ثريا عاصي- الديار
لا نجازف بالكلام أن أموراً مبهمة ومريبة لازمت انهيار العملة الوطنية منذ أن كُشف النقاب عنها، ولا حرج في القول أيضاً أن الكثيرين من «الخبراء» في الإقتصاد ومن الذين امتهنوا الإعلام، لجأوا إلى اللغة الخشبية بقصد التغطية وإخفاء نصف الحقيقة، وتزيين الأجزاء العائمة منها.
أزعم أن انهيار العملة الوطنية لم يفاجئ أصحاب الثروات في البلاد، أظن بالمناسبة أن عدداً كبيراً منها غير شرعية، ولم يفاجئ هذا الإنهيار أيضاً المسؤولين السياسيين، من نافلة القول أن غالبيتهم أثروا من خلال مزاولة السلطة. بكلام أكثر صراحة لم يفاجئ تفليس الدولة إلا الناس العاديين بالإضافة إلى الذين جمعوا رأسمالاً متوسطاً نتيجة تجارة أو عمل، في البلاد أو في المهجر، فتمكنت المصارف من اصطيادهم بواسطة طُعْم الفائدة المرتفعة واستبدال «دولاراتهم» بعملة لا تساوي أكثر من الورق والحبر المستخدمين في طباعتها على مطابع صاحب المصرف.
يحق لنا استناداً إلى ذلك أن نتهم، حتى إثبات العكس، أهل السلطة بالتواطؤ كونهم كانوا يعلمون بموعد إعلان تفليسة الدولة. وبالتالي بما سوف يتأتى بعدها من ندرة في المواد الإستهلاكية الضرورية في بلاد تعتمد أساساً على استيراد ما تحتاجه، فأهلها في غالبيتهم لا يعملون في قطاعات إنتاجية وإنما جلهم موظفون وتجار ومهاجرون.
ما أود قوله هنا، أن أمراء السلطة وغيرهم من أصحاب الثروات المشروعة وغير المشروعة، امتصوا تحايلاً، ما ادّخره الناس من أموال بالدولار وقاموا بتحويلها إلى حسابات مصرفية يمتلكونها في المصارف الغربية. ولم يكتفوا بذلك وحسب وإنما شرعوا أيضا بتخزين المواد الغذائية والمشتقات النفطية والدواء في مستودعات ذات سعة كبيرة. خذ مثلاً على ذلك بعض المستودعات التي دوهمت، حيث أعلن عن «العثور» على خزّان يحتوي على كمية من البنزين تعادل حمولة ناقلة نفط متوسطة (ثلاثة ملايين ليتر).
ما يهم من هذا كله في الحقيقة ليس فعل التخزين ولكن الغاية منه من خلال تأثيره على الناس، وتحديداً توظيفه إلى أقصى حد في إخضاع وإذلال الناس . فما يدهش في هذه المسألة هو أن أكثر أهل السلطة يمتلكون «احتياطاً» من المازوت، والبنزين، ومياه الشفة، ما يجعلهم قادرين على تأمين الوقود اللازم لمولدات الكهرباء «الخاصة»، وفي بعض محطات «البنزين»، وتعبئة صهاريج بعض بائعي الماء.
على الأرجح ان عملية التخزين هذه هي بمجملها حصار غايته إجبار الناس على الاستسلام. ليس من حاجة هنا لعرض فرضيات تتعلق بالإستسلام لمن ولماذا. ولكن يمكن توسم الدليل على أن ما يجري هو في جوهره محاولة تضييق الخناق على الناس، من المداهمات التي انطلقت بعد الإعلان عن العمل على استجرار النفط من إيران، كسراً للحصار، والتي أسفرت عن اكتشاف عينات من مستودعات تخزين «استراتيجية» للمواد الغذائية (حليب الأطفال) والمشتقات النفطية (البنزين) والأدوية، ينتمي أصحابها للطوائف الرئيسة في البلاد، فلم يمس التوازن الطائفي، ترافق ذلك كما هو معلوم، برد فعل من السفيرة التي أفادت أن الجهود تبذل من أجل استجرار الغاز من الأشقاء في مصر والكهرباء من الأشقاء من الأردن من فوق رأس «الأشقاء المحاصرين» في سورية. كم هي جميلة دنيا العرب!.