لاريب أن إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله قدوم السفينة الإيرانية المحمّلة بمادة المازوت إلى لبنان أخيراً، أسهم في خلق حيويةٍ في الشأن السياسي على الصعيدين المحلي والإقليمي. كذلك دفع الإدارة الأميركية الى إعادة النظر في مخططها في لبنان والمنطقة، المعروف بـ “خطة بومبيو”، الرامية أولاً إلى إحداث فراغٍ سياسيٍ في لبنان. وثانياً- ممارسة الضغوط الاقتصادية القصوى على الشعب اللبناني، لتأليبه على حزب الله وحلفائه. وثالثاً- إثارة الفوضى في الشارع وزعزعة الأمن في البلد، نتيجة الضغوط المذكوة. على أن تهمد هذه البنود الثلاثة المذكورة من الخطة الى البند الرابع فيها- وهو دفع “إسرائيل” الى شن عدوانٍ على لبنان، للتخلص من المقاومة، وفقاً لحسابات الإدارة السابقة في واشنطن، التي فرضت في الوقت عينه “قانون قيصر” الذي يرمي بدوره إلى تجويع الشعبين اللبناني والسوري أيضاً.
ولايزالان أي (“قانون قيصر”، وخطة بومبيو) ساريي المفعول بعد وصول الإدارة الأميركية الراهنة إلى الحكم. أمام هذا الواقع المأساوي في هذين البلدين، صار لزاماً على محور المقاومة تأمين مقومات الحياة للشعب الذي يرزح تحت الحصار الأميركي- الغربي. وتجلى رد المحور على هذا الحصار، من خلال إعلان السيد نصر الله المذكور آنفاً، الذي أربك المشرفين على فرض الحصار على لبنان وسورية، وأدواتهما في الداخل، الذين تلمسوا بدورهم فشل مراهناتهم على نجاح الحصار المذكور، وإسقاط الحكم في لبنان، وتأليب بيئة المقاومة عليها، التي سنتجح في كسر هذا الحصار، بعد وصول المحروقات إلى الأسواق اللبنانية في الأيام القليلة المقبلة. لذا علا عويل الثنائي الرئيس سعد الحريري، ورئيس “القوات اللبنانية” سمير جعجع، وملحقاتهما في الآونة الأخيرة، على حد تعبير مرجع في محور المقاومة.
ويعتبر أن هذا الإعلان قد يؤدي إما الى الإنفراج، من خلال رفع “الفيتو” الأميركي عن ولادة الحكومة اللبنانية، بالتالي سقوط البند الأول من “خطة بومبيو”، وإما إلى الانفجار الكبير، في حال بقيت واشنطن متمسكةً في تطبيق هذه الخطة، والإمعان في ممارسة الضغوط القصوى على لبنان.
وفي سياق سعي المقاومة لكسر الحصار ، يكشف مصدر قريب من حزب الله، أنه سيلي استقدام المحروقات الإيرانية إلى لبنان، استيراد الأدوية، ومعامل الألبان والأجبان، والسيارات وسواها، ما يشكل ضربة موجعة للمحتكرين.
إثر هذا التطور، المتمثل بدخول حزب الله على خط الاقتصاد اللبناني، يرى مرجع في فريق الثامن من آذار، أن هذا التطور أثار مخاوف الولايات المنحدة من انفلات الأوضاع اللبنانية كافة من يد واشنطن، ومن نجاح حزب الله في إدارة الملف اللبناني بالكامل، لذا قد يؤدي هذا التطور إلى دفع الإدارة الأميركية بهذه الأوضاع إما إلى الارتطام الكبير، أو إلى البدء في حلحلتها، والبداية من خلال الإسهام في إخراج الحل الحكومي من عنق الزجاجة، على حد تعبير المرجع.
ويميل أكثر الى احتمال اتجاه واشنطن نحو بداية خفض التصعيد، ولو جزئياً، بدليل إعلان السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا، السماح بمرور خط الغاز المصري عبر الأردن وسورية ثم لبنان، لتغذية معامل الطاقة الكهربائية فيه. ما يشكل أيضاً ضربة كبيرة “لقانون قيصر”، وبداية فك الحصار عن سورية، التي ستصبح حدودها مفتوحةً على لبنان والأردن، يختم المرجع.
وهنا، تعلق مصادر سورية معارضة على هذا الإعلان، وتقول: “قد يكون الهدف الفعلي لموقف السفيرة الأميركية، هو محاولة استرضاء حلفائها في لبنان لا أكثر، لأنه غير واقعيٍ”. وتلفت إلى أن هذا الخط في حاجةٍ إلى إعادة تأهيل، فهو غير مؤهلٍ لضخ الغاز فيه راهناً. وتسأل المصادر: هل تسمح دمشق بمرور هذا الخط في أراضيها من دون الطلب إليها من الإدارة الأميركية والحكومة في لبنان؟ ناهيك بأن هذا الخط يمر من الإردن عبر محافظة درعا السورية التي تشهد أعمالاً عسكرية، نتيجة سيطرة بعض الفصائل المعارضة المسلحة على أجزاءٍ من المحافظة المذكورة، فالظروف الراهنة لا تتيح تمرير هذا الخط الى لبنان، إلا في حال لدى واشنطن استعداد للاتصال بالحكومة السورية، ورفع الحصار عن سورية، ورفع الغطاء عن الفصائل المسلحة في درعا، على حد قول المصادر. وتعتبر أن إعلان الأمين العام لحزب الله، سيؤدي إلى تأزيم الأوضاع في المنطقة ولبنان، خصوصاً في الشأن الحكومي اللبناني.
وفي هذا الشأن، تحذّر مصادر قريبة من رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، من الاستمرار في سياسة فرض “الشروط التعجيزية” من بعض الأفرقاء المعنيين في عملية تأليف الحكومة، ومحاولة دفع ميقاتي إلى الاعتذار، لأنه سيكون آخر رئيس حكومة مكلف في العهد الحالي، لافتةً إلى أن العائق الأساسي لولادة الحكومة، هو السعي الدائم لدى فريق رئيس الجمهورية إلى حيازة الثلث الضامن في الحكومة المرتقبة، الأمر الذي يرفضه الرئيس المكلّف في شكلٍ قاطعٍ، رغم كل المرونة في العلاقة بينه وبين رئيس الجمهورية.
في المقابل، يؤكد عضو في تكتل لبنان القوي، أن الاتفاق على الصيغة الحكومية الجديدة كان شبه ناجز الأسبوع الفائت، وبعد التوافق بين الرئيسين على توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف اللبنانية، ثم إسقاط الأسماء على هذه الحقائب، اعترض الرئيس المكلف على تسمية وزير العدل في الحكومة المرتقبة، علماً أنه من حصة رئيس الجمهورية. كذلك طلب إسناد وزارة الشؤون الاجتماعية إلى الحزب التقدمي الإشتراكي في اللقاء ما قبل الأخير، الأمر الذي أدى الى تأخير “الولادة المنتظرة” على حد قوله.
وأكد أن اللقاء الأخير بين الرئيسين، كان إيجابياً وودياً، لكن الرئيس المكلف طلب من رئيس الجمهورية، استمهاله 24 ساعة لإجراء المشاورات الرامية إلى “التأليف”، علّه يعلن ولادة الحكومة قريباً، فذهب ولم يعد.
وفي الشأن الحكومي أيضاً، يؤكد قطب نيابي أن ميقاتي هو مجرد نسخة عن الحريري، ولن يجرؤ على اتخاذ أي خطوةٍ أو موقف ٍأو تقديم أي تنازلٍ في مسألة تأليف الحكومة، إلا تحت سقف “الحريرية” ورؤساء الحكومات السابقين، خصوصاً مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية، وفي ضوء التجاذبات والمزايدات السياسية في لبنان والمنطقة، خصوصاً بعد إعلان السيد نصرالله.
كذلك، يلفت القطب إلى أنه لا يمكن إغفال صراع الرئيسين عون ونبيه بري، حيث يشكل هذا الصراع أيضاً عائقاً أساسياً في وجه عملية التأليف المرتجاة.
ولا يعول القطب على دور الحكومة الميقاتية الجديدة، هذا في حال ولادتها، كونها ستكون ممتلئة “بالمتاريس”، بين الأفرقاء المتناقضين المكونين للحكومة المفترضة. ولايرى حلاً في الأفق القريب، إلا من خلال تفاهمٍ في المنطقة، وتطوير النظام السياسي اللبناني، ثم تكون البداية العملانية، من خلال إجراء إنتخابات نيابيةٍ خارج القيد الطائفي.، يختم القطب.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع