“ميدل إيست آي”: مقاطعة الصدر للانتخابات العراقية تثير المخاوف بحدوث فوضى سياسية وأمنية
في تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني بين أنه حين أعلن الصدر الشهر الماضي عن انسحاب تياره من الانتخابات المزمعة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل رأى العديد من منافسيه أن الفرصة سانحة أمامهم للتقدم، بيد أن مخاوف أكبر انتابت البعض الآخر بشأن التأثيرات التي سيحدثها انسحاب “تحالف سائرون”.
ونقل الموقع في تقرير نشره عن مسؤولين وسياسيين عراقيين أنه بالنسبة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وغيره من القوى السياسية فإن قرار مقتدى الصدر يثير تساؤلات حول قدرة العراق على تنظيم الانتخابات من الأساس.
وأشاروا كذلك إلى المخاوف الجدية التي تنتابهم من أن يؤدي تزعزع الوضع الأمني في الأسابيع المقبلة بالإضافة إلى الفراغ السياسي الذي خلفه الصدر إلى حدوث فوضى.
وفي حال استمرار السباق الانتخابي فقد يعتبر أنصاره ذلك تحديا لمقتدى الصدر نفسه، وهو ما يخشى المسؤولون من أن يؤدي إلى اندلاع أعمال عنف ومظاهرات في بغداد والمحافظات الجنوبية.
وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى مقرب من الكاظمي لـ “ميدل إيست آي” -طلب بعدم الكشف عن هويته- إنه “من الناحية التقنية نحن أكثر استعدادا من أي وقت مضى لإجراء الانتخابات، ولكن من الناحية السياسية الفوضى تلوح في الأفق”.
“حرب قذرة“
ويضيف التقرير أن إعلان الصدر جاء بعد يومين فقط من نشوب حريق مدمر استهدف مستشفى الحسين التعليمي بمدينة الناصرية (جنوبي العراق)، والذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 64 شخصا وجرح العشرات.
وسبق الحريق تفجير العشرات من أبراج نقل الطاقة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع شبه كامل للتيار الكهربائي في عدة محافظات لأيام عديدة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة في الصيف إلى حوالي 50 درجة مئوية.
وأشار أحد قادة التيار الصدري إلى أنه سرعان ما نُظر إلى رفض الصدر المفاجئ للانتخابات على أنه رد على هذا النقد العنيف و”حرب قذرة شنها خصومه على الشعب لإحراجه هو وأتباعه”.
وقال هذا القيادي لـ “ميدل إيست آي”: “قرر الصدر الانسحاب من الانتخابات لوقف إراقة الدماء”، وزعم أن “الهجوم الإعلامي علينا كان غير مسبوق، وأصبح النضال الانتخابي دمويا وقذرا، لقد كانوا (خصوم الصدر) يستهدفون الأبرياء لتدميرنا سياسيا فقررنا الانسحاب لوقف هذا القتل وفضح حقيقتهم، ولنثبت للناس أننا لا نتحكم في ما يحدث”.
سد الفراغ
ويشير التقرير إلى أنه في حال عقدت الانتخابات فإن غياب مرشحيه سيعزز حظوظ جميع خصوم الصدر الذين يتوقعون الحصول على المزيد من المقاعد، خاصة في بغداد ووسط العراق وجنوبه، وسيكون ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي والمنافسين التقليديين للصدر أكبر المستفيدين من مقاطعته للانتخابات.
وقال بعض السياسيين والمراقبين لـ “ميدل إيست آي” إن تلك الأطراف تخطط للاستفادة من الوضع والحملة في مناطق الصدر التي لم يجرؤوا عليها أبدا.
وشرع المرشحون الصدريون -الذين يشعرون بالاستياء من عدم قدرتهم على الترشح للانتخابات البرلمانية لكنهم قلقون من التحدث علانية ضد زعيمهم- بدلا من ذلك في الترويج لفكرة تأجيل الانتخابات إلى أبريل/نيسان، لضمان مشاركتهم فيها.
في غضون ذلك، يصر خصوم الصدر على إجراء الانتخابات في موعدها بحجة أن مقاطعة الصدر ليست جدية، وأنه من المرجح أن يتراجع عن هذا القرار في أي لحظة.
وذكر قيادي في دولة القانون أن تراجع الصدر عن قراره بمقاطعة الانتخابات لن يكون أمرا غريبا أو جديدا، إذ سبق أن فعل ذلك عدة مرات خلال السنوات الماضية، لم يقدم مرشحوه طلبات رسمية إلى مفوضية الانتخابات بسحب ترشحهم، وفي حال كان الصدر جادا في قراره فسيطلب منهم الانسحاب رسميا.
وخلال العام الماضي روج الصدر وأتباعه لفكرة أن الانتخابات القادمة ستشهد حصول حركته على 100 من أصل 329 مقعدا في البرلمان، وأيضا إمكانية تنصيب أحدهم رئيسا للوزراء، كما جادلوا بأنه إن لم يحصل ذلك فستكون الانتخابات مزورة.
وادعى معارضو الصدر بأنه انسحب فقط لأن التوقعات تشير إلى أن مرشحيه سيفوزون بما بين 32 و34 مقعدا فقط في البرلمان، وهو عدد أقل بكثير مما توقعه.
وفي السياق ذاته، صرح زعيم بارز في حركة الحكمة لـ “ميدل إيست آي” بأن قراره بمقاطعة الانتخابات كان بمثابة “قرار تكتيكي للتهرب من وعوده وحفظ ماء وجهه”.
وأوضح سياسي شيعي بارز للموقع أنه “مهما كانت نتائج الانتخابات المقبلة فإنها ستؤدي إلى إعادة توزيع السلطات والمناصب والنفوذ والمال بين الفائزين”.
وتابع “يسيطر الصدر وحركته السياسية على حوالي نصف الحكومة والسلطات الأخرى، لن يتخلوا ببساطة عن كل هذا حتى لو كانت هذه رغبة الصدر، كما أن لدى قادة التيار الصدري التزامات وعقود وعمولات وقواعد جماهيرية تنتظرهم لمواصلة الحفاظ على مصالحهم”.
وأضاف: “منعهم من المشاركة في الانتخابات وتهديد كل هذه الامتيازات سيثيران سخطهم على الصدر نفسه، وسيعكسون ذلك من خلال فرض ضغط على الجميع، بمن فيهم الصدر”.
التأجيل ليس خيارا
واستبعد التقرير أن يكون تأجيل الانتخابات خيار الحكومة العراقية والمجتمع الدولي، حيث إن هذا يرجع في المقام الأول للوقت والمال الذي تم إنفاقه في التحضير لها وتطبيق القانون الانتخابي، حسب تصريح مسؤولين للموقع.
وأوضح مسؤول مقرب من الكاظمي للموقع أنه “لا يمكن تأجيل الانتخابات المبكرة الآن، التأجيل يعني إعادة جميع الخطوات التقنية من جديد، وربما نشهد حتى مطالبات بتعديل أو إلغاء قانون الانتخابات، وهذه الإجراءات قد تستغرق سنة أو أكثر، وهذا يعني أن خيار تأجيل الانتخابات أقرب إلى فكرة الإلغاء، وهو ما لا يرغب به الكاظمي”.
وحسب المسؤول ذاته، فإن الكاظمي -الذي لن يخوض الانتخابات المقبلة- يريد مشاركة جميع القوى الرئيسية وضمان انتقال سلس للسلطة.
وحذر من أن غياب الصدر يهدد ذلك، وقال إن رئيس الوزراء يشعر بالقلق للغاية ويسعى حاليا لإيجاد تسوية بمشاركة القوى السياسية التي تدعمه، لطمأنة الصدر وتخفيف حدة الاعتداءات عليه وعلى أتباعه وإقناعه بالتراجع عن قراره.