اندريه قصاص-لبنان24
شهر بالكمال والتمام على التكليف. 13 لقاء بين الرئيس المكّلف ورئيس الجمهورية. إيجابية مطلقة من قِبل الأول. في المقابل إنتظار وتسويف ومماطلة. ندور ونحور ولا نزال عند المرّبع الأول. الثلث المعطّل أو الضامن هو القنبلة الموقوتة. معه تعطّلت لغة الكلام على مدى تسعة أشهر، حيث سبق أن إكتشف الرئيس سعد الحريري، بعد طول أناة، أن لا بدّ في النهاية من الإعتذار بعدما لمس اليد أن ثمة فالجًا في مكان ما من الصعب معالجته، وقد يضطّر غيره للذهاب إلى “الكيّ”، بإعتباره آخر الدواء.
قد تفرض المرحلة الخطيرة جدًّا على “أمّ الصبي” أحيانًا أن يتغاضى عن أمور كثيرة، وأن “يطّنش” ويغضّ الطرف، ويعمل حالو مش شايف، مع أنه شاهد يرى ويسمع ويسجّل ويدّون. لكن متى تزيد الأمور عن حدّها يصبح السكوت عن الحقّ غير جائز وغير مقبول. فقول الحقيقة، وإن كانت في بعض الأحيان مؤلمة وتجرح، هو أكثر من ضرورة، وذلك لوضع النقاط على الحروف، ولوضع الأمور في نصابها الصحيح. وعندها لا تعود اللياقات التي تفرضها الأخلاقيات والأدبيات العامة في غير موضعها الصحيح والسليم.
فإذا كان “أمّ الصبي”، ومعروف من هو، يحاول أن يتفادى الدخول في سجالات يعرف أن الآوان غير أوانها، فهذا ليس موقف ضعف، بل هو قمة في تحمّل المسؤولية، التي لا يريد الآخرون تحمّلها. فعلى رغم كل الأبواب الموصدة في وجهه لم يدخل اليأس إلى قلبه ووجدانه، وبقي على إيجابياته وتفاؤله، وإن لامه البعض، وبقي على إيمانه بإمكانية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، شرط أن تتلاقى الإرادات الطيبة، وتتشابك الأيدي. فيد واحدة لا تستطيع التصفيق.
خرج الرئيس نجيب ميقاتي، بعد شهر من الأخذ والردّ، وبعد 13 لقاء “مطرحك يا واقف”، عن صمته، لكنه لم يقل سوى القليل من الحقيقة، ولم يكشف سوى القليل من الواقع، وذلك ليقينه بأنه لا تزال هناك فرصة يجب إستثمارها، ويجب عدم ترك السلاح في منتصف المعركة، ويجب بالتالي المحاولة مجدّدًا عّل وعسى.
ولأنه مدرك خطورة الوضع، ولأنه يسمع أنين الموجوعين، ولأنه يرى معاناة الناس على محطات الوقود، ولأنه يتحسّس مدى حاجة اللبنانيين إلى من يضع حدًّا لمآسيهم المتتالية والمتراكمة، قرر عدم الإعتذار، مشفوعة بـ”لكن” كبيرة. وهذه الـ”لكن” تعني الكثير بالنسبة إلى الذين يراقبون عن قرب تطوّر الأحداث، سواء من الداخل أو من الخارج. تعني أن الكيل قد يطفح. وقد تكفي نقطة واحدة، وهي النقطة الفاصلة بين الحقّ والباطل، لكي يطفح هذا الكيل.
وعدم الإعتذار لا يعني أن مهلة تشكيل الحكومة مفتوحة إلى ما لا نهاية، من دون أن يعني أيضًا أن باب الحلول الممكنة موصد. الأمل في إمكان أحداث “هزّة ضمير” لا يزال موجودًا. والأمل بالغد الآتي يجب ألا يغيب عن أذهان من يعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام الشعب وأمام الله وحكم التاريخ عن مصير الناس، الذين يتآكلهم اليأس، والذين كفروا بكل شيء؛ بالسياسة وأهلها.
على جميع المعنيين أن يفهموا، ومرّة أخيرة، أن الرئيس المكّلف من قبل مندوبي الشعب إلزاميًا هو المسؤول الأول والأخير عن تشكيل الحكومة، وفقًا للأصول والأعراف، ووفقًا للدستور، الذي ينص على أنه على الرئيس المكّلف عرض تشكيلته الحكومية على رئيس الجمهورية والتشاور معه حول الحقائب والأسماء، توصلًا إلى قناعات مشتركة من خلال عملية تقريب المسافات، لينتهي الأمر بتوقيع المراسيم الحكومية. فالدستور لم يتحدّث عن ثلث معطّل أو ضامن. ولم يتحدّث كذلك عن النصف زائدًا واحدًا. ولم يتحدّث عن الحصص.