خاص “لبنان 24”
بكلامٍ واضح، وفي توقيتٍ مدروس، قرّر الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي “كسر الصمت” الذي انتهجه منذ اليوم الأول لقبوله المهمّة، ليخاطب اللبنانيّين ويضعهم في جوّ المعطيات الحكوميّة، من دون “الغوص” في سرديّة العقد المستمرّة، ودهاليزها التي لا تنتهي، وتعبّر عنها التسريبات المكثّفة والمتفاوتة الصدقية.
في حديثه المتلفز الأخير، وضع الرئيس ميقاتي حدًّا للكثير من التكهّنات. لم يعبّر عن صورة “ورديّة”، تحاول بعض الأوساط السياسيّة “تعميمها”، بل ترجم “الواقع” كما هو. تحدّث صراحةً في هذا السياق عن صعوبات “تقنيّة” لا تزال تعترض التشكيل، وعن تعثّرٍ مستمرّ يحول دون التأليف السريع، كما كان يمنّي النفس مع الكثير من اللبنانيّين.
لكنّ الرئيس ميقاتي لم يغلق الباب في الوقت نفسه أمام “الخاتمة السعيدة” المرجوّة. صحيح أنّه قال إنّ “المهل تَضيق”، لكنّه أنهى الجدل حول “الاعتذار الوشيك” الذي ضُرِبت مواعيد له تسبق بداية الأسبوع الحاليّ. على النقيض، أكّد أنّ الاعتذار ليس “على أجندته” حتى الآن، وأنّه جاء لتشكيل الحكومة، ولا يزال مصرًّا على تحقيق هذا الهدف.
“إيجابية مقصودة”
في حديثه، وجّه الرئيس ميقاتي “رسائله” في أكثر من اتّجاه، من دون أن يقطع “خيط” التواصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث تمسّك بمقاربة “إيجابيّة” إزاءه وإزاء التعامل معه، رغم بعض “التحفّظات” التي برزت بحديثه عن أنّ الرئيس المكلف يجب أن يكون له الدور الأول في تشكيل الحكومة لأنه المسؤول الأول أمام مجلس النواب والشعب.
لكنّ الرئيس ميقاتي حرص على المحافظة على منسوب “الإيجابيّة والتفاؤل”، حتى في معرض قراءته لبيان بعبدا ردًا على موقف نادي رؤساء الحكومات السابقين، على خلفيّة ملف التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت، حيث لم يعتبره “مصوّبًا باتجاهه”، مؤكّدًا في الوقت نفسه أنّ الرئيس عون “يَعي جيّدًا” أين تكمن العراقيل في عملية تشكيل الحكومة.
وفيما أمل الرئيس ميقاتي أن تكون زيارته المقبلة إلى بعبدا “حاسمة”، كان لافتًا إصراره على “تغليب” منطق الإيجابيّة على ما عداه، بتأكيده أنّه “لن يعتذر” في الوقت الحاليّ عن تشكيل الحكومة، رغم أنّ التسريبات كانت تؤكّد أنّ الأسبوع الماضي كان “مفصليًا”، فإمّا تؤلف الحكومة قبل نهايته، وإما يعتذر، على قاعدة “أعذِر من أنذَر”.
“الواقعيّة” تغلب!
لكنّ حرص الرئيس ميقاتي على “تكريس” الأجواء الإيجابيّة، لم يمنعه من تسمية الأمور بمسمّياتها، حيث غلبت “الواقعيّة” على حديثه، فالوضع ليس ورديًا ولا مثاليًا، وليس المطلوب “إيهام” الرأي العام بأنّ الحكومة باتت قاب قوسين أو أدنى، في حين أنّ التعثّر متواصل خلف الكواليس، والعُقَد تتوالى دون حسيب أو رقيب.
انطلاقًا من ذلك ربما، أقرّ الرئيس ميقاتي بأنّ بعض الاجتماعات التي عقدها مع رئيس الجمهورية لم تكن إيجابيّة، ولكنّه حرص على أن لا “يعكسها” عبر الإعلام، تفاديًا لـ”إحباط” الناس الذين يتطلّعون إلى حكومة جديدة اليوم قبل الغد، “تنقذهم” من كمّ الأزمات التي يتخبّطون خلفها، وحتى لا يبنوا الكثير من التوقعات في غير مكانها.
ثمّة من يقول إنّ بعبدا هي من ترغب في تعميم الأجواء “الإيجابيّة”، وإنّ الرئيس ميقاتي أراد بكلامه الأخير توجيه “رسالة” بأنّه لن يكون “شريكًا” في هذه “اللعبة” بعد الآن، لكنّ الأكيد، في مطلق الأحوال، أنّ هناك “تعثّرًا” أكّده ميقاتي للقاصي والداني، وإن أكّد في الوقت نفسه أنّه سيبذل كلّ الجهود الممكنة لـ”تذليل العقد”، في أقرب وقت ممكن.
لم يقفل الرئيس ميقاتي الأبواب، بل على العكس من ذلك، ربما فتحها على المزيد من الوساطات والمحاولات، وهو ما تجلّى في الحديث عن دخول “الأصدقاء” على خطّ “تذليل” العقد والصعوبات. لكنّ الرئيس ميقاتي الذي قال إنّ الاعتذار ليس “على أجندته” الآن، قال أيضًا إنّ “المهل تضيق”، ولعلّ في ذلك “عِبرة” واضحة “لمن يريد أن يعتبر”!