“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
إلى حينه، لم تصل أية شحنة نفط إيرانية مُقدّمة إلى “حزب الله” للبنان. غالباً، “الضخّ” الإعلامي الحاصل يرتكز إلى واحدة من إثنتين: إمّا محاولة لتوريط الحزب عبر الزعم بوصول نفط حتى يُقال بعد حين أين النفط ولماذا لم يسلّم بعد وماذا فعل به؟ وهي بجميعها عوامل لزرع الشك ومحاولة لتقليب البيئة ويُراد بها باطل، والثانية فعلة تأتي عن “قصور” في النظر أو اندفاعة مفرطة وغير محسوبة من قبل جمهور متحمّس.
كان سبق للأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله، أن أعلن خلال إحياء الليلة العاشورائية السادسة: “سنأتي بالنفط الإيراني قطعاً (..) ولن ندخله في الليل بل نهار وجهاراً” وكان قد وعد بأيام معدودة ليعلن عن ذلك.
تفسير هذا الكلام يقود إلى احتمال مرتفع لأن يُذيع نصرالله “الآليات المبدئية” لوصول النفط خلال خطبة إحياء ذكرى العاشر من محرم، وذلك بعدما أتمّ “حزب الله” عملية محاكاة وصول النفط وتوزيعه ضمن الأراضي اللبنانية، كان أجراها قبل فترة قصيرة.
في المبدأ وكما هو مرجّح، سيعبر النفط من سوريا بعدما يأتي عبر البحر. في المقابل يتردّد همساً أن الحزب قد يكون يخفي مفاجآت حيال آليات العبور. إختيار سوريا له أبعادٌ تقنية، ليس من بينها ما يُذاع ويُتداول حول رفض مثلاً منشأة الزهراني إستقبال النفط الإيراني. وللحقيقة، إن الحزب أو أياً من مسؤوليه وصولاً لأصغر عنصر، لم يطرحوا هذه الفرضية على أي مسؤول رسمي في المنشأة، إنما ليسوا في واردها، لقرارٍ مُتّخذ سلفاً بعدم إحراج أي جهة رسمية لبنانية، ما دام ان الجانب الأميركي يُهدّد بتسطير عقوبات بحقّ أي جهة متعاونة في هذا المجال. على هذا الأساس، سيمرّ النفط الإيراني باتجاه لبنان من سوريا، عبر سلوك طريق القصير – الهرمل مبدئياً. لماذا هذا الطريق؟ هذا له عدة حسابات، لعلّ من بينها ، أنه يُعدّ خط إمداد آمن للحزب، ثم أنه بعيد عن نطاق “أمكنة اشتباكات محتملة” تتموضع في مناطق ساخنة قد يُعمد إلى تعقّب الصهاريج فيها للتضييق واستفزاز الحزب، وقد يكون ثمة مخطط لاستدراج الحزب نحو اشتباك. للحؤول دون ذلك، تم رسم خريطة بيانية توضح الطرقات الآمنة الواجب سلوكها.
عملياً، ليس هناك بعد من آليات واضحة لكيفية التوزيع أو طرقه، عملاً بمبدأ تحفّظ “حزب الله” وإحالة الملف إلى حجاب واسع من السرية. مع ذلك، فإن التقديرات بمعظمها تصبّ في صالح تخزين المحروقات في مخازن تابعة لشبكة محطات “الأمانة” نسبةً لكونها مملوكة من قبل مؤسسات الحزب، على أن تتولى هذه المحطات لاحقاً، وتبعاً لآلية يُقدّر أنها من خلال شرائح ذكية شبيهة ببطاقة “السجاد”، توزيع المحروقات وتوفيرها للمواطنين.
في هذه النقطة ثمة احتمالات كثيرة لكيفية التوزيع، وقد راجت مؤخراً معلومات متعددة يفتقد معظمها إلى الدقة أو أنها كناية عن تحليل. الثابت في هذا المجال، أن الجهة المعنية في “حزب الله” ستُخضع توزيع المحروقات لآلية محددة تأخذ في الأولويات الداهمة هدفاً مرحلياً لها، بمعنى أن تأمين مادة المازوت مثلاً للمستشفيات والأفران والمؤسسات التموينية والاغاثية والاجتماعية تُعد على رأس سلّم الأولويات، وبعدها يُصار إلى تأمين الكميات بالتدريج ولصالح مولدات الأبنية بداية ثم مولدات الأحياء ولاحقاً الشاحنات وخطوط النقل. وعلى صعيد مادة البنزين فإن الإستهداف بدايةً هو لتأمين المادة إلى السيارات العمومية ولاحقاً للسيارات الخصوصية… الخ.
في هذا الاطار، علم “ليبانون ديبايت” أن لجاناً من الحزب بدأت تجول على الأبنية السكنية في منطقة الضاحية والتي تمتلك مولّدات بهدف إحصاء حاجات كل مولد شهرياً من مادة المازوت تمهيداً لتأمينها عند الشروع في تنفيذ إمدادات الوقود، وهي قضية ستنسحب على أي حال نحو أصحاب المولدات وغيرهم.
وبخلاف ما يُشاع، سيكون “نفط حزب الله” بالمجّان إلى حدٍ ما ولن يكون على سعر صرف دولار السوق مثلاً أو إنجاز منصّة دولارية خاصة بهذا النفط، إنما سيتمّ التسعير وفق معايير السوق اللبناني والأخذ في الحسبان حركته. ويُرجّح في هذا الإتجاه، أن تكون تسعيرة البنزين مثلاً تعادل التسعيرة المعتمدة حالياً من قبل الدولة أو قريبة منها، بمعنى انتصافها بين السعر الذي كان سائداً على 1500 ليرة و سعر 3900 ليرة حديث العهد، فيما المازوت يفترض أن تكون أسعاره رمزية. وللحقيقة، فإن برنامج التسعير أُخضع لدراسة مستفيضة ويتجنّب الحزب ودوائره الإعلان عن أي تفاصيل ذات صلة به لكونه متروكاً إلى حينه. الثابت في هذا الخصوص، وفيما لو أتمّ رفع الدعم كلياً عن المحروقات ما سيؤدي مثلاً إلى بلوغ صفيحة البنزين مستوى 320 ألف ليرة محكومة بتحرك سعر صرف الدولار لدى سوق القطع، ستكون صفيحة البنزين الإيرانية التي يقدمها الحزب شبه مجانية مقارنةً بتلك الأسعار.
على أهمية ذلك، فإن ثمة مخاطر تترتب عن أي خطوة مماثلة. دعك من التهديدات الإسرائيلية بقصف شحنات النفط، لكون تلك الشحنات التي ستعبر سوريا أو غيرها مدرجة حُكماً على برنامج “توازن الردع” الذي ثبّتته المقاومة، وبالتالي سيمثّل استدراج النفط من إيران نفس الأهمية لدى الحزب بالنسبة إلى مزارع شبعا أو “بلوكات” النفط المنتشرة عرض البحر. المخاطر المُشار إليها، تكمن في مقارعة “كارتيلات النفط” المؤلفة من شركات محلية مدعومة سياسياً. على الأرجح لن تدع الحزب يُحقق رغبته أو أنها ستزعجه. مسارٌ من هذا القبيل، له أن ينقل الجمهورية اللبنانية إلى ضفة أخرى تبدأ من كسر منطق الإحتكار.
والإشارات إلى هذا المنحى تبدو بالغة في حال رصد حركة السفيرة الأميركية دوروثي شيا ومستقبلاً حركة المسؤولين الأميركيين المتوقع أن يتوافدوا إلى بيروت في المدى المنظور. في الحالة الراهنة، تُحاول السفيرة الأميركية ممارسة عملية ضغط “ناعمة ومهذبة” على المسؤولين الرسميين لا تأخذ في الإعتبار اعتماد الدبلوماسية القاسية، لدفعهم صوب اتخاذ قرارات تجاه “تحريم” استيراد النفط الإيراني أو أقلّه الإمتناع عن تغطيته. وفي هذا المجال يفتقد ما يتردد حول نزاع جرى بين رئيس الجمهورية ميشال عون والسفيرة شيا في آخر لقاء جمعهما قبل أيام إلى الدقّة، لكون السفيرة كانت تكتفي بطرح أسئلة واستفسارات على الرئيس من دون بلوغها مستوى إبلاغ الرسائل ولو المشفّرة منها، وهذا لا يُخفي حقيقة عزمها على منع إدخال النفط الإيراني بمساعدة ومساهمة من أطراف داخلية يتمّ تحضيرهم منذ مدة.
بعيداً عن كل ذلك، المتوقع أن يكون النفط الإيراني متاحاً للجميع، في ضوء تأكيد أوساط قريبة من “حزب الله ” أنه لا يضع قيوداً أو يرسم حدوداً أمام وصول النفط الإيراني. تقريباً، ثمة استعداد لتغطية كافة المناطق اللبنانية –إن ارادت ذلك طبعاً-، والتوقعات أن يكون الإقبال على النفط الإيراني ومن كافة الشرائح والمناطق كثيفاً نظراً للهوّة في السعر بينه وبين النفط الرسمي.
هنا، هل تكون حركة مصرف لبنان عبر توقيع اعتمادات مازوت على سعر صرف 3900 ليرة على الرغم من إعلان الحاكم قراره عدم تسييل المزيد من الدعم للمحروقات، رسالةً إلى من يؤمّن النفط الإيراني، و “تتويجاً” لنصيحة أميركية بعدم إخلاء ساحة المحروقات لحزب الله كي لا يُباح له حرية التصرّف بها؟ للبحث صلة.