عيسى بو عيسى- الديار
تشعبت الأزمة الاقتصادية في لبنان مع امتداداتها الزمنية لتطال كل الفئات، حتى المؤسسات الحكومية التي يفترض أن تكون قادرة على توفير سُبل العيش لأفرادها ، ففي مجمل المناطق وخصوصا في البقاع حيث ينتشر الجيش ويتعامل مع التوترات الأمنية وملاحقة المطلوبين، يتحدث بعض الشهود عن أن العسكريين الذين يخدمون في المنطقة، يزرعون الاراضي المحيطة بمراكزهم لتوفير أكبر قدر من المصاريف التي باتت عبئا لا يمكن أن يحمله لا الفرد ولا المؤسسة.
وتستعرض أوساط اقتصادية ما حصل في البلاد من انهيار تام على كافة الصعد ، ولم تبقِ الأزمة مجالاً للتمايز الطبقي بين اللبنانيين، فجميعهم سواسية في المعاناة، إذ يبحث الفقير كما الغني عن ضوء الكهرباء، ويبحث كلاهما عن الدواء والمحروقات، وقد عطل شح المادة الأخيرة دورة اقتصادية كاملة، حيث ألزمت أزمة المحروقات الخانقة الكثير من اصحاب المهن الصغيرة والعمال المياومين وحتى أُجبر بائع الأسماك المتجول على إيقاف سيارته لمدة 4 أيام، وانسحب الأمر على بائعي الخضراوات المتجولين، وفُقدان الخبز من السوبر ماركت عندما لم يتوفر البنزين لسيارة نقله من الأفران إلى المتاجر الصغيرة في القرى.
وتضيف الاوساط: طالت أزمة انقطاع المحروقات سيارات الأطباء والصليب الأحمر وسيارات نقل الموتى، ولم يتمكن مزارعون من جمع محاصيلهم بسبب فقدان مادة المازوت، وآخرون لم يتمكنوا من شراء المادة لري بساتينهم التي بدأ اليباس يأكلها، لتشير الى أن تعبئة البنزين على قساوة الانتظار في الطابور تعرض صاحبها للموت بفضل «قبضايات» الشوارع الذين يذكّرون الناس بحرب السنتين حيث الفاجر يأكل مال الناس الطيبين ، والسلاح صار من جديد «زينة» الشبيحة والزعران الذين ينتظرون عند كل منعطف ليل نهار للتشليح والسرقة… بالتمام يبدو البلد فلتان ولا ينقصه سوى شعلة كبريت كي يشتعل !!
هذا ما يحدث أمام محطات المحروقات فيما السوبر ماركت لم تكن أرحم من السلاح بحيث أصبحت الزبائن «للفرجة « فقط والصفير والصريخ جراء إرتفاع الاسعار بشكل لم يسبقه مثيل ودون رادع ، لكن هذه الاوســاط تدعو الى ترقب مشاكل «فظيعة» داخل محلات التموين بحكومة أو دونها بفعل الجوع الذي يدق أبواب معظم اللبنانيين ، وكل يوم يمر سترتفع نســبة الإجرام والقتل والســرقات بصــورة مخيفة وحتى أعمال الخطف وطلب الفدية واردة في كل لحظة مع ظهور السلاح بكل أنواعه وتكاثره حتى مع ذوي الدخل المحدود… وهنا الطامة الكبرى.
وفيما يحاول اللبنانيون البحث عن مخارج عجزت الدولة عن تأمينها ، فقد اتخذ العديد من المواطنين قراراً بتركيب منظومة توليد كهربائي على الطاقة الشمسية لتتخطى أزمة انقطاع الكهرباء، إذ من يقبض بالدولار ومن الخارج بإستطاعته إنارة منزله، بينما ألزمت الضائقة الاقتصادية فقراء الحال على تخزين الشموع لتوفير الإضاءة ليلاً، وفي سياق شح الدواء يوفر مغتربون لبنانيون الأدوية الضرورية لأقربائهم وأصدقائهم من الخارج لعلاج أمراض مزمنة غير مستعصية.
ويحاول اللبنانيون التحايل على أزمة انخفاض قيمة رواتبهم، حيث يفتش العسكريون المتقاعدون من قوى الأمن الداخلي، عن فرصة عمل بصفة أمين مستودع في مؤسسة تجارية، ويخدم زميل له بصفة عنصر حماية في شركة أمن خاصة ليلاً كي يتمكن من النهوض بأعباء التزامات عائلته ، ويبحث العشرات من الخريجين الجدد عن فرص عمل في الخارج، خصوصاً في دول عربية خليجية ودول أفريقية، بينما تتقدم عائلات بطلبات هجرة إلى كندا وأستراليا ودول أخرى.
وتختم الاوساط بالقول: كل ما يحصل في ميل والإحباط الذي يخيم على اللبنانيين في ميل اّخر حيث تنعدم الآمال في أن يعود لبنان إلى سابق عهده، وهذا ما يدعو الناس الى اليأس والهروب إما الى الخارج أو نحو الإجرام والرذيلة وكلاهما أمران مدمران للوطن الذي كان يسمى يوما سويسرا الشرق فأصبح أحياء من «تورا بورا» متواجدة في كل دسكرة في هذا الوطن المعذب !!