تسبب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان مزيدًا من التباين الحاد بين الحزب الديموقراطي والجمهوري، ظهر جليًّا بتصريح الرئيس السابق دونالد ترامب الذي علّق فيه على مشاهد انسحاب القوات الأميركية وسيطرة طالبان بأنها “أكبر إهانة للسياسة الخارجية في تاريخ البلاد”. ليرد الرئيس جو بايدن بانه “ورث اتفاق انسحاب سيئ من ترامب”.
صحيفة “واشنطن بوست” أشارت في مقال لها إلى ان “الجمهوريين يحاولون استخدام انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان ويدعون لحروب جديدة”.
واعتبرت الصحيفة ان “رحيل الولايات المتحدة الذي تأخر من أفغانستان كان وسيظل فوضويًّا، وذلك بسبب عقدين من سوء الإدارة والاحتلال الضال. وحتى بهذه المعايير فقد تم تنفيذ الانسحاب بطريقة رثّة، تجعل إدارة جوزيف بايدن تواجه مشاكل قصيرة وطويلة الأمد. فعلى المدى القصير، تواجه الولايات المتحدة معضلة إجلاء آلاف الأمريكيين الذين لا يزالون في أفغانستان، والترحيب بأكبر قدر من اللاجئين الأفغان. أما على المدى البعيد، فيجب على البيت الأبيض مقاومة من يريدون استخدام هذا الانسحاب والدعوة لسياسة خارجية صدامية في أماكن أخرى”.
وتابع جيمس داوني في مقاله موضحًا ان “الجمهوريين يحاولون الترويج للكذبة التي تقول إن الانسحاب الأميركي من أفغانستان يقوّض قوة أمريكا في أماكن أخرى. ففي تصريحات لبرنامج “صاندي مورنينغ فيوتشرز” على قناة “فوكس نيوز” قال رئيس مجلس النواب السابق نويت غينغريتش: “هناك إيران، برئيس جديد جدا يقول، كما نعتقد، نريد أن نكون أكثر عدوانية مع إسرائيل والسعودية” وتحدث لنفس الشبكة توم كوتن، السناتور الجمهوري عن أركنساسن بقوله: “رأيت أن دولا مثل الصين تهدد تايوان وتقول إن أمريكا لن تسارع للمساعدة”، أما ليز تشيني، النائبة الجمهورية عن وايومينغ فقد أخبرت شبكة “إن بي سي”: “الضرر على أمريكا ليس في أفغانستان فقط ولكن على المستوى العالمي”.
وتابع “في حوارات الأحد، تبدو هذه التعليقات جانبية إلا أنها تبرز الطريقة التي سيقوم من خلالها الجمهوريون بالتعامل مع النقاش المتعلق بالسياسة الخارجية في مرحلة ما بعد أفغانستان، وهي أن الرئيس بايدن كان ضعيفا، وعلى الولايات المتحدة إظهار أن أحدا لا يمكن أن يلوي ذراعها في مكان آخر”.
ولا شك في دعوة بعض الدوائر في البيت الأبيض لإظهار القوة، تماما كما تحول الديمقراطيون إلى صقور في مرحلة ما بعد 9/11. ولكن يجب رفض هذا المسار لأسباب، منها أن الأمريكيين وإن شعروا بالقلق حول كيفية سحب القوات من أفغانستان الا أن استطلاع شبكة “سي بي سي” أظهر أن 63% من الأمريكيين مع الانسحاب، ولا يوجد ما يدعو إلى دعم نفس النسبة الحرب في مكان آخر لأن عملية الانسحاب كانت فوضوية.
والأهم من هذا، فمحاولة إعادة صورة أمريكا القوية لم تكن دائما عبر المواجهة كما يرى الداعمون لها. وما عليك الاستماع إلا لما يقوله نقاد بايدن بشأن البقاء في أفغانستان. فبحسب تشيني “علينا الحفاظ على وجود على الأرض و3.500 جندي للقيام بعمليات مكافحة إرهاب ومكافحة الاستخبارات”.
وقالت نيكي هيلي، السفيرة السابقة في الأمم المتحدة لشبكة “سي بي أس” إن نفس العدد من القوات في عهد دونالد ترامب أدى لاستقرار أفغانستان “في سنوات ترامب كانت أفغانستان آمنة”.
وحسب الصحيفة فإن “الحفاظ على الوضع القائم هناك سيحقق الأمان في حالة لم يتم حساب المدنيين الأفغان، فقد مات المئات منهم في تلك الفترة، ومنذ منتصف العام الحالي قتل حوالي 1.659 منهم. والحقيقة أن الدعم للتدخل سيكون في حالة لم يستمر بقاء القوات الأمريكية لأمد طويل. فعندما قال رئيس هيئة الأركان، الجنرال إريك تشينسكي، إن الحرب في العراق تحتاج إلى مئات الآلاف من الجنود في مرحلة ما بعد الغزو. وقد رفض جورج دبليو بوش هذا التقييم؛ لأنه كان يعرف أن الرأي العام لن يقبل هذا الرقم. واعتبر نائب وزير الدفاع في حينه بول وولفويتز كلام الجنرال بأنه مفرط، إلا أن الأحداث أثبتت صحة كلام تشينسكي”.
مؤكدة انه “يجب تذكر موقف الرأي العام الأمريكي حول التدخل الطويل عندما يدعو جمهوريون مثل كوتن وتشيني لإظهار القوة المفرطة من الشرق الأوسط إلى مضيق تايوان. وعلى الولايات المتحدة الترحيب باللاجئين والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان حول العالم. ولكن على قادة أمريكا الاعتراف بمحدودية العدوانية والسياسة الخارجية الداعية للتدخل، وليس لأن الرأي العام لا يدعمها، بل لأن عقودا من التدخل في الخارج أظهرت أنها نادرا ما تنجح. ويجب أن يكون التعاون وليس المواجهة هو الحل. كما أن جذور هذا الانسحاب الكارثي نابعة من أكبر نقاد الإدارة، واتباع نصيحتهم يعني تكرار الكارثة”.
المصدر: واشنطن بوست
الكاتب: جيمس داوني