إقالة ميشال عون خطوة “دستورية”
الكاتب: عبدالله ملاعب
ينام اللبناني على مأساة ويستيقظ على أخرى، لعنة حلّت علينا وجعلتنا فعلاً لا قولاً في جهنم التي بشّرنا الرئيس ميشال عون بوصولنا إليها. كوارث تحلّ بنا، وبين كارثتي 4 آب 2020 و14 آب 2021، يبدو أن رئاسة الجمهورية مُصمّمة على قتلنا وتحميلنا نحن مسؤولية الدرك الذي أوصلتنا إليه.
فبعد مجزرة المرفأ أخذ الرئيس عون قرار رفض التحقيق الدولي على الرغم من هول الجريمة التي كان يعلم بنيتراتها وخطورة إبقائها في المرفأ. وبعد مجزرة 14 آب 2021 جمع مجلسه الأعلى للدفاع وأراد قتل الضحايا مرتين عبر “تذكير” أعضاء هذا المجلس أنّ في شمال لبنان “جماعات متشددة”. أما صهره فرأى أن عكار أصبحت “خارج الدولة” وطالب بإعلانها “منطقة عسكرية” وكأنه لا يعلم أن عكار هي “خزّان الجيش اللبناني”.
لا يتحمل الرئيس ميشال عون وحده مسؤولية ما يجري باللبنانيين، لكنّه المسؤول الأول عمّا حلّ بنا، لأنه لم يكتفِ بتسليم الدولة لقوى الأمر الواقع والإنقضاض على مؤسسات الدولة فحسب، بل يفاقم تبعات الانهيار في عزّ الفقر والعوز والجوع بعرقلة تشكيل الحكومة جرّاء مطالبه التي لا تنتهي. بالأمس تراجع أديب واعتذر الحريري أما اليوم فميقاتي مستعد للسير على طريقهما لأنّ مهمته مرتبطة بسقف زمني كما يقول. ما يعني أنّ التعطيل يأتي من فريق سياسي واحد يوزع المهام بين بعبدا وميرنا الشالوحي محاولاً التذاكي على اللبنانيين الذين بمعظمهم باتوا على يقين أن المشكلة ليست بالرئيس المكلف بل برئاسة الجمهورية التي تعتبر نفسها أنّها فوق المحاسبة. فلربما، وَلى زمن تغيير رؤساء الحكومات وصار لا بدّ من تغيير من في القصر الجمهوري.
في هذا الإطار، يشرح الخبير الدستوري والقانوني أ. سعيد مالك لـ”لبنان الكبير” الطرق الدستورية لإقالة رئيس الجمهورية موضحاً انّه “ليس هناك أي مادة أو نص دستوري ينص على إمكانية إقالة رئيس الجمهورية أو نزع الثقة عنه إلا إذا خرق الدستور أو قام بخيانة عظمى”.
وتشير المادة 60 من الدستور اللبناني الى أنّ مجلس النواب هو الوحيد المخوّل إتهام رئيس الجمهورية بخرق الدستور او الخيانة العظمى وذلك بموجب قرار يصدره المجلس بغالبية ثلثي أعضائه. وفي هذه الحال، يُحاكم رئيس الجمهورية أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. وعليه، يكفّ رئيس الجمهورية عن العمل عندما يُتهم وتبقى سدة الرئاسة خالية إلى أن تُحسم القضية من قبل المجلس الأعلى وذلك بموجب المادة 61.
في أيّار 2021، تقدّم عدد من القانونيين والسياسيين والاعلاميين بوثيقة إتهام دستوري بحق الرئيس عون، تطالب بمحاكمته بسبب خروقاته الدستورية المتعددة. وقد تضمنت الوثيقة جملة من الخروقات، أبرزها مطالبة عون بالثلث المعطل ووضعه شروطاً على الرئيس المكلف، واعتكافه عن توقيع مرسوم التشكيلات القضائية.
اليوم، يعود مطلب رئيس الجمهورية بالثلث المعطل ليُعطل تشكيل حكومة ميقاتي، ويعود إصراره على تسمية الوزراء المسيحيين ليُشكل خرقاً جديداً للدستور، كما استعاد عُقد الطوائف التي يتحمل مسؤوليتها هو شخصياً. كل ذلك يؤكد أنّ لا حكومة إلا إذا جرى استبدال من في القصر الذي أقسَمَ اليمين لحماية الدستور بخلاف كل القوى السياسية الأخرى، لكنّه وللمفارقة تفوّق على كل اللاعبين السياسيين في تخطي الدستور وجعله “غبّ الطلب”.
وأوضح الخبير في القانون الدولي د. شفيق المصري المفهوم القانوني لـ”الخيانة العظمى”: “ليس ثمة تعريف محدد للخيانة العظمى لكنّ يُتهم الرئيس الذي: يتنازل عن الأرض أو عن قطعة منها، أو يتفق مع العدو، أو يُسهّل دخول قوات أجنبية إلى دولته”.
إذا بعيداً عن الخروقات الدستورية، تُنسب تهمة الخيانة العظمى الى الرئيس الذي ينتهك سيادة دولته او يجعلها عرضة للانتهاك. ويُجيز الدستور اللبناني كمعظم دساتير العالم محاكمة الرئيس الذي يقترف هكذا جريمة بحق وطنه. وهنا تشهد السنوات الماضية وسيشهد التاريخ على تعاطي الرئيس عون مع السيادة اللبنانية وكم هو حريص عليها!
حرصٌ يهدّد الكيان اللبناني بالزوال ويجعل لبنان منصة صواريخ لإيران التي لم تخطف البلد أبدا بل تسلمته على طبق من ذهب، من “بيّ الكل”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع