بشارة مرهج*-البناء
لو استمع الرؤساء والوزراء والنواب، ومن يليهم، الى أحاديث العائلات والطلاب بخصوص السنة الدراسية المقبلة لشابت رؤوس وأسودّت وجوه وتوارت جباه خجلاً من مواجهة واقع مخيف ألقوا بحمله على وزير – قاض يسعى في مناكبها محاولاً ـ وحيداً في معظم الأحيان ـ إيجاد المعادلات والحلول استناداً إلى معلومات هشة عن واقع الدولة المالي وقدرتها على مواجهة الالتزامات التربوية سواء تعلقت بالمدارس أو الأساتذة أو الموظفين أو الطلاب أنفسهم. وكلّ ذلك يجري في لحظة يتقلص فيه الاحتياطي الإلزامي إلى حدوده الدنيا بفضل «سهر» الحاكم وحيث تتخبّط فيه الدولة ـ كلّ الدولة ـ أمام انهيار الوضع برمته وسقوطه نهائياً في أشداق من اختار التخلي، من موقع المسؤولية، عن مسؤوليته في خدمة البلاد وأهلها، والتوجه بأعصاب باردة وغرائز متفلتة لاستنزاف ما تبقى من ثروات عامة ومدّخرات خاصة بعد أن عاث في البلاد فساداً فأفرغ خزائنها وأحرق مرافقها وشتت مصارفها وسرق ودائعها وضرب مصالحها وانتهك مؤسساتها وأعلى شأن عصبياتها المريضة لتكون له عوناً في مشاريعه السياسية والانتخابات البلدية والنيابية الآتية.
يجلس رب العائلة مع زوجته وأولاده فتبدأ الأسئلة مقرونة بشحنة من التساؤلات والمرارات…
ماذا عن الأقساط وكيف يمكن الإيفاء بها في ظل تراجع الدخل؟ ماذا عن الأمن، وهل يمكن للمدارس والجامعات أن تستمرّ فيما حبل الأمن يهتز والناس لا تحصل على حقوقها فيما عصابات الاحتكار والسرقة والتزوير والغش تطل برأسها في كلّ شارع وناصية وأمام كلّ دائرة حكومية تعرض حتى الأوراق والوثائق الرسمية بأسعار لا يحتملها مواطن.
ثم ماذا لو احتاج الطالب الى دواء فهل يمكن تأمين الدواء وصيدليات تغلق وأخرى تشكو من الفراغ على رفوفها؟!
ثم ماذا لو احتاج الطالب الى استشفاء فهل يمكن الاتكال على مستشفيات تبحث كلّ النهار عن الأوكسجين والوسائل الطبية والأدوية والمازوت فضلاً عن أطباء يهاجرون وممرّضين يغادرون؟!
وبعد ذلك ماذا عن الأساتذة وبعضهم يعلنها صراحة ان لا عودة للتعليم في ظلّ رواتب هزيلة وضمانات مشكوك بأمرها. فهل يمكن تسيير المدارس والأساتذة يبحثون عن لقمة العيش وكيف يصلون من البيت الى المدرسة وكيف يغادرون من المدرسة الى البيت في ظلّ جو نفسي ضاغط لا يساعد على التعليم وبث اسرار المعرفة؟!
ثم ماذا عن المصروف وحاجة الطالب الى كتب ووسائل الكترونية وسواها في ظلّ انقطاع التيار الكهربائي وانتشار العتمة التي تتقدّم خيمتها باضطراد على كلّ الأراضي اللبنانية؟!
وبينما أنا أختم المقال سمعت رنين الهاتف فإذا بخبر يطلعني عليه صديق يُغني عن كلّ بيان. يقول الخبر المخيف انّ بعض المدارس تفكر جدياً بإقفال أبوابها للسنة المقبلة. المصيبة ليست هنا فحسب، وانما في مرور هذا الخبر مروراً عابراً أمام «جمعية» المتموّلين والساهرين على صيانة العصبيات. بعرفهم الخبر عادي ولا يستأهل التوقف عنده او الاستنفار بشأنه وتلك قمة المأساة!