الطبقة السياسية اللبنانية تحاول الفرار الى الأمام
} د. وفيق إبراهيم-البناء
الفرار الى الأمام مهنة يتقنها الخاسرون، والطبقة السياسية اللبنانية واحدة منهم تسعى بكلّ ما أوتيت من قوة لإعادة إنتاج نظام جديد يتمتع بأكثر من مواصفات النوع القديم لناحية التسلط وسرقة إمكانات الدولة والمجتمع.
هناك نقطتان تنبثقان من هذه المطالعة… الأولى عن جديد هذا النظام السياسي اللبناني للخروج من مأزقه التاريخي والثانية حول قدرته على العثور على شبكة حماية دولية شديدة التناقض في ما بينها، فكيف يمكن لها الجمع بين أميركا وفرنسا وإيران وسورية على حلبة لبنانية واحدة في ظلّ تعذر انتصار محور على آخر انه لبنان بلد العجائب.
أما حول النقطة الثانية فتتعلق بقدرة النظام الحالي على العودة الى التحالف بين فئاته بعد هذا الانهيار الرهيب.
لجهة النقطة الأولى فبدت ملامحها بالتشكل من نقطتين ـ الخطاب الأخير لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، وتصريحات السفيرة الأميركية في بيروت دورثي شيا، فبدا الأمر وكأنّ روائح هدنة بدت تعبق في الأجواء لكن تفاصيلها لم تعلن بعد، لأنها تحتاج الى ضمّ أطراف دولية وعربية أخرى منها السعودية وسورية على سبيل المثال.
هناك إذن مشروع هدنة أميركية ـ إيرانية حول لبنان، يجري مناقشة تفاصيله علناً وسراً، ففيما يُصرّ مثلاً السيد نصرالله على إدخال مازوت ونفط الى لبنان عبر سورية او بحراً عبر المتوسط من إيران، تطلب السفيرة شيا علناً من المسؤولين تشكيل حكومة جديدة لتنظيم الهدنة الدولية ـ الإقليمية باقتسام عديد الوزراء والبدء بالتحاصص الوزاري على مستوى الحقائب إلخ…
يبدو إذن انّ هاتين النقطتين هما حالياً في غرف النقاش الغامض تحاولان جذب الاطراف الفرنسية السعودية السورية، وهذا يجري بشكل سريع منعاً لانزلاق لبنان نحو الانهيار الرهيب والأخير.
هذه هي المحاولة الأولى التي تضغط لتوقيع هدنة غامضة بين الأطراف الخارجية الممسكة بالأزمة اللبنانية، وهذه لن تقوم إلا على أساس اعترافها بقوى الداخل وخصوصاً حزب الله كقوة داخلية ـ إقليمية ويواجهها حزب المستقبل والقوات على ان يبقى التيار الوطني الحر حزباً يهندس سياساته من أجل الحصول على موقع رئاسة الجمهورية المقبلة وأغلبية النواب المسيحيين، فتكون الهدنة الجديدة ميزاناً لعلاقات فيها حزب الله من جهة والأميركيون من جهة ثانية.
ماذا عن النقطة الثانية؟ انها مثيرة للضحك لأنّ أطراف الأزمة اللبنانية هم جماعات طوائفية تعرف انها لا تستطيع جذب الطوائف الأخرى، فتعتمد وسيلة الهدنة والتحالف لتنظيم العمل السياسي، وتستعمل البعد الطائفي الداخلي لإثارة الشقاق حيناً والتحالف حينأً آخر، انها اليوم في عصر الخلافات مع تحالفات ثنائية تجمع البعض منها لكنها مستعدة لعقد تحالفات كبيرة لإقفال باب الصراعات الداخلية، لأنها على علم بوصول النظام السياسي الى الهاوية وبالإمكان وقفها عن طريق أمرين: الاتفاق بين القوى السياسية ورعاية الدول الكبرى.
لكن هناك ما يثير الريبة وهي ان الدول الكبرى تطالب برهن الأملاك العامة اللبنانية والحصول على موافقة الدولة اللبنانية على الاستثمار في الغاز الكامن.
وهذا ما يثير لعاب الطبقة السياسية الداخلية وتغطياتها الخارجية في آن معاً، وهذا الغاز اللبناني هو قريب من حدود لبنان البحرية في فلسطين المحتلة وسورية وقلب البحر المتوسط في مواجهة قبرص، هذا بالإضافة الى بعض مناطق البقاع الداخلية، فهل تنجح اللعبة؟ لا موانع أمامها لأنّ هذه الطبقة الداخلية والتغطية الخارجية تركوا الداخل اللبناني يسقط فريسة الجوع والاضمحلال والجفاف حتى تقبل البلاد بما يريدون بالاتفاق مع طبقتها السياسية الداخلية.
بذلك تكون النقطتان الداخلية والخارجية التأمتا ويعاد تشكيل لبنان على قواعد خارجية جديدة.
لا بأس هنا من الإشارة الى ان مقاومة اللبنانيين لهذا المخطط ضعيفة وواهنة لغياب الأحزاب القوية والتجمعات السياسية المعبّرة عن مصلحة اللبنانيين.
لذلك فإنّ ممارسة لعبة الانتظار تذهب نحو تمدّد حزبي جديد في لبنان يحاول منع الخطة الغربية الداخلية من التهام آخر ما تبقى من بلاد الأرز.