أهالي ضحايا تفجير عكار: لن ننسى أبدًا
الكاتب: إسراء ديب
خرج المواطن محمّد الأسعد من منزل خطيبته، متوجهًا إلى منطقة التليل العكارية فجرًا ليقوم بتعبئة البنزين… لم يكن يُدرك أنّ مأساة ما ستكون بانتظاره بعد دقائق معلنة انتهاء حياته، وبالفعل بعد وصوله إلى الأرض حيث وجد خزان البنزين “الملعون”، اقترب محمّد لتقع مصيبة كبيرة لم تكن في الحسبان على الإطلاق، إذ لم تتوقّع عكّار أنّها ستكون أولى ضحايا الاحتكار والتهريب بهذا الأسلوب المشين، وبالتأكيد أنّها لن تكون الأخيرة.
وبعد أيّام من التعب والجهد والرعب، صدرت نتائج تحاليل الحمض النووي لتُؤكّد أنّ محمّد من بين الضحايا الذين سقطوا نتيجة الفساد والإهمال الذي أدّى إلى تفجير عكار الكارثي والمؤسف.
حالة عائلة محمّد لا تختلف أيضًا عن حالة الوالد مصطفى الكردي الذي لم يتوقف عن البحث عن ابنه محمّد المفقود (19 عامًا)، والذي كان كلّ ذنبه أنّه أراد الحصول على غالون بنزين، إذ انتقل والده بين عكار وطرابلس متأمّلًا إيجاد أيّ خبر يُريح قلبه الغاضب من هذه الفاجعة التي أهلكته.
ويقول مصطفى الذي أصيب ابنه الأصغر أيضًا في الانفجار لـ”لبنان الكبير”: “بحثت طويلًا عن ابني ولم أجده، وكان كلّ همّي معرفة مكانه الذي فقد فيه مع عشرات الشبان الآخرين المفقودين أيضًا، ووجدته في مستشفى سيّدة السلام في القبيات بعد ثلاثة أيّام من البحث المستمر، وبعد إصدار النتائج علمت بخبر وفاته”، لافتًا إلى أنّ عددًا من العائلات استلمت الجثث بعد إصدار النتائج مباشرة، وأخرى ستستلمها يوم غد.
الحزن لا حدود له
تعيش اليوم عائلات الضحايا حالة يُرثى لها، وذلك بعد قيام قيادة الجيش اللبناني ببدء تسليم جثامين الضحايا الذين واجهوا المصير عينه في يوم 15 آب المشؤوم إلى الأهالي.
تحت زخات الرصاص التي أضاءت عتمة عكار الحزينة، بدأ تشييع جثامين الضحايا ليكون الضحية فادي غازي الشيخ من منطقة عين تنتا أول هذه الضحايا التي يتمّ تشييعها… وبألم شديد وغصّة قاسية يُودّع الأهالي أبناءهم الذين تحوّلوا إلى جثث متفحمة وعظام مهترئة في دولة لا تأبه بمصير أبنائها ولا تكترث إلّا بمصالحها الشخصية، فبعد كلّ المآسي في الأيّام الأخيرة لا تزال القوى السياسية تبحث وتُناقش كيفية تشكيل الحكومة وتوزيع الحقائب دون أيّ آفاق إيجابية تُذكر، ودون أيّ حلول لهذه المصائب التي حلّت على أبناء لبنان دون استثناء، بل على العكس هي تنتظر مصيبة جديدة لتعمل على توظيفها في نطاق التجاذبات السياسية التي تبرع فيها لتسحق حقوق وكرامة الضحايا أكثر فأكثر.
أمّا عكار، فهي تعيش حالة من الغضب الشديد، لم تهدأ أو تستكين حتّى بعد مرور أيّام على التفجير، كما أنّها لن تسكت عن حقّها أبدًا، ولن تنسى هذه الفاجعة الكبيرة، لأنّها عاجزة بكلّ قواها اليوم عن مناصرة أيّ نائب من نوابها، أو أيّ قائد سياسي لا يُعيرها أيّ اهتمام ولا يُساندها في أزماتها، والعكاريون لا نية عندهم بالسكوت أو التغافل، ووفق العديد من المتابعين إنّ ثوار عكار سيتواجدون ميدانيًا في عمليات الدفن لمساعدة الأهالي بكلّ التجهيزات المتاحة، معلنين أنّ لا حداد بعد اليوم، بل ثورة ضدّ الظلم والفساد والإهمال.
عتب كبير
يرى أحد المتابعين لهذا الملف أنّه لولا مواقع التواصل الاجتماعي، لكان التعتيم سيّد الموقف في الملف العكاري، وذلك بسبب ” تراجع الإعلام المرئي المسيّس بمعظمه عن النقل بالشكل الصحيح والمطلوب، إذ يلعب الإعلام دورًا كبيرًا يُسهم في عدم تغافل السلطات عن هذا التفجير الذي أدّى إلى وقوع أكثر من 30 ضحية وأكثر من 80 مصابًا…”، وذلك وفق ما يقول.
ويُضيف لـ”لبنان الكبير”: “كان هناك حديث عن ضرورة إقامة مقبرة جماعية عند مكان التفجير لا سيما بعد اكتشاف حوالي 3 جثث متفحمة من جديد مكان التفجير في الساعات الأخيرة، ما يُعطي رمزية كبيرة تُظهر مدى جرح مدينة عكار التي فُجّرت ظلمًا، في حين أنّ أهالي بعض البلدات كالكويخات مثلًا وغيرها يرفضون هذه الفكرة، معتبرين أنّه من الأفضل دفن الضحايا كلّ في القرية التي ينتمي إليها”، مشدّدًا على أنّ الرغبة الرسمية في تسليم الجثث بطريقة متقطعة أيّ تسليمها على دفعات تأتي لمنع أيّ ضجة أو حشد شعبي قد يحدث عند الدفن، ما يُخفّف من حالة الغضب المتوقّعة من الأهالي، وهي خطة واضحة ومدروسة.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع