ٍَالرئيسية

باسيل مواجهاً الحزب: هل يصدّقه المسيحيون؟

 

جوزفين ديب -أساس ميديا

بدأت تباينات عدّة بالتبلور بين مواقف حليفيْ عام 2006. آخرها كان تلويح رئيس التيار الوطني الحر بالاستقالة من مجلس النواب في حال عدم التوصّل إلى حلّ يتعلّق بالبطاقة التمويلية. وهي ليست المرّة الأولى التي يلوّح جبران باسيل بالاستقالة. ففي المرّة الأولى، لوّح تكتّل “لبنان القوي” بالاستقالة خلال رسالة رئيس الجمهورية الأولى إلى مجلس النواب المرتبطة بتكليف سعد الحريري. يومها ذهبت المناورة أدراج الرياح مع كلام الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله عن معارضته تقصير ولاية مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة.

منذ أيام عاد التكتّل إلى التلويح بالاستقالة في موقف مغاير عن موقف حزب الله بعد سلسلة مواقف أعلنها باسيل بدا فيها الاختلاف واضحاً بين الحليفين.

فإلى أيّ مدى يستطيع باسيل التمايز عن حليفه؟ وهل يستطيع مواكبة مواقف خصمه اللدود رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع من حزب الله على بُعد أشهر من الانتخابات النيابية.

صدمة 4 آب 2020

إذا كان انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020 قد شكّل صدمة سياسية واقتصادية هائلة ترتّبت عليها أزمات نفسية واجتماعية، فإنّه شكّل أيضاً بداية مسار تمايز مواقف الأحزاب المصنّفة في الخانة المسيحية مقابل مواقف القوى الأخرى. لكنّ ذلك لم يظهر إلى العلن سوى في الفترة الأخيرة، بعد اتّضاح المتاريس المتقابلة على خلفيّة اتّهام الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله المحقّق العدلي القاضي طارق البيطار بتسييس التحقيق، داعياً إلى حصر المعالجة القضائية للملفّ بالبرلمان.

لم يكن هذا الموقف تفصيلاً بالنسبة إلى التيار الوطني الحر الذي يتبنّى قضية المرفأ من باب دعم المحقق العدلي في القضية، القاضي طارق البيطار، في تحقيقاته. يدرك التيار أنّ قضية المرفأ اتّخذت بعداً مسيحياً سيحضر في سباق الأحزاب المسيحية على الساحة الانتخابية.

هجوم نصرالله على القاضي البيطار قابله باسيل بدعوة رئيس المجلس النيابي نبيه بري إلى عقد جلسة لرفع الحصانات النيابية. لكنّ بري، وخلفه حزب الله وتيار المستقبل، أصرّ على عقد جلسة لسحب الملف من القاضي البيطار، ووضعه تحت سلطة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. سرعان ما أعلنت كتلتا القوات اللبنانية والتيار مقاطعة الجلسة، في تناغم راح يتحوّل إلى تنافس لدعم مهمّة القاضي البيطار. وإذا كان تموضع القوات واضحاً منذ البدء في مواجهة حزب الله، فإنّ مواقف التيار من التحقيق تأتي لتكملة سلسلة من التراكمات السلبية مع الحزب.

فهل يستطيع باسيل تكريس التمايز عن حزب الله، انطلاقاً من صداميّة اللحظة، في سباقه مع القوات في معركة انتخابية نيابية يُفترض أن تحدث في ربيع عام 2022؟ أم طريق العودة عن تحالف الـ2006 قُطِعت منذ زمن؟

في السابق كان سهلاً على التيار والحزب تقبّل التمايز في أيّ ملف، لقدرتهما على السيطرة عليه، أو لكون الملف ثانوياً نسبيّاً قياساً إلى علاقتهما المستمرّة منذ 15 عاماً.

اليوم تبدّل الوضع، فالتمايز في ملف انفجار المرفأ يحمل تداعيات خطرة على العلاقة بين الجانبين، لِما تشكّله هذه القضية من منعطف في المشهد السياسي اللبناني للمرحلة المقبلة. وبالتالي، لن تعود المناورة الانتخابية البحتة في هذا الملف بالنفع على مَن يمارسها.

بين وصف نصرالله لائحة النواب المُستدعَيْن من القاضي البيطار بـ”لائحة الشرف”، ووصف التيار الوطني الحرّ، على الأقلّ عبر جمهوره على مواقع التواصل الاجتماعي، اللائحة بـ”لائحة العار”، فوارق كثيرة بين الحليفين ذهب فيها باسيل إلى المطالبة بكشف الحقيقة عمّن استقدم المواد المتفجّرة، ومَن أخرج قسماً منها خارج المرفأ، ولأيّ أغراض.

كلام باسيل خلال مؤتمره في ذكرى انفجار المرفأ قرأه البعض تصويباً على خطاب حزب الله. قبل ذلك وبعده لا يزال الملفّ الحكومي عالقاً أيضاً بينهما من بوّابة دعم حزب الله المطلق للرئيس برّي وللتوافق السنّيّ في الملف الحكومي على حساب ما يعتبره فريق رئيس الجمهورية حقّاً مشروعاً له في الحكومة.

في الواقع، فإنّ مسار الأحداث في لبنان يضع باسيل، تحديداً، أمام مفترق طرق. فإمّا يصبح صدامه مع حزب الله أمراً واقعاً عليه التعامل معه، وإمّا يدفع ثمن أيّ مناورة في الانتخابات المقبلة خسارة فادحة.

في المقابل، تبدو القوات اللبنانية في موقع مريح مسيحياً لجهة تناغم خطابها مع المتغيّرات المتراكمة في المزاج المسيحي منذ بدء الأزمة اللبنانية وصولاً إلى تفجير المرفأ، وذلك لسببين:

– أوّلاً لأنّ استطلاعات الرأي تمنحها تقدّماً مريحاً في الشارع المسيحي.

– وثانيا: لأنّها ليست في حاجة إلى ممارسة أيّ مناورة في هذا الملف، وإن أخذ عليها البعض استغلاله لمصلحتها.

على الرغم من توافر معطيات تشير إلى أنّ حزب الله يتفهّم جيداً، لا بل يدعو حليفه إلى ضرورة الذهاب إلى خطاب نقيض لخطابه ليستعيد به تشتّت مناصريه وتراجع حضوره الشعبي في الساحة المسيحية، إلا أنّ قضية المرفأ ليست محطة اختلاف تقليدية، بل هي حدث شكّل بداية لتغيير سياسي واضح في البلاد، ترتسم معه اصطفافات داخلية على وقع دفع خارجي كبير.

ويبقى الانقسام حول المسار القضائي لهذه القضية أكبر من أن يتمّ احتواؤه بلحظة سياسية عابرة. إذ فرض نفسه محطةً فاصلةً بين مستوى وآخر في علاقات الجماعات اللبنانية.

فهل ينجح باسيل بإنقاذ نفسه على الساحة المسيحية من بوّابة خلافه عن حزب الله في قضية المرفأ؟ أم أنّ القطار قد فات إلى غير عودة؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى