قاسم قصير – أساس ميديا
الصراع على النفط والغاز في لبنان هو عنوان المرحلة المقبلة بين الأميركيين والإيرانيين وحزب الله؟ لكن هل يتكرر في لبنان ما جرى في أفغانستان، بحيث تترك أميركا لحزب الله وإيران السيطرة على حكم بيروت وإدارة ملف النفط والغاز، كما تركت حركة طالبان تسيطر على كابول وثروات أفغانستان؟
هذا السؤال كان محور اهتمام الكثير من الجهات السياسية والمحللين في بيروت، ولا سيما بعد إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في يوم عاشوراء انطلاقة أول سفينة إيرانية لنقل الوقود الإيراني إلى لبنان والتهديد بأنّ أي استهداف للسفينة سيواجه بالردّ المناسب، ثمّ إعلانه في احتفال تأبين القائد عباس اليتامى انطلاق سفينة أخرى ودعوته للتعاون مع الشركات الإيرانية لبدء استخراج الغاز والنفط من الشواطى اللبنانية…
وفي المقابل، أعلنت السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا عن موافقة الإدارة الأميركية على السماح بنقل الغاز المصري واجترار الطاقة الكهربائية من الأردن عبر سوريا إلى لبنان، وإعفاء لبنان من عقوبات قانون قيصر في هذا الملفّ.
مواقف نصر الله الأخيرة في عاشوراء وذكرى القائد عباس اليتامى، ومهاجمته بقوة الدور الأميركي في لبنان والسفيرة شيا بشكل مباشر، والردود السريعة من قبل الأخيرة على نصر الله عبر إحدى محطات التلفزة السعودية، جاءت لتؤكد أنّ الإدارة الأميركية لن تترك لبنان ساحة مفتوحة لتعزيز النفوذ الإيراني ومحور المقاومة في المرحلة المقبلة، وأنّ مواجهة الحزب ودوره ستتعاظم في الأيام القادمة.
في المقابل، تؤكد مصادر مطّلعة على أجواء حزب الله أنّ الحزب وحلفاءه قرّروا تصعيد الحملة الإعلامية والسياسية والشعبية ضد الدور الأميركي في لبنان، والتركيز بشكل خاص على السفيرة شيا وعلى كل القوى السياسية والحزبية ومجموعات المجتمع المدني التي تتعاون مع السفارة الأميركية أو تشترك في الحملة الإعلامية والسياسية التي تشنّ ضد حزب الله والدور الإيراني في لبنان تحت حجج مختلفة، وهذا ما برز في مواقف نصر الله الأخيرة وفي الحملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك مواقف العديد من الأحزاب والشخصيات القريبة من الحزب.
مصادر مطّلعة في اللوبي اللبناني في واشنطن تؤكّد لـ”أساس” أنّه ليس صحيحاً مقارنة الوضع اللبناني بما يجري في أفغانستان: “فالقرار الأميركي بالرحيل عن أفغانستان اُتُّخذ منذ أكثر من سنتين في عهد الرئيس دونالد ترامب، لأنّ الدور الأميركي هناك لم يعد له أهداف استراتيجية، وأنّه جرى عقد عدّة اتفاقات بين الأميركيين وحركة طالبان من أجل تسليمها السلطة في كابول وانسحاب القوات العسكرية الأميركية من هناك، على أن تتمّ العملية بشكل سلمي، لكن المفاجأة الكبيرة كانت في انهيار السلطة الأفغانية المدعومة من أميركا وحلفائها، والشكل المذّل لمغادرة المتعاونين مع الأميركيين مطار كابول، ممّا ترك انعكاسات سلبية على صورة أميركا والإدارة الأميركية في العالم وفي الشرق الأوسط”.
وتضيف هذه المصادر: “أمّا على صعيد الموقف الأميركي من لبنان وحزب الله، فالأميركيون هم في مواجهة مستمرة مع الحزب، ولم يتغيّر الموقف منه، وعلى الرغم من الاعتراض المبدئي الأميركي على مشاركة الحزب في أيّ حكومة لبنانية فإنّ ذلك لا يعني أنّ أميركا ستواجه أيّ حكومة لبنانية مدعومة من الحزب”.
وتشير هذه المصادر إلى أنّ “معالجة دور الحزب في لبنان هو جزء من الاستراتيجية الأميركية في المنطقة، وهي مرتبطة بحصول اتفاق أميركي – إيراني شامل حول الملف النووي ودور حلفاء إيران في المنطقة، ومن ضمنهم الحزب، وبانتظار حصول مثل هذا الاتفاق، فالقرار الأميركي في لبنان هو الاستمرار في مواجهة الحزب ومنعه من السيطرة على الحكم في بيروت بكل الوسائل الممكنة”.
وتكشف مصادر دبلوماسية في بيروت أنّ السفيرة الأميركية أبلغت بعض زوّارها، قبل حوالي الشهر، أنّ أميركا غير معنيّة بأي جهد لدعم السلطة القائمة اليوم، وأنّ على حزب الله وحلفائه تحمّل مسؤولية انهيار الوضع المالي والاقتصادي والمعيشي، وأنّ الأولوية الأميركية تتركّز على دعم الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية وتقديم المساعدات الإنسانية لمنع انهيار لبنان، وأنّ مسؤولية اللبنانيين تغيير السلطة عبر الانتخابات.
وتوضح المصادر: “لكنّ قرار حزب الله باستيراد النفط الإيراني قد يكون وراء الاهتمام الأميركي مجدداً بالسماح باستيراد الغاز المصري واستجرار الكهرباء من الأردن عبر سوريا إلى لبنان، وذلك لمواجهة تعاظم دور الحزب والدور الإيراني فيه، ممّا يؤكّد أنّ الأميركيين لن يتركوا لبنان لقمة سائغة للحزب، كما أنّ الدور الأميركي في لبنان لا يقتصر على الجانب العسكري ودعم الجيش، فالحضور الأميركي له أبعاد مختلفة، وتمّت الموافقة أخيراً على استراتيجية أميركية متكاملة حول كيفية تفعيل الدور الأميركي في بيروت، ولا سيما من خلال السفارة في عوكر وعبر استكمال تشييد مبنى السفارة الجديد في ضبيه الذي يكشف عن حجم الدور الأميركي مستقبلاً في لبنان”.
لكنّ اللافت في مواقف السيد نصر الله الأخيرة أنّه لم يعترض على أيّ جهد أميركي أو غير أميركي لدعم لبنان على صعيد النفط والغاز والكهرباء، وإن كان شكّك بجدوى ما أعلنته السفيرة شيا أخيراً، وأوضح أنّ تشغيل أنابيب الغاز تحتاج لفترة طويلة قد تصل إلى سنة، وكذلك استجرار الكهرباء من الأردن.
وفي الخلاصة نحن أمام مواجهة أميركية – إيرانية وحزب اللهية جديدة على مختلف المستويات، وخصوصاً في مجال النفط والغاز والكهرباء. وقد شهد لبنان خلال الأربعين سنة الماضية أشكالاً متعدّدة لهذه المواجهة، فلِمَن تكون الغلبة أخيراً؟