ويلفت لـ«الشرق الأوسط» إلى أن عون ارتكب في ردّه على رؤساء الحكومات خطأً بقوله إن توقيت البيان مريب فيما رئيس الجمهورية يبذل جهداً لتشكيل الحكومة، ويقول إنه كان في غنى عن الإشارة إلى هذه النقطة، لأنه بذلك يصر على تجويف اتفاق الطائف من مضامينه والعودة بتشكيل الحكومة إلى ما كان عليه قبل سريان مفعوله، حيث إن رئيس الجمهورية يختار الوزراء ويسمي من بينهم رئيساً للحكومة.
ويرى رئيس الحكومة السابق أن القاضي بيطار بإصداره ورقة إحضار بحق دياب أراد التصويب عليه، لكن الهدف يكمن في استهداف الجهود التي يبذلها ميقاتي لتشكيل الحكومة وصولاً إلى تعطيلها بانسداد الأفق أمام إزالة العقبات التي تؤخر ولادتها، ويقول إن عون استجاب لـ«نصائح» فريقه السياسي بعدم تسهيل مهمة ميقاتي ما لم يسلّم بشروطه لتشكيل الحكومة.
ويكشف أن عون يخطط منذ الآن لوضع يده على التشكيلة الوزارية بإصراره على الثلث المعطّل الذي يتيح له الإمساك التحكّم بقراراتها تحسُّباً لتعذُّر إجراء الانتخابات النيابية في موعدها في ربيع 2022، وإلا لم يكن ميقاتي مضطراً للقول «إننا في كل اجتماع نبدأ كأننا في المربع الأول»، في إشارة إلى أن من يؤخّر تشكيلها ليس هو وإنما رئيس الجمهورية.
ويؤكد أن من يشكّل الحكومة هو الرئيس المكلّف الذي وحده يتحمّل مسؤولية المثول أمام البرلمان طلباً لنيل الثقة أو لمحاسبته، ويعتبر أن ما قاله عون حول الحكومة يشكّل مخالفة للدستور وينمّ عن رغبته بتعديل اتفاق الطائف بالممارسة بعد أن استحال عليه تعديله في النصوص، علماً بأن رهان الفريق السياسي لعون على احتمال عدم إجراء الانتخابات النيابية ليس في محله.
ويعزو السبب إلى أن عون سيقحم نفسه في اشتباك سياسي مع المجتمع الدولي الذي يراهن على إنجازها كمحطة لإعادة تكوين السلطة وإنما بتقليص نفوذ الطبقة السياسية التي يحمّلها مسؤولية انهيار البلد وعدم استجابتها لتطلعات اللبنانيين في إحداث تغيير يدفع باتجاه إنقاذه.
ويتهم رئيس الحكومة السابق ميشال عون بالكيدية وبالجنوح إلى إلغاء الآخرين ليدير وحده البلد من دون إشراك القوى السياسية، وهو بذلك يعود به إلى ما كان عليه في عام 1988 عندما رأس الحكومة العسكرية وخاض شتى أنواع الحروب ومنع انتخاب رئيس جمهورية جديد خلفاً للرئيس أمين الجميل المنتهية ولايته الرئاسية، إلى أن تقرر دولياً وإقليمياً إخراج عون من بعبدا.
ويضيف أن الظروف السياسية الراهنة لم تعد كما كانت عندما رأس عون الحكومة العسكرية، وبالتالي بات يستحيل عليه اليوم تطييف الخلاف حول تشكيل الحكومة أو الرهان على التمديد للبرلمان الحالي، بذريعة تعذُّر إجراء الانتخابات النيابية على أن ينسحب على رئاسة الجمهورية، وبذلك يكون قد تجاوز الخطوط الحمر، لأنه سيواجه إجماعاً دولياً يفرض عليه التسليم بمبدأ تداول السلطة. وفي هذا السياق، يسأل ما إذا كان عون يخطط من خلال تعطيله تشكيل الحكومة ليقيم وحيداً في بعبدا لأن حليفه «حزب الله» كان أول من رفض بلسان أمينه العام حسن نصر الله ورقة الإحضار التي أصدرها القاضي البيطار بحق دياب، وهو يلتقي في رفضه مع رؤساء الحكومات والمفتي الشيخ عبد اللطيف دريان في خطبته النارية التي استهدف من خلالها عون مباشرة.
ومع أنه لا يريد أن يستبق رد فعل دياب في حال دعوته لحضور اجتماعات المجلس الأعلى للدفاع أو تلك التي يرأسها عون، فإنه في المقابل يعتقد بأن دياب قبل إصدار ورقة الإحضار بحقه غير دياب ما بعد إصدارها، وبالتالي لن يوفّر الغطاء السياسي لعون كما في السابق، لأن دعم رؤساء الحكومات والمفتي دريان له أدى إلى حشره في الزاوية ولم يعد في مقدوره بأن يتصرف كأن شيئاً لم يكن، إلا إذا أخطأ الرؤساء في تقديرهم للقرار الذي سيتخذه.
ويكشف مصدر سياسي لـ«الشرق الأوسط» أن ما يعطّل تشكيل الحكومة لا يعود إلى الخلاف حول أسماء الوزراء وتوزيعهم على الحقائب فحسب، وإنما إلى أن الفريق السياسي المحسوب على عون الذي يديره رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بدأ يخطط للقيام بانقلاب على الطائف بذريعة استرداد صلاحيات رئيس الجمهورية والحفاظ على حقوق المسيحيين، وصولاً إلى وضع اليد على البلد كخطوة وقائية في حال تقرر ترحيل إجراء الانتخابات.
ويؤكد أن إقحام البلد في الفراغ يبقى «المرشح» الأول لباسيل إذا تعذّر عليه الوصول إلى رئاسة الجمهورية، ويقول إن «الثنائي الشيعي» كان وراء الطلب من ميقاتي بضرورة التريُّث وعدم الاعتذار إصراراً منه على أن يعطي المشاورات فرصة جديدة، لكنه بدأ يدرك أن لعون حسابات أخرى وهو يعوّل الآن على الموقف الذي سيعلنه رئيس المجلس النيابي نبيه بري في رسالته التي يوجهها إلى اللبنانيين بعد غد (الثلاثاء)، لمناسبة مرور 43 سنة على إخفاء مؤسس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الإمام موسى الصدر في ليبيا، مؤكداً أنه سيضع النقاط على الحروف بلا مهادنة.
ويبقى السؤال: هل يستمر عون في افتعال العراقيل التي تؤخر تشكيل الحكومة ضارباً عرض الحائط بالنصائح الفرنسية أو الأميركية التي تدعوه للإسراع بتشكيلها وتسهيل مهمة الرئيس المكلف؟ أم أنه يخطط للهروب إلى الأمام وإنما هذه المرة بتسعير الأجواء الطائفية بعد أن استحال عليه إمكانية اختراق الساحة الإسلامية بعد أن رسم «حزب الله» لنفسه مسافة سياسية عن حليفه؟ مع أن البعض لم يفقد الأمل بولادة الحكومة وهذا ما كان يراهن عليه الحزب التقدمي الاشتراكي بلسان مصادره التي تعزو التأخير إلى رغبة ميقاتي بتحسين شروطه في التركيبة الوزارية وإنما قبل أن تقع الواقعة بين عون والسنّة على المستويين السياسي والروحي وبينهم من هم على خلاف مع نادي رؤساء الحكومات.