عودة الى المربّع الأول قبل اعتذار ميقاتي.. والثقة أمر أساسي لـ «تقليع» الحكومة مُناشدة الدول العربية تُبقي لبنان داخل الحصار.. والتشكيل يرفعه عنه ويُعيد الثقة به
عاد تشكيل الحكومة الى المربّع الأول حتى قبل اعتذار الرئيس المكلّف نجيب ميقاتي، وقد لا يخرج منه بسهولة. فبيان «نادي رؤساء الحكومات السابقين» وكلام ميقاتي الأخير الذي أدلى به الى محطّة تلفزيونية، فضلاً عن الكلام الإعلامي الاتهامي لرئيس الجمهورية الذي تبنّاه رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل، عن طلبه تعهّداً خطيّاً من ميقاتي يتضمّن إقالة خمسة مسؤولين عند تشكيل الحكومة، رغم نفيه جملةً وتفصيلاً من قبل الرئيس المكلّف، كلّ هذه الأمور التي حصلت خلال «الويك- أند» الأخير أدخل تشكيل الحكومة في المدارالسياسي الخلافي بين الرئيس عون والطائفة السنيّة، وبينه وبين الأحزاب المعارضة. وإذ ذكرت المعلومات دخول سياسيين في الداخل على خط إعادة المياه الى مجاريها بين رئيس الجمهورية وميقاتي، يرى البعض أنّ «الجرّة كُسرت» بين بعبدا والبلاتينوم ، ومن الصعب إعادة لحمها، سيما أنّ كلّ طرف لا يزال يتمسّك ببعض المطالب نفسها التي أعاقت ولادة حكومة الحريري لنحو 9 أشهر.
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أن الأمور بين الرئيس عون وميقاتي لم تصل بعد الى طريق مسدود رغم بيان «نادي رؤساء الحكومات» الذي اتهم رئيس الجمهورية بموضوع تفجير المرفأ، في الوقت الذي دخلت فيه باخرة «نيترات الأمونيوم» الى مرفأ بيروت، خلال فترة ولاية حكومة ميقاتي (من حزيران 2011 حتى شباط 2014)، وقد استقالت في آذار 2013 واستمرّت في تصريف الأعمال حتى تأليف الحكومة الجديدة، إذ أكّدت معلومات عديدة رسوها في المرفأ في العام 2013، غير أنّ رئيس الحكومة الأسبق نفى حصول هذا الأمر خلال ولاية حكومته، مشيراً الى أنّها استقالت في 23 آذار من العام 2013، وفي 25 شباط 2014 تألّفت حكومة جديدة ولم تكن باخرة النيترات قد وصلت الى حوض مرفأ بيروت حتى هذا التاريخ.
وأشارت المصادر الى أنّ الاتهامات تدلّ على عدم وجود الثقة بين الرئيسين، هذه الأخيرة التي فُقدت بين الرئيس عون والحريري طوال الأشهر الماضية، والتي أوصلت الى اعتذار الحريري. فالحكومة المنتظرة لا بدّ وأن تكون الثقة بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة أساساً لها لكي تتمكّن من القيام بعملية الإنقاذ ووضع الإصلاحات على السكّة الصحيحة، وإجراء الإنتخابات النيابية في ربيع العام المقبل، وإلا فإنّ ولادتها لن تُغيّر في الوضع المتردّي شيئاً وذلك خلافاً لما يُفترض.
وفي ما يتعلّق بتواصل اللقاءات بين الرئيس عون وميقاتي بعد اللقاء الثالث عشر الأخير بينهما، قالت المصادر نفسها إن لا موعد محدّد حتى الساعة للرئيس المكلّف في قصر بعبدا، وإنّ المشاورات لا تزال قائمة عبر الوسطاء، على ما جرى قبل اللقاء الأخير بأيّام. أمّا الوساطة، أكانت عن طريق سياسيي الداخل أو عبر مستشارَي أو مندوبَي الرجلين، فهي لا تُبشّر بالخير ولا يُمكنها بالتالي الاستمرار الى ما بعد تشكيل الحكومة. كذلك فإنّ دخول رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي والحزب التقدّمي الإشتراكي وليد جنبلاط على خط الوساطة ، والذي سيتحدّث عنه بالتفصيل الثانية عشرة والنصف من بعد ظهر اليوم الثلاثاء في مؤتمره الصحافي الذي يعقده في كليمنصو، يوّكّد على تراجع تشكيل الحكومة بعد أنّ قطعت أشواطاً الى الأمام خلال الأسبوع المنصرم، كما على أنّ التوافق بين الرئيس عون وميقاتي بات يحتاج الى طرف ثالث، علماً بأنّ الطرفين المذكورين كانا موضوعين في تفاصيل التشكيل منذ بدء التكليف.
ومن هنا، فعند حصول أي تطوّر إيجابي في سياق تشكيل الحكومة، فإنّ ميقاتي سيطلب موعداً من قصر بعبدا، سيما أنّ الاعتذار عن تشكيلها ليس على مفكّرته وغير وارد في ذهنه، على ما أعلن ميقاتي أخيراً، وأعاد التأكيد على أنّه قَبِل التكليف لتأليف الحكومة، وأنّه لا يزال يتعاطى بإيجابية، آملاً بتخطّي العقد الموجودة، إلا أنّ مهلة التكليف غير مفتوحة، والوقت بات يضيق. كذلك فإنّ ميقاتي طمأن الى أنّه لن يعتذر عن تشكيل الحكومة لأنّ الهدف هو الوصول الى برّ الأمان، كونه يعلم أنّه عندما يتمّ تشكيل الحكومة سيتمّ دعم لبنان، ولكنّ كلامه هذا تجده المصادر عينها «ضربة عالحافر وضربة عالمسمار»، ما يعني بأنّه يتراوح بين الإيجابية والسلبية من دون ترجمة فعلية لأي منهما، وليس هذا ما هو المطلوب في ظلّ الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب اللبناني.
وفي ما يتعلّق بالعقد الحكومية المتبقيّة ذكرت المصادر أنّها توقّفت عند تسمية الوزيرين المسيحيين من خارج حصّة الرئيس عون والطاشناق والحزب القومي، فيما لا يزال البحث يدور حول توزيع أربع حقائب بسبب إمكانية تبادلها، وتسمية وزراء لها هي: وزارات العدل والطاقة والاقتصاد والشؤون الاجتماعية، علماً بأنّه سبق للرئيس عون وأن اقترح اسمين للعدل والطاقة، وقيل إنّه جرى حسمهما، ولكن يبدو أنّه لم يتم التوافق على أي منهما من قبل ميقاتي والأطراف الأخرى، كما أنّ إعادة توزيع بعض الحقائب تعود الى إمكانية تبادلها بين الرئيس عون وميقاتي أو أي طرف آخر.
غير أنّ ميقاتي حذّر، في الوقت نفسه، من زوال لبنان في ظلّ الانهيار الذي يعيشه، وهو أمر تُشدّد عليه دول الخارج منذ فترة، بهدف حثّ المسؤولين السياسيين على الإسراع في تشكيل الحكومة. ولهذا على المسؤولين، تحمّل المسؤولية، على ما عقّبت المصادر، كون البلد لم يعد يحتمل، والشعب بات قريباً من الانفجار الكبير، ولا سيما أنّ شهر أيلول سيشهد الرفع الكامل عن دعم المحروقات والمواد الحيوية والحياتية، الأمرالذي قد يوصل لبنان الى عيش «المجاعة»، وليس الجوع فقطكما يحصل حالياً، التي لم يعرفها في تاريخه الحديث سوى أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية. فيما مناشدة الدول العربية بمساعدة لبنان، فلا تُشكّل الحلّ، في ظلّ عدم تشكيل حكومة جديدة، إنّما تُبقي لبنان داخل الحصار ولا تُساعده على الخروج منه قريباً.
وجدّدت دول الخارج، على ما أوضحت المصادر، تأكيدها على أنّ لا مساعدات إنسانية للبنان ما لم تُشكّل الحكومة التي عليها استعادة ثقة المجتمع الدولي وثقة الشعب اللبناني كذلك، علماً بأنّ هذه المساعدات لن تتسلّمها الحكومة بل المنظمات الدولية العاملة في لبنان، غير أنّ وجود حكومة غير مستقيلة وفاعلة من شأنها التأكيد على أنّ لبنان ليس دولة عاجزة، وليست قاصرة، ولا تحتاج بالتالي الى أي وصاية خارجية، إنّما الى تحقيق الإصلاحات المطلوبة والقيام بالتدقيق الجنائي بهدف محاربة الفاسدين والسارقين للأموال العامّة.