كمال ذبيان- الديار
الجواب عن سؤال لبنان الى اين بات معلوماً، ووصل للانهيار وزوال الدولة والى جهنم.
اما السؤال الذي يُطرح في هذه المرحلة، كما في مرحلة اخرى سابقاً، لبنان لمن؟
وعلى لبنان يجري الصراع، وهو ليس جديداً في تاريخه الحديث والقديم، لانه في المفهوم الجيوسياسي، نقطة تلاق على البحر الابيض المتوسط ، لثلاث قارات اوروبا وافريقيا وآسيا، ويعطيه موقعه الجغرافي اهمية للربط مع عمقه المشرقي والعربي، اضافة الى انه سجل انتصارات على العدو الاسرائيلي، في مقاومته، لم تصنعها انظمة عربية، استسلمت امامه، وهذا ما اعطى قيمة للبنان وترك الصراع عليه.
لذلك تنشغل الدول فيه، وقد اصبح من الدول التي تنقب عن النفط، اذ بات حاجة اقتصادية واستثمارية في هذا القطاع الذي ما زالت الحاجة اليه عالمياً، ولو كانت الدول المتقدمة تتجه نحو الطاقة البديلة والمتجددة.
ويدخل التكوين السياسي اللبناني، في جواب على سؤال: لبنان لمن، وهو ما حصل منذ انشائه كدولة، بقرار فرنسي من الجنرال غورو في العام 1920، وكان من حصة فرنسا التي تقاسمت سورية الطبيعية، مع بريطانيا، التي ما برحت ان تصارعت مع فرنسا على لبنان، بازاحة الحكم التابع لها برئاسة اميل اده، لتأتي ببشارة الخوري رئيساً للجمهورية ويصبح الجنرال سيبيرز الحاكم الفعلي للبنان المستقل حديثاً، ويستمر الصراع على موقع لبنان السياسي، مع اميركا ومشاريعها فيه وبالمنطقة، ام مع هويته العربية، التي اورد الميثاق بان وجه لبنان عربي.
ومنذ نشوئه كدولة، والسؤال مطروح حول هوية لبنان ونظامه السياسي، حيث تكمن الازمة هنا، ولم يتوصل اللبنانيون الى حل جذري لها، بل تسويات مرحلية، ومنها اتفاق الطائف، الذي لم يطبق كاملاً، بل حصل انتقاء للمواد منه، بينما الاساسية كالغاء الطائفية من النظام فلم ينفذ، وهو ما يعمّق الخلافات الداخلية حول الصلاحيات التي نشبت بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، والرئيس المكلف تشكيل الحكومة نجيب ميقاتي، وهو ما عبّر عنه مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، ومعه نادي رؤساء الحكومات السابقين ليكشفوا عن ازمة نظام، تضاف اليها ازمة الهوية.
فتشكيل الحكومة، دخل في ازمة النظام، الذي برزت مساوئه الطائفية، التي قد تفجر حرباً اهلية جديدة، مع استفحال الطائفية السياسية، وتقدم اللغة الطائفية، وفق ما يرى مراقب سياسي، كيف تقدم الكلام الطائفي، على الوطني، وراجت مطالب طائفية، مثل «حقوق المسيحيين» واستعادتها، ورئيس الجمهورية «المسيحي القوي»، فتم الرد «بصلاحيات رئيس الحكومة السني»، فاستفاقت «الشيعية السياسية» على المثالثة، والتوقيع الثالث لوزير المالية، الذي بات حصراً بالطائفة الشيعية، لتخرج اصوات درزية تتحدث عن تهميش طائفة مؤسسة للكيان اللبناني، من حقائب وزارية سيادية، في وقت كانت تسند وزارة الداخلية لكمال جنبلاط والدفاع للامير مجيد ارسلان والمال تبوأها عادل حمية وغيرهم.
والخلاف الذي يبرز على الحقائب وتوزيعها على الطوائف والمذاهب، يؤكد على ان الطائفية السياسية في النظام، لم تبن دولة، وهذا ما يعترف به اركان هذا النظام، ويدعون الى دولة مدنية، والغاء الطائفية، دون ان يتقدموا نحوهما، وهذا يدل على اطلاقهم شعارات فارغة من المضمون، ونفاق ما بعده نفاق، يرى المراقب السياسي، بان الخلاف الاعمق، هو حول موقع لبنان في لعبة المحاور الاقليمية والدولية، اذ هو مصنّف من دول عربية لا سيما السعودية، بانه وقع تحت النفوذ الايراني، وابتعد عن عالمه العربي، وان المساهمات العربية والسعودية تحديداً في انجاز اتفاق الطائف، ووقف الحرب الاهلية، واعادة الوحدة الى اللبنانيين، لا يمكن ان يدار الظهر لها، كما ان اميركا ودول تدور في فلكها، ترفض ان يشارك «حزب الله» في الحكومة، ويصادر قرارها.
لذلك فان عدم تشكيل حكومة، بقدر ما هو مرتبط بصراع على السلطة والصلاحيات والحقائب، فان موقع لبنان، ولمن النفوذ فيه، هو الاساس الذي سيحدد، لمن القرار فيها، بعد ان امتلك «حزب الله» وحلفاؤه الاكثرية النيابية، وانتخبوا المرشح الذي اختاروه، وتحديداً «حزب الله» الذي وقف وراء انتخاب العماد عون، كما ان الاكثرية النيابية باتت تتحكم بالحكومة، رئيساً واعضاء، وهذا مرفوض من السعودية، التي امتنعت عن اعطاء موقف من تكليف ميقاتي وقبله الحريري الغير مرغوب من قبل قيادتها، حيث تجري عملية تصفية شركته «اوجيه سعود» وتوائمها، وبيعها في المزاد العلني.
من هنا، فان لبنان لمن، والى اين وصل، فان الحكومة مرتبطة بجواب على سؤال، لمن هو القرار في الحكومة، حيث التصارع الاقليمي والدولي على الساحة اللبنانية، لا يتوقف.
وسيكون تشكيل الحكومة اكثر تعقيداً، اذا ما وصلت الباخرة الايرانية المحمّلة بالنفط الى البحر الابيض المتوسط، ورست مقابل الشاطىء اللبناني، فمن سيجرؤ ان يعطيها امر الرسو، وهذا ما يحاول ميقاتي ان يتجنبه، خوفاً من العقوبات وهو ما اشار اليها، داعياً الجامعة العربية لتتدخل، وتمنع لبنان من شرب «الكأس المرة» للنفط الايراني، الذي لا بدّ منه، ان لم يتأمن البديل.