، أي منطقة التواجد الأمريكي. كان يتواجد في تلك المنطقة (وما زال) قوات تابعة لما يسمى “مغاوير الثورة”، وهي قوات أشرف الأمريكيون على تدريبها وتسليحها وفق برنامج التدريب الذي أقره البنتاغون. (هذه القوات لا زالت حتى الان تتواجد في تلك المنطقة وفي مراحل معينة عمد الامريكيون إلى نقل جزء منها إلى شمال شرق سوريا الى أحد المعسكرات في الشدادي).
بالعودة إلى العمليات العسكرية، في شهر تموز وصل الجيش العربي السوري إلى جيب تنظيم داعش الارهابي في وادي اليرموك، وشدد الحصار حوله، وأعطى العناصر المسلحة التابعة للتنظيم مهلة لتسليم أنفسهم أو ترحيلهم، لكن الإجابة كانت بالرفض.
بموجب رفض عناصر داعش تسليم أنفسهم، استأنف الجيش السوري عمليات التقدم باتجاه تلك المنطقة. ومع تقدمه، حصل ما لم يكن متوقعا، حيث شن مقاتلون تابعون للتنظيم الارهابي، بتاريخ 26-7-2018، هجومًا عنيفًا، إنطلاقا من منطقة التنف المحتلة أمريكيا، واستهدفوا قرى في ريف السويداء الشرقي.
عمد مسلحو التنظيم إلى ارتكاب مذابح واختطاف ما يزيد عن ال 30 امرأة وطفلا.
كان هدف الهجوم إنقاذ مسلحي التنظيم في وادي اليرموك ووقف عمليات الجيش السوري هناك.
ما كان ملفتًا، وهنا نشير إلى الدور الأمريكي، أن الأمريكيين لم يفعلوا شيئا لعناصر التنظيم الذين ارتكبوا المجزرة، بل تم حمايتهم في شعاع ال 55 كلم، ولاحقا تم تحرير بعض الرهائن في تلك المنطقة.
في هذه الحادثة، وبحسب المعطيات، أمن الأمريكيون كل الدعم لعناصر تنظيم داعش ومنها الحماية والرعاية والإيواء بعد تنفيذ عملياتهم الاجرامية.
في هذه الحوادث الأربع، وهي جزء بسيط جدا وتفاصيلها كثيرة، كان الأمريكيون ينسقون مع تنظيم داعش بشكل مباشر، ويلاحظ أن الأهداف كانت متطابقة، بين ما تريد تحقيقه واشنطن، وما يريده التنظيم.
الملفت أيضا، أن التنظيم كان ينسق مع الأميركيين في تلك المناطق، وفي الوقت ذاته يقاتل بمواجهة قوات قسد التي تدعمها واشنطن في مناطق شمال شرق سوريا، وهو أمر يطرح الكثير من علامات الإستفهام على حقيقة العلاقة بين الطرفين، خاصة أن هناك معلومات، في تلك المرحلة (2017)، أشارت إلى أن تنظيم داعش عمل بدعم اميركي على تأخير عمليات الجيش السوري وحلفائه في البادية، فهو كان على يقين تام بأنه لن يتمكن من الصمود. كان الهدف من وراء تأخير تقدم الجيش السوري والحلفاء هو ترتيب الأميركيين أوضاعهم الميدانية في مناطق شمال شرق سوريا، وهو ما يوضحه مسار سيطرة قوات قسد والأميركيين على حقول النفط والغاز، والتقدم باتجاه آخر نقطة لتنظيم داعش في الباغوز، حيث تم الفصل بين المقاتلين في هذه المنطقة، منهم من تم القضاء عليه، ومنهم من نقل إلى معسكرات الاعتقال في “الهول” ونقاط الاحتجاز الأخرى.
الحفاظ على المقاتلين:
تحت هذا العنوان يمكن سرد الكثير من الحوادث، لكن يكفي الاشارة إلى أن الأمريكيين منعوا عودة الكثير من أسرى “داعش” إلى دولهم، ويتم بين الحين والآخر نقل مقاتلين من هؤلاء إلى منطقة التنف، وكذلك تنظيم عملية فرار جماعي لهؤلاء باتجاه العراق، حيث يعاد إحياء التنظيم.
خلال المعارك أيضا، كانت تحط طائرات مروحية أميركية في مناطق معينة في شرق نهر الفرات وكذلك في غربه، وتنقل مقاتلين (غير معروفي الهوية) إلى مناطق مجهولة، وهناك إثباتات كثيرة على ذلك.
الهدف من الحفاظ على هؤلاء هو الاستفادة منهم في مراحل لاحقة، ويبدو أنه مع تسلم إدارة بايدن الحكم، قد بدأت الاستفادة من بعضهم والمؤشرات كثيرة، ناهيك عن المعطيات حول هذا الأمر.
الأفق المستقبلي للتنسيق والغايات
لم تنقطع عمليات تنظيم “داعش” الارهابي التخريبية في كل من العراق وسوريا. وكان ملاحظا أنها تصاعدت في النصف الثاني في العام ألفين وعشرين، خاصة في سوريا.
ونسندلل على بعض العمليات الارهابية التي نفذها التنظيم لنستنتج أهدافها وعلاقة الأمريكيين بها، وهل عاد الأمريكيون إلى تسيير التنظيم وفق ما يحقق مصالحهم في سوريا والعراق؟
للإجابة على السؤال يجب أن نوضح أولا أن الطريق التي تعتمد من قبل سوريا ومحور المقاومة لتصل إلى البوكمال تبدأ من حمص، تدمر ثم السخنة ثم كباجب والشولا ومنها إلى مدينة دير الزور ومن هناك نحو مدينة الميادين، ومرورا بعدة مدن وقرى لتصل إلى البوكمال، وبالتالي نقطة المعبر نحو العراق.
بتاريخ 28-10-2020 شن عناصر من تنظيم “داعش” الارهابي هجمات متزامنة استخدمت فيها الاسلحة المتوسطة ومضادات أرضية، استهدفت نقاطا للجيش العربي السوري والقوات الرديفة في بادية مدينة البوكمال.
في 30-12-2020 نفذ إرهابيو “داعش” كميناً على الطريق الواصل بين تدمر شرق حمص، ومدينة دير الزور، وذلك في منطقة كباجب، واستهدف حافلات تقل جنودا سوريين ومدنيين، وأدى الكمين إلى استشهاد 30 شخصاً.
بتاريخ 9-1-2121 شنت خلايا إرهابية تابعة لتنظيم “داعش” هجمات متزامنة استهدفت نقاطا للجيش العربي السوري في ريف حماة الشرقي، وأسفرت عن وقوع خسائر بشرية في صفوف قوات الجيش العربي السوري.
بتاريخ 8-2-2021 كمنت خلايا تابعة لتنظيم “داعش” لرتل عسكري سوري في بادية الميادين في ريف دير الزور، وأسفر الكمين عن استشهاد 25 جنديا سوريا ومقاتلون من القوات الرديفة السورية.
نكتفي بذكر هذه الهجمات الأربع التي وقعت في مناطق متفرقة في شرق حمص وشرق حماة وريف دير الزور الجنوبي، وكلها بالقرب من الطرق الرئيسية.
لكن يجب التنويه إلى أن التنظيم شن عشرات الهجمات وتم صدها والتعامل معها بقوة غير عادية، وفي العديد من الهجمات تدخل الطيران الحربي الروسي لضرب نقاط ينطلق منها ارهابيو داعش. وأيضا يجب التنويه إلى أن الطيران الروسي استعاد نشاطه بشكل كبير في منطقة البادية مستهدفا مواقع لإرهابيي داعش في أوقات مختلفة.
من خلال عرض خارطة الهجمات، والتي استهدف بعضها المدنيين السوريين على الطرقات، يتبين أن الهدف هو استهداف طرق الوصل بين المحافظات السورية من أجل إفقادها الأمن، أي أمن التنقل، وهو أمر يخدم الولايات المتحدة الأميركية التي عملت جاهدة على منع فتح معبر القائم – البوكمال بين سوريا والعراق. وأن استهداف الطريق الرئيس في سوريا، الذي يؤدي إلى المعبر، عبر خلايا تابعة لتنظيم داعش، يؤمن مصلحة أميركية.
وفق المعطيات والمعلومات، فإن عناصر تنظيم “داعش” ينتقلون من عمق البادية السورية، ومن مناطق قريبة من منطقة التواجد الأميركي في التنف، لتنفيذ عملياتهم الارهابية.
يؤكد التقديرات ويؤشر إلى الدور الأميركي في دعم خلايا “داعش” وتسييرها وفق ما يخدم المصالح الأميركية، هو نقل مسلحين تابعين لداعش من معسكرات اعتقال وسجون في مناطق شرق سوريا إلى منطقة التنف، دون تحديد وجهة نقلهم بعد ذلك. وهنا أيضا، بحسب المعلومات، نشير الى أن هؤلاء ينقلون إلى التنف ثم يطلقون في البادية السورية، فلا وجهة أخرى لهؤلاء غير ذلك. وللتدليل على المعلومات، يلاحظ تنامي وتوسع وجود هذه الخلايا في الواحات وقرى صغيرة في عمق البادية.
من هنا، يمكن الاستنتاج، وفق المعطيات والتحليل، أن أفق التنسيق مفتوح لتحقيق غايات أميركية بالدرجة الأولى، والسؤال ما هي هذه الغايات؟
غايات أميركا من التنسيق والحفاظ على عناصر داعش
أولًا: ويعتبر هذا البند من أهم الأهداف الأميركية: إبقاء “داعش” نشطا كمبرر للوجود الأميركي بشكل عام في شمال شرق سوريا وجنوبها.
ثانيًا: إبقاء السطوة الميدانية والجوية الأميركية في مناطق شرق سوريا وفوق البادية.
ثالثًا: استخدام عناصر “داعش” لضرب الأمن والاستقرار في مناطق سورية عدة ما يؤثر نوعا ما على اقتصاد سوريا.
رابعًا: دفع هذه الخلايا إلى تنفيذ عمليات ارهابية تؤثر على طرق الوصل بين سوريا والعراق في كلا البلدين.
استشراف
استنادا إلى الوقائع والمعلومات التي ذكرناها في الدراسة، والمعطيات التي أوردنا بعضها، والتي تؤكد أن لواشنطن دورها في تحريك خلايا “داعش” وتسهيل عودتها وتوفير الدعم لها، يمكن أن نخلص إلى أن الأمريكيين سيوسعون من استخدام هذه الورقة من جديد، إما للتشويش على تموضع القوات السورية وقوات محور المقاومة في مناطق حساسة في الشرق والوسط السوريين وإشغالها، مع عدم توسيع وجود تنظيم داعش كما كان عليه الوضع قبل عام 2019، أو لاستخدامهم في دول أخرى وهذا الأمر غير مستبعد.
ولتعزيز الخلاصة فقد تبين منذ أشهر أن التنظيم استعاد نشاطه المالي، وعاد إلى تأمين رواتب مقاتليه في كل من سوريا والعراق ما يعتبر مؤشرا على توفر دعم أو غض طرف عن نشاطه في هذا الصدد، والمرجح، بل المؤكد، أنه غض طرف أميركي.
إن تنظيم “داعش” يشكل ذراعا أميركية، يستفاد منها في تبرير الوجود العسكري المباشر في سوريا والعراق، والذي يخدم مصالح كبرى في المنطقة.
الكاتب: خليل نصرالله