نبيه البرجي- الديار
لنكن حيثما يكون الله … !
لم يكن أبراهام لنكولن، الرئيس السادس عشر ومحررالعبيد، يقصد الحلول محل الله في ادارة العالم، وانما تكريس ثقافة الله بمد يد العون الى الأمم المقهورة، وهو الذي توقع، بالتفاعل السوسيولوجي بين الثقافات وبين الأجناس، ناهيك عن الابداع التكنولوجي، أن تصبح الولايات المتحدة … أمبراطورية الله.
ول ديورانت، صاحب «قصة الحضارة»، تحدث بافاضة عن الخلل الذي اعترى العقل الأميركي، الخلل الأخلاقي بالدرجة الأولى، وحيث الاستنزاف المروع، بالقوة العسكرية، كما بالقوة السياسة، لثروات الأمم على امتداد الكرةالأرضية …
هذا المسار اللاأخلاقي الذي بلغ ذروته في المشاهد الأخيرة لمطار كابول طرح علامات استفهام كثيرة في أرجاء الشرق الأوسط. في نهاية المطاف انها الفلسفة الأميركية في ادارة (أو في اعادة صناعة ) الدول. أنظمة من ورق، ومجتمعات قابلة للانفجار الايديولوجي، أو السياسي، أو القبلي.
على مدى عقدين من الغزو لم يحدث أي تغيير في اللوياجيرغا القبلية. أفغانستان كانت في الطريق الى أن تصبح دولة حديثة، ومزدهرة، لو لم يجهز قاطع طريق تسانده بريطانيا عل عرش الملك أمان الله خان (1929)، وكانت زوجته، بمظهرها الراقي، تبدو وكأنها احدى الأميرات الأوروبيات.
هكذا هم الأميركيون حين يلقون بحلفائهم عند باب المقبرة. حدث هذا في فيتنام. دوايت ايزنهاور ساند الفيتكونغ في معركة ديان بيان فو (1954) ضد الاحتلال الفرنسي، حتى اذا ما حاول احلال احتلال محل احتلال آخر, ثار الفيتناميون على الأميركيين الذين خسروا عشرات آلاف الجنود وآلاف الطائرات والدبابات.
حركة «طالبان»، أساساً، بدعة أميركية لحماية أنبوب الغاز الممتد من تركمانستان. كذلك أسامة بن لادن الذي تمت تعبئته ايديولوجياً لمقاتلة السوفيات، حتى اذا ما غادروا أفغانستان، تحوّل تنظيم «القاعدة» الى عدو استراتيجي يضرب في نيويورك، الهيكل المقدس للأمبراطورية الأميركية.
الباحثون الكبار في الولايات المتحدة نفسها يتساءلون الآن ليس فقط عن تداعيات الفضيحة الأفغانية على المكانة الدولية لبلادهم، وانما أيضاً عن تداعياتها على الشرق الأوسط، وحيث لا بد أن تعود التنظيمات المجنونة الى الظهور في غالبية بلدان المنطقة التي تعاني حتى من غياب المفهوم الكلاسيكي للدولة، ومع اعتبار أن الأساطيل لن تؤمن الحماية الأبدية للأنظمة القائمة في تلك الدول …
ربما كان السؤال البديهي : متى يأمر جو بايدن بالانسحاب النهائي من العراق الذي، شئنا أم أبينا، لا يزال تحت الوصاية العسكرية، كما الوصاية الاقتصادية، للولايات المتحدة ؟
هذا ما ظهر في الصراع بين الشركات الأميركية التي تدرك مدى أهمية الموارد العراقية والشركات الصينية التي تتولى تحديث ميناء الفاو واقامة القناة الجافة التي اذ تربط الشرق بالغرب عبر سوريا وتركيا، تضفي على بلاد الرافدين بعداً جيوستراتيجياً فائق الحساسية،
وماذا عن الوجود الأميركي في سوريا ؟ الاجابة قد تكون في طهران لا في واشنطن، بانتظار تحديد ادارة ابراهيم رئيسي موقفها من مفاوضات فيينا التي حتى الروس يرون أنها أكثر من ضروية لايران كما لدولتين مثل لبنان وسوريا تعانيان من أزمات اقتصادية واجتماعية مدمرة.
الباحثون الأميركيون اياهم الذي يعتقدون أن»خروجنا من الشرق الأوسط سيكون حتمياً في غضون السنوات العشر المقبلة» يسألون ما اذا كان سيحدث في الدول الحليفة ما حدث في أفغانستان، وحيث صورة اسامة بن لادن ما زالت تثير خيال الكثيرين حتى من أبناء الأجيا ل الجديدة.
في هذه الحال، أليس من مصلحة الايرانيين العودة الى ردهة المفاوضات ما دامت معلوماتهم تقول أن رجب طيب اردوغان بدأ اتصالات مباشرة مع زعيم «طالبان» هبة الله أخوند زاده، ربما عارضاً التنسيق لاقامة الشرق الأوسط الكبير وفق الرؤية التركية لا وفق الرؤية الأميركية ؟
لا نتصور أن الايرانيين بحاجة لمن ينصحهم، وقد فتحت الخاصرة الأفغانية : انتبهوا الى النيران بين أقدامكم …