يوم اعتذر رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري عن تشكيل الحكومة اللبنانية، قيل أن «نادي رؤساء الحكومات السابقين» لن يسمّي أحداً، وقال الحريري بنفسه أنه لن يُسمّي، ولكن بعدها بأيام قليلة كُلّف نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة المقبلة، وكانت التوقعات أن يكون التشكيل سريعاً، ويومها كانت هناك نصيحة للبنانيين بأن يشكّلوا الحكومة فوراً لان كل يوم تأخير يعني مزيداً من التعقيدات.
كثيرة هي التعقيدات الخارجية والداخلية التي وُلدت حديثاً بملف تشكيل الحكومة، ولكن الجديد هو ما يتمظهر طائفياً، بين المسيحيين برئاسة الجمهورية والسنة برئاسة الحكومة، وهو ما قد يكون الخلاف الأصعب بين فريق يتمسك باتفاق الطائف وآخر يريد العيش في زمن ما قبل الطائف.
مثلت المواقف التي أطلقها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، يوم الجمعة الماضي، أبرز تصعيد من قبل الطائفة السنية بوجه رئيس الجمهورية ميشال عون، لا سيما أنها جاءت بعد البلبلة التي أحدثها البيان الصادر عن رؤساء الحكومات السابقين، على خلفية مذكرة الاحضار التي أصدرها المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار بحق رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب.
على الهامش، كان رئيس الحكومة المكلف يخرج من دائرة الأجواء الإيجابية إلى دائرة التصويب على فريق رئيس الجمهورية، خصوصاً رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، عبر الإشارة إلى أن الرئيس عون يدرك جيداً أين تكمن العراقيل، إلا أن الأخطر يبقى الحديث عن صلاحيات رئيس الحكومة المكلف، لا سيما بالنسبة الى نقطة أن هناك من يتصرف كما لو أن البلاد لا تزال في مرحلة ما قبل اتفاق الطائف.
هذه الأجواء، بحسب مصادر سياسية متابعة، توحي بأن مشكلة الرئيس عون لم تعد تنحصر بتيار أو شخصية سياسية من الطائفة السنية، بل على العكس من ذلك، باتت مع معظم أركان الطائفة الذين يصطفون في صف واحد من أجل الدفاع عن صلاحيات موقع الطائفة الأول في الجمهورية، وهو ما ينسجم مع المعلومات التي كان «تيار المستقبل» قد عمد الى تسريبها في الأيام الماضية، لناحية عن أن ميقاتي سيكون رئيس الحكومة المكلف الأخير في عهد عون.
ما تقدم يقود، بحسب المصادر، الى إعادة تأكيد المعادلات التي كانت قد وُضعت في اجتماع المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الشهير، الذي سبق اعتذار سعد الحريري، حيث بات من الواضح أن هناك خطوطاً حمراء لا يستطيع أي رئيس حكومة مكلف أن يتجاوزها، مهما كان هذا الرئيس، لكن الجديد هو أن هناك شبه إجماع داخل الطائفة السنية على رفض إعادة سيناريو ما حصل مع الحريري، قبل تسميته وخلال عمله وبعد اعتذاره، وبالتالي على رئيس الجمهورية الاختيار بين التوافق مع ميقاتي الآن أو إكمال ما تبقى من عهده بحالة فراغ، أو تشكيل حكومة لا تحظى بالغطاء السني، السياسي والشرعي، مع العلم أن رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بات، منذ أشهر، خارج دائرة التعاون مع رئيس الجمهورية، وهو بكل تأكيد لن يعود الى هذه الدائرة، خاصة بعد تكوّن قناعة لدى دياب أن القصر الجمهوري هو من يقف خلف كل ما يتعرض له في القضاء بملف انفجار مرفأ بيروت.