الفجوة بين الحلول التي ترغب إسرائيل فيها للخطر النووي الإيراني وبين الحل الذي تسعى واشنطن له لا تزال كبيرة جداً
طال ليف – رام – محلل عسكري
يمكن القول إن الزيارة التي يقوم بها رئيس الحكومة الإسرائيلية نفتالي بينت إلى الولايات المتحدة، وكذلك التعاون الوثيق والممتاز بين جيشي البلدين وهيئات الاستخبارات، والتفاهم الذي تبديه الإدارة الأميركية في كل ما يتعلق بمشاكل الاتفاق النووي مع إيران، تشكل مؤشرات جيدة إلى مستوى العلاقات الثنائية بين الدولتين. ومع ذلك فإن الفجوة بين الحلول التي كانوا في إسرائيل يرغبون في رؤيتها للخطر النووي الإيراني، وبين الحل الذي تسعى واشنطن له لا تزال كبيرة جداً.
يدّعي المسؤولون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في الوقت الحالي أيضاً أن إيران التزمت بما نص عليه الاتفاق النووي إلى أن خرجت الولايات المتحدة منه [في إبان ولاية الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب]. وبالرغم من ذلك يعتقد هؤلاء المسؤولون أن إسرائيل لا يمكنها أن تقبل إطار اتفاق تنتهي صلاحيته سنة 2031. وفي الظاهر الأميركيون أيضاً يفهمون ذلك، لكن وفقاً لطريقة تفكيرهم، فإن التوصل إلى اتفاق أفضل يستلزم أولاً العودة إلى إطار الاتفاق السابق الأصلي. ويعتقد المسؤولون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن هذه الخطة غير قابلة للتطبيق، إذ إن إيران التي تعتبر أن الولايات المتحدة هي التي خرقت الاتفاق تقوم بشدّ عضلاتها من أجل أن تحقق اتفاقاً أفضل من الاتفاق الأصلي المبرم سنة 2015. وفي واقع الأمر فمن دون وجود خيار عسكري ذي صدقية [لكبح البرنامج النووي الإيراني] ومن دون عقوبات شديدة، لا يوجد سبب وجيه لدى إيران لتوقيع اتفاق أسوأ من الاتفاق السابق.
غير أنه على الرغم من التقدم الكبير الذي حققته إيران في برنامجها النووي في العامين الأخيرين، وأساساً في كل ما يتعلق بتخصيب اليورانيوم، إلا إن المسؤولين في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية خففوا هذا الأسبوع من التقديرات التي تؤكد أن إيران قريبة جداً من امتلاك قنبلة نووية. وتعتقد الاستخبارات الإسرائيلية أن إيران تتقدم نحو القنبلة النووية بحذر كبير، بل وحتى بطريقة زاحفة، ولا تعدو في اتجاهها سريعاً، وذلك كي تحافظ على ما حققته حتى الآن وكي تحتفظ بأوراق ضغط في المفاوضات الابتزازية التي تقوم بإجرائها مع الدول العظمى.
ولا يستهتر المسؤولون الأمنيون في إسرائيل بالمعرفة الآخذة بالتراكم في إيران فيما يتعلق بإنتاج قنبلة نووية، لكنهم في الوقت عينه يؤكدون أنه إلى جانب تخصيب اليورانيوم لا بد أيضاً من وجود القدرة والتكنولوجيا الخصوصية من أجل إنتاج القنبلة. وعلى الرغم من أن تقارير أجنبية أشارت إلى حدوث تقدُّم في تخصيب اليورانيوم في إيران فإنها لم تقُم بتجاوز نسبة 60% من التخصيب، ويمكنها في الظاهر أن تدّعي أن الحديث يدور حول تخصيب لأهداف مدنية.
كما يعتقد المسؤولون الأمنيون في إسرائيل أن إيران ليست موجودة بعد في مرحلة متقدمة في كل ما يتعلق بتركيب رؤوس حربية نووية للصواريخ البالستية البعيدة المدى التي تمتلكها، وهي مرحلة تتطلب معرفة هائلة ما زالت طهران مفتقرة إليها.
في المحصلة، يتم الاستعداد في إسرائيل لاحتمال مماطلة وتسويف يستمران فترة طويلة وربما سنوات. وفي ظل واقع كهذا ومن دون اتفاق نووي سيستمر الزحف الإيراني البطيء نحو القنبلة النووية. وإلى جانب ذلك ستستمر المعضلة الإسرائيلية ذات العيار الثقيل المرتبطة بسؤال ما الذي يتعين على إسرائيل أن تفعله لوقف هذا الزحف، وذلك في الوقت الذي يتعزز فيه الاعتقاد [في إسرائيل] بأن الولايات المتحدة ستفعل كل شيء من أجل عدم التورط في مغامرة عسكرية أُخرى في الشرق الأوسط في الوقت الذي توجه أنظارها نحو العملاق الصيني.
حالياً، وبعد أعوام، عاد الجيش الإسرائيلي إلى الإعلان مجدداً أنه يجهز خيارات عسكرية للعمل ضد إيران. غير أن احتمال قيام إسرائيل بعملية عسكرية مستقلة لمهاجمة منشآت إيران النووية يبدو بعيداً، ومن المحتمل أكثر أن يستمر الوضع القائم حالياً حتى خلال السنة القريبة. وهذا يعني استمرار الجهد في إطار المعركة السرية للمساس بإمكان تقدُّم البرنامج النووي الإيراني، وإلى جانب ذلك استمرار المعركة في مقابل إيران في الساحات القريبة، في الجو والبحر والبر.