الكاتب: محمد حمدان
أمر غير مستغرب من الإدارة الأمريكية أن تغرق في الشأن اللبناني وتنفد منها الحلول؛ فكما يقال “الحمار يحفظ الطريق من المرة الأولى”. لكن هذه الإدارة لم ترتق إلى هذا المستوى بعد، فسلسلة التصريحات الصادرة عن السفيرة “الشمطاء” دوروثي شيا وبخاصة بعد خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، والذي بدوره كسر الهيمنة الأمريكية بإعلانه عن انطلاق سفن المساعدات الإيرانية اتجاه لبنان، أظهرت مدى قوة الصفعة التي تلقتها الإدراة ووكلاؤها اللبنانيين والإقليميين جراء ذلك الإعلان. فالذي لم يتعلم من دروس فيتنام سابقاً وأخفق في أفغانستان، لا يعوَّل عليه في مواجهة قوة إقليمية كحزب الله تُعَدُّ رأس الحربة في محور بات لاعباً أساسياً في تحديد مستقبل هذه المنطقة، والذي على رأس أولوياته إخراج الولايات المتحدة الأمريكية من المنطقة.
من أهم الدروس المستفادة من الحرب الفيتنامية التي أظهرت فشل الإدارة الأمريكية في إدراتها للحرب آنذاك وتعاملها مع المستجدات، هو سوء التقدير للوضع القائم، وفشل المسؤولين المباشرين في التعامل مع الظروف. وهذا نفسه ما يحصل في منطقة الشرق الأوسط وفي لبنان تحديداً، لهذا ترى الإدارة الأمريكية باتت تتّكل على أشخاص من خارجها لخبرتهم في الملفات الشائكة، أما موظفو الإدارة فباتوا مجرد متحدثين باسمها وذوي خبرة أمثال “شينكر”.
بتوصية من وزير الخارجية الأمريكية “أنتوني بلينكن”، أصبحت “باربرا ليف” مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى مكان “دايفيد شينكر” إلا أن هذا الاستبدال اقتصر فقط على إعطاء صفة المسؤولية لباربرا، فالمسؤوليات ما زالت بيد شينكر، حيث إنه ومنذ تعيينها يظهر جلياً من خلال جولاته وتصريحاته أنه هو القائم بالأعمال الموكلة إليها. ومن اللافت انه وبعد إعلان سماحة السيد حسن نصر الله انطلاق السفن الإيرانية المحملة بالمساعدات باتجاه لبنان، بادر شينكر اليوم في مقابلة أجراها مع “أساس ميديا” إلى الحديث عن موضوع السفينة الإيرانية واصفاً كلام الأمين العام بأنه “مناورة سياسية” وقصة لا يصدقها عاقل”، في الوقت الذي لم نشهد على هذا الحدث المهم أي تعليق من المسؤولة المباشرة عن الملف اللبناني ” الكتومة باربرا ليف”.
قد يتجه البعض إلى القول بأن تصريح “شينكر” ما هو إلا تعليق عابر على كلام السيد نصر الله، لكن مجريات الأحداث التي تحصل في المنطقة من الانسحاب من أفغانستان وإعلان الإنسحاب من العراق، تظهر بشكل واضح أن الإدارة الأمريكية برئاسة “جو بايدن”، لم تعد تعطي أي اهتمام لمنطقة الشرق الأوسط، بل بات كل همها المواجهة مع الصين وهو ما عبرت عنه استراتيجية الأمن القومي الأمريكية والتي تضع المواجهة مع الصين على رأس سلم أولوياتها، وتركت كل من يريد أن يتكلم أو يصرح أن يفعل ذلك.
في الأشهر الأخيرة انتشرت على وسائل التواصل الإجتماعي العديد من الفيديوهات التي يظهر فيها بايدن على أنه بات يعاني من مشاكل بسبب التقدم في العمر، فتارةً يزلق في الكلام ويتحدث عن أمور في غير موضعها، وتارةً أخرى يخطئ في طريق دخوله إلى البيت الأبيض، ويبدو أن هذه العلّة أثرت أيضاً على “شينكر”، ففي المقابلة نفسها التي أجراها اليوم مع موقع “أساس ميديا” يتحدث عن موضوع السفن الإيرانية بأنها “قصة لا يصدقها عاقل”، بينما في آخر المقابلة يقول “إن التحدي الأبرز للرئيس المكلف نجيب ميقاتي، هو رفضه استقباله السفينة الإيرانية”!.
إذاً إما أن عدوى بايدن انتقلت إلى “شينكر”، أو أنّ متلازمة الكذب الأمريكية لا تزال لديه حتى بعد الاستغناء عن دوره السابق. ويضيف “شينكر” أنه من باب المصادفة جرى الإعلان عن استجرار الغاز المصري من قبل السفيرة الأمريكية بعد إعلان نصر الله، ويا لها من صدفة، وهذا ما يؤكد أيضا أنه إما كاذب أو أن موظفي السفارة في لبنان أو “شغيلتهم” تأخروا في فهم إعلان السيد نصر الله وتقديم ما فهموه إلى السفيرة.
في الثامن من شهر تموز الفائت أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن الإنسحاب من أفغانستان، معرباً عن ثقته في قدرة الجيش الأفغاني في التصدي لطالبان، لكن ما جرى هو العكس تماماً، إذ إن طالبان اليوم باتت تسيطر على معظم الأراضي الأفغانية في الوقت الذي لم تشهد تلك الأراضي أية مواجهات بين طالبان والجيش. أما هذا كله يقف العالم اليوم مذهولاً لما جرى في أفغانستان وما أحدثته الولايات المتحدة الأمريكية من خراب في ذلك البلد، ليتضح للعالم أجمع بأن الإدارة الأمريكية ليست محل ثقة، بعدما خذلت حلفاءها وتركتهم خلفها غير آبهة بما قد يحل بهم.
الإدارة الأمريكية وخلال عقود لم تأبه يوماً لمصالح شعوب المنطقة بل كان همها الدائم تحقيق مصالحها ولو على حساب كل العالم. واليوم، وبعد إعلان سماحة السيد حسن نصر الله بدء عملية استقدام المساعدات من إيران للنهوض بلبنان مرةً أخرى، تخرج إلينا تلك الإدارة بسفيرتها “الشمطاء” كما وصفها الأمين العام، رافضةً وصول تلك المساعدات، وتقف حائرة غير مدركة لكيفية التعامل مع هذا المستجد مكتفيةً بالإعلان عن نيتها إدخال الغاز والمازوت من مصر وسوريا علّها تلملم ما بقي من ماء وجهها ووجه إدارتها جرّاء الفضيحة التي طالتهم والتي بينت من الذي يريد فعلا النهوض بلبنان. كل هذا يعود سببه إلى سوء تقديرها لمجريات الوضع اللبناني، وفشل حلفائها الداخليين من أحزاب ومنظمات مجتمع مدني في تحقيق ما تطلبه منهم .