ابتسام شديد- الديار
مع كل أزمة سياسية يشتد الخناق على أهل السلطة ، خصوصا الأحزاب السياسية الكبرى التي بدأت تفقد ثقة جمهورها وجزءا أساسيا من عصبها السياسي كلما ازداد الانهيار او عند وقوع ايّ حدث ، فاذا كان انفجار بيروت أصاب كل لبنان، الا ان وقعه وتأثيره الكبيرين وقعا على الفريق السياسي والحزبي لرئيس الجمهورية بالدرجة الأولى، لأنه استهدف منطقة بأكثرية مسيحية، فيما وتر الحادث الساحتين الشيعية والسنية، فيما كشف انفجار التليل أزمة «تيار المستقبل» في عمقه الشعبي والخزان السني، فالأحزاب السياسية تأذت من المتغيرات فنقلت المعركة الى التجييش وشد عصب مناصريها ، هكذا تبدو الأمور في الفترة الأخيرة بين أكثر من فريق سياسي وطرف، كما هي الحال بين التيار الوطني الحر وخصومه السياسيين ، فالوضع يبدو دائما متشنجا بين «المستقبل» و»التيار» بعد حدوث أكثر من معركة «كسر عضم» بينهما، وبين «التيار» و»القوات» بتكرار «القوات» دعوتها الى استقالة رئيس الجمهورية .
في ٤ آب ٢٠١٩ أنهى التيار الوطني الحر قطع آخر ورقة في روزنامة علاقته ب «تيار المستقبل» وهي علاقة كانت متوقفة من استقالة رئيس «المستقبل» سعد الحريري من الحكومة وتركه التيار يتخبط في الانهيار ، وفي الرابع عشر من آب الحالي كرّس الانتقال النهائي للحريري الى موقع الخصم اللدود للعهد مع اطلاقه بعد انفجار عكار الدعوة لرحيل رئيس الجمهورية.
القطيعة بين «التيار» و «المستقبل» افرزتها الأحداث والتشنجات وانتهت الى التخاطب السياسي غير اللائق بينهما،حيث يعلو الخطاب ويهبط وفق المزاج السياسي لأصحاب العلاقة وتقلّب المسارات، ووفق مصلحة كل طرف ووضعيته السياسية.
ارتفعت مستويات تدهور العلاقة اخيرا، اذ يعتبر سياسيون من فريق ٨ آذار ان «المستقبل» لديه العديد من الهواجس اذ يتخوف من نجاح علاقة الرئيس المكلف برئيس الجمهورية، فيُصعّد من أجل نزع الشعبية عن تكليف ميقاتي مع اقتراب الأخير من انجاز التأليف والتعاون مع رئيس الجمهورية ، حيث فشل الحريري، كما يعتقد المقربون من الفريق العوني، ان الحريري يسعى الى التجييش الطائفي لشد عصب شارعه الذي أصيب بنكسات خروج الحريري من التأليف، وبعد انفجار عكار وارتفاع الأصوات السنية المنددة ب «المستقبل» في بيئته بالدعوة لاقالة نوابه.
من دون شك، فان حسابات «تيار المستقبل» اليوم، في حال استطاع ميقاتي التأليف، صارت مختلفة عن الحريري، فالأخير، اذا حصل التأليف، ذاهب الى التحضير للانتخابات، مما يستوجب تجهيز الأرضية الشعبية وشد العصب السني، وهو ما يحصل اليوم لكسب الانتخابات ، كما يقوم بالتعبئة ضد العهد لتصحيح مسار علاقته بالمملكة السعودية تعويضا عن مرحلة طويلة من الانتكاسات بين «بيت الوسط» والمملكة.
يتهم العونيون «تيار المستقبل» بمحاولة الانقلاب وتحميل العهد والتيار مسؤولية اي تقصير او ما يتصل بانهيار الوضع اللبناني، وكأن الحريري لم يكن شريكا في السلطة معهم.
الصراع الدائر بين «التيار الوطني الحر» و»المستقبل» كما تدل المؤشرات، لن يتوقف، وهناك استحالة انتظام العلاقة بين الطرفين، فالقاصي والداني يعرف ان خلافهما صار عميقا جدا ،وليس معركة حقيبة او صلاحيات رئاسية وثلثا معطلا ، بل أبعد من ذلك بكثير، كما تقول مصادر سياسية، وتتصل بسقوط التسوية وأزمة الثقة المفقودة التي نشأت بعد استقالة الحريري من الحكومة على اثر انتفاضة ١٧ تشرين وترك العهد في الساحة والذهاب الى النأي بالنفس، حيث يسعى الحريري لاستقطاب التأييد الرسمي والشعبي السني له قبل أي خطوة، فيما يعتبر التيار ان المواجهة هدفها استنزاف العهد والقضاء على ما تبقى من رصيده وتحميله وحده تبعات الانهيار.
جبهة «التيار» و «القوات» المستمرة، ليست أخف وطأة مما يحصل مع «المستقبل»، فالود مفقود بين الحزبين المسيحيين على خلفيات سياسية وانتخابية، اذ يتقاسمان الشارع المسيحي، وبعد ان وجدت «القوات» في الأزمة السياسية الحادة التي يطوّق بها العهد فرصة للانقضاض عليه وانهائه، فلا تترك «القوات» فرصة الا وتستغلها لاستنزاف العهد وفتح النار عليه مستغلة لحظة الارتباك السياسي وغرق البلاد في المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، بالنسبة الى «القوات» العهد متهم بالأزمات الحادة وتياره مرتبط بالفساد في الكهرباء ومشاريع السدود وصفقات البواخر، لكن التيار الوطني الحر وجد فرصة ليرد التهمة عنه ،فصوّب على تخزين المواد لدى رجل الأعمال ابراهيم الصقر وما كشفته المعلومات عن حجم الكميات المخبأة لرفع كرة الفساد ورميها في اتجاه «القوات».