صحيفة البيان الإماراتية نقلت لقب الرئيس بوتين “أبو علي” كما ورد في المصدر، وهذا ما لم تفعله وكالة سانا التي أوردت تغطيتها الخاصة للاحتفالية المقامة في السفارة الروسية في دمشق، من دون نقل تصريحات “بطلة” الاحتفالية للوكالة الروسية. الطفلة إيمان علي، في تصريحها لسبوتنيك تُعدد الهدايا التي أرفقها بوتين برسالته لها شارحة معنى كل هدية؛ باربي وهي للبنوتات لتتذكر أنها صغيرة، والدب القطني الذي يرمز لديهم في روسيا لشيء جميل، ومجسم لحمامة كرمز للسلام! وتبرعها بالشرح يفيد بوجود جمهور، هو على الأرجح الغالبية الساحقة من الأطفال السوريين، لا يعرف شيئاً عن باربي، ويعتقد مثلها أن الدب القطني خصوصية روسية وليس شائعاً لدى مختلف أطفال العالم.
فضلاً عن رسالتها إلى بوتين، يظهر في فيديو سبوتنيك كلاسور مطبوع على غلافه عنوان “صديقي جنرال موسكو”، والجنس الأدبي قصة قصيرة، يليه عنوان فرعي “موسكو بعيون طفلة سورية”. النسخ المطبوعة “من أجل الاحتفالية ربما” تغطي نشاط الطفلة إيمان بين 12 و19 آب الحالي، ومنه قصتها بعنوان “صديقي جنرال موسكو”، وهي في الفترة المذكورة كانت من بين مجموعة صغيرة من الأطفال دارسي اللغة الروسية دعاهم وزير الدفاع سيرغي شويغو لزيارة روسيا والتعرف على ثقافتها، وضمن حفل هناك في حديقة بتريوت وجهت الرسالة إلى بوتين، ومن ضمن شكرها له “حسب سبوتنيك”: أشكرك لأنني لا زلت أتمسك بحلمي وأتيقن بأنني سأصبح طبيبة عيون في المستقبل.
بالطبع أمنية أن تكون طبيبة عيون غير منفصلة عن “طبيب العيون” بشار الأسد، وللطفلة إيمان نبراس علي ذات التسع سنوات تسجيل في شهر أيار تتمنى فيه لو تستطيع المشاركة لانتخابه، تستهله بالقول: أنا طفلة سورية.. من عمر الأزمة السورية “ستكرر هذه الجملة في احتفالية السفارة”.. ولا مرة خفت من الحرب.. بابا خبرني برعاية الله وقائدنا بشار محميين ومنصورين. ثم تخاطب رئيسها بعبارات المديح والولاء، لينتهي التسجيل وهي تقدّم له التحية العسكرية. في هذا التسجيل يظهر خلفها العلم ذو النجمتين وصورة بشار، وتضع على صدرها علماً صغيراً، بينما تلبس في احتفالية السفارة الروسية ثوباً من ثلاثة ألوان من الأبيض نزولاً إلى الأزرق فالأحمر، هي بالترتيب ألوان العلم الروسي، وعلى رأسها ربطتا شعْر بألوان العلم الروسي أيضاً لمن قد تفوته ملاحظة ألوان الثوب. يُذكر أنها في مستهل تصريحها لسبوتنيك أشارت إلى ما هو مشترك بينها وبين بوتين لجهة لعبها الكاراتيه ولعبه الجودو.
لدينا طفلة تطمح أن تكون طبيبة عيون تيمناً برئيسها، وترى شبهاً بينها وبين بوتين بسبب ممارستهما رياضة قتالية، وما بينهما تكتب قصة عن صديقها جنرال موسكو، وقد يكون المقصود به وزير الدفاع الذي دعاها لتمضية بضعة أيام هناك. من دون أن ننسى، حسب قولها، عدم خوفها من الحرب. إلدار كوربانوف، مستشار المبعوث الروسي إلى سوريا، سيلفت انتباهها في الاحتفالية إلى موهبة تنافس رغبتها في دراسة طب العيون، إذ يخاطبها: لقد وصلت رسالتك إلى الرئيس بوتين، وهو ردَّ عليك. هذا عمل دبلوماسي جاد للغاية، لديك كل الإمكانيات. لذلك، حين تكبرين وترغبين في ممارسة الدبلوماسية، ستنجحين.
إذا كان من استدراك فهو التحفظ على وصف “طفلة” الذي يصرّ عليه هؤلاء الذين يستثمرون في طفولتها، بعد القضاء عليها. إنها طفولة تتفاخر، على منوال الشبيحة وعتاة الموالين، بأنها لا تخاف من الحرب! فهي لا تقولها على غرار ما قد ينطق بها طفل فقد إحساسه بالخوف جراء تعرضه للمخاطر والفظائع، تقولها استئنافاً لشعارات ترددها بخطابية خالية من الطفولة، خطابية تبدو صادرة عن روبوت لُقِّن على نحو أو آخر ما ينبغي قوله، لتبدو أخطاء الأداء كأنها صادرة عن آلة، لا تلك الأخطاء المحببة التي تصدر حقاً عن طفل ولا يندر أن تكون أجمل من صوابه، أو أن يكون ارتباكه محبباً أكثر من ثباته.
ربما تكون إيمان علي، حسبما تُوصف، طفلة متعددة المواهب حقاً. ما أُبرِز من مواهبها واستُثمِر لا يعدو كونه نوعاً من الخطابة والرطانة الأسدية التي لا تناسب عمرها، أو تعود إلى ما اعتادت آلة الأسد على تلقينه للأطفال ضمن ما يُسمى “طلائع البعث”. ثم إن تملّق بشار الأسد، وبوتين أخيراً، وما بينهما جنرال موسكو، لا يأتي بالفطرة ولا في مثل سنها. إنه تملّق مكتسب بآلية نخمّن أنها تبدأ من البيت مروراً بالمدرسة، وصولاً إلى صف تعليم اللغة الروسية الذي كان سبيلها إلى رحلة موسكو.
إيمان علي، التي لا تخشى الحرب، من الواضح أنها تعيش في يسر يتيح لها تعلم الروسية والإنكليزية، وممارسة أكثر من نشاط رياضي يحتاج مدربين أو أندية متخصصة. هي ليست من صنف مئات ألوف الأطفال الذين يخافون الحرب والمتأذين منها بسبب فقدانهم آبائهم أو أحد المقربين، سواء كان القتيل من الموالاة أو المعارضة، وليست كعشرات ألوف الأطفال على الأقل الذين فقدوا المأوى والمدرسة، أو كمئات الألوف الذين أصبح أهاليهم دون خط الفقر. إلا أن اليسر الذي تعيش فيه لم يجعلها “تُحرم” من انتهاك آخر لطفولتها، هو استخدام طفولتها كأداة مبتذلة لامتداح بشار مرة ولامتداح بوتين مرة أخرى، ولامتداح جيشيهما في المرتين.
في السفارة الروسية في دمشق اجتمع مسؤولون روس ومسؤولون أسديون، يتصدرهم العسكر وعلى رأسهم نائب قائد هيئة الأركان الروسية المشتركة، وقائد عمليات الجيش الروسي، والعماد نائب وزير الدفاع واللواء مدير الإدارة السياسية في قوات الأسد. اجتمعوا جميعاً بحضور الإعلام من أجل تلاوة رسالة “أبو علي بوتين” إلى إيمان علي، واجتماع هذا الرهط العسكري يكفي للدلالة على قذارة التجارة التي يديرونها على جثة طفولتها.
ستُستخدم إيمان في الإعلام الحكومي الروسي لتمجيد قاتل أطفال، الإعلام الذي صرّح قبل يومين المعارض الروسي أليكسي نافالني أنه مجبر على مشاهدته لثماني ساعات يومياً في سجنه. تأخذ وكالة سبوتنيك أقوالها، واسم سبوتنيك أُطلِق أيضاً على لقاح تعترف الحكومة الروسية بأن مواطنيها يرفضون تناوله لعدم ثقتهم به “بالأحرى لعدم ثقتهم بها وبما يصدر عنها”. بين المافيا العالمية والعصابة المحلية، تُنتهك طفولة كان من المأمول لها ولأمثالها أن تخاف من الحرب، وألا تكترث بمن يرأس بلادها، وأن تكتب عن دب روسي طيب شاهدته في حديقة الحيوان لا عن جنرال صديق في موسكو.