ناصر قنديل-البناء
– شكل استشهاد الجنرال قاسم سليماني رئيس أركان محور المقاومة، وقائد الجناح العراقي في محور المقاومة ابي مهدي المهندس، عنواناً لزلزال إقليمي ودولي، وداخل كلّ من إيران والعراق ودول محور المقاومة، لم تظهر كلّ تردّداته بعد، وإذا كان الأميركيون قد قرّروا الانحناء أمام عاصفة الردّ الفوري على عملية الإغتيال التي تمثلت بقصف قاعدتهم في “عين الأسد” بالصواريخ من إيران وببيان إعلاني، بصمتهم أمام الردّ في سابقة فريدة في تاريخ الجيش الأميركي، ظناً منهم بأنّ هذا سينهي الأمر عند هذا الحدّ، فهم يكتشفون وسيكتشفون أنّ الزلزال مستمرّ، وتردّداته لا زالت تحكم معادلات المنطقة وستحكمها أكثر فأكثر، فالكثير من الخطط التي خرجت الى العلن بعد العملية كانت خططاً وضعها الجنرال سليماني، وبعضها كانت خطط احتياط لمواجهة سوء تقدير الموقف من الأميركي لموازين الردع وارتكابهم حماقات كبرى تراهن على كسر هذه المعادلات، وجاءت عملية الاغتيال أكبر هذه الحماقات، ولعلّ الأميركيين سيكتشفون في يوم غير بعيد أنّ أفغانستان وفلسطين كانتا ساحتين رئيسيتين لما أعدّه وهيأه سليماني، وأنه صاحب حضور فيهما يصعب حصر تأثيره، وأنه أولاهما بالحضور والمقدرات النوعية والعلاقات المميّزة بكلّ القيادات العاملة فيهما عناية استثنائية بمجرد اطمئنانه عام 2017 لصيرورة الانتصارات في سورية، تتويجاً لعلاقة مميّزة أنشأها ورعاها بين حركتي حماس وطالبان.
– الموج الشعبي الهادر الذي خرج في تشييع هذين القائدين في العراق وإيران، أنجز مهمته في إيران مع وصول الرئيس السيد إبراهيم رئيسي الى الرئاسة، وهذا الموج لن يهدأ حتى ينجز مثل ذلك في العراق، وكما دخلت إيران رسمياً زمن الجنرال قاسم سليماني، سيدخل العراق رسمياً زمن القائد أبي مهدي المهندس، والترابط الذي حمله استشهاد القائدين معا يحكم الربط بين مساري التحوّلات في بلديهما، وليس من باب الصدفة تسمية قائد ملف أفغانستان في فيلق القدس الجنرال إسماعيل قآني لقيادة الفيلق خلفاً لسليماني، كما ليست صدفة تسمية الدبلوماسي حسين أمير عبد اللهيان المعاون السياسي لسليماني وزيراً للخارجية في عهد السيد رئيسي، ومع نيل حكومة رئيسي ثقة مجلس الشورى الإيراني، الذي يشكل الجنرال سليماني الأب الروحي للغالبية المسيطرة عليه، تدخل إيران رسمياً في ظلّ رعاية الإمام الخامنئي زمن سليماني، لتبدأ ترجمة الردّ على اغتياله واغتيال رفيق دربه المهندس، والردّ ليس بالضرورة عسكرياً، فالجانب المعنوي من الردّ العسكري قد تمّ، لكن الردّ هو كما قال الإمام الخامنئي وكما أكد السيد حسن نصرالله، بإخراج الأميركيين من المنطقة انطلاقاً من أفغانستان، ومروراً بالعراق وصولاً الى سورية، وربما يكون الأميركيون قد اكتشفوا أو هم سيكتشفون بصمات سليماني وأنفاسه في ما لحقهم في أفغانستان، لكنهم حكماً سيرون بأمّ العين حضوره وحضور المهندس في كيفية خروجهم القادم من العراق.
– معادلة كش ملك هي التي تحكم اللعبة الإيرانية مع الأميركيين رداً على الاغتيال، أيّ المضيّ بجملة من الخطوات والإجراءات المعقدة والمتعدّدة الميادين والمبتاعدة جغرافياً لوضع الأميركي في منطقة قرار صعب بين الانكفاء أو الحرب، حيث لا يستطيع اتخاذ قرار الحرب، وهذا ما حصل في أفغانستان، وهذا ما سيحصل مع عبد اللهيان في الملف النووي، وهذا ما سيحصل في العراق مع توصية الانسحاب، وهذا ما يحصل مع سفن المقاومة، وهذا ما سيحصل في سورية، وفي اليمن وفي غزة، وحيث تتحرك إيران ويتحرك محور المقاومة.
– وصية سليماني ومشروعه غير منفصلين، لكن مشروعه الذي اقتنع به الروس والصينيون هو آسيا خالية من الوجود الأميركي، لكن مع عرض الخروج المشرف على الأميركيين بتثبيت معادلات استحالة المواجهة أمامهم وجرهم إلى فرص الانسحاب ضمن تفاهمات وتسويات، أما وصيته فهي فرض الخروج المذلّ على الأميركيين، ومشهد أفغانستان يشرح الكيفية، ومشكلة الأميركيين أنهم لم يفهموا بعد لماذا لم تلق عروضهم لتفاهمات ثنائية مع كلّ من إيران وروسيا والصين قبولاً، ولم ينتبهوا انّ ثلاثي آسيا متفق على عدم منحهم فرص الثنائيات والاستفراد، وعازم على إخراجهم من آسيا، وأفغانستان تمنحهم فرص أفضل للفهم إنْ استطاعوا عرض تسويات تضمن انسحابهم بلا أثمان مقابلة، لاستباق ما ينتظرهم من اختناقات في مربعات الخيارات الصعبة بين مواجهة انتحارية وانسحاب مذلّ؟