الحدث

حاسبوهم في صندوقة الاقتراع وليس بالتكسير

اندريه قصاص-لبنان24

المحاسبة يا جماعة الخير، لا تكون بالتكسير وتحطيم الواجهات والتعدّي على الأملاك الخاصة والعامة وأعمال الشغب ولا بالاعتداء على القوى الأمنية، من جيش وقوى أمن داخلي، الذين يقومون بواجبهم، وهم في نهاية الأمر مأمورون، بل تكون المحاسبة الحقيقية في صندوقة الإقتراع عندما يحين وقت الإنتخابات النيابية في الربيع المقبل.
هناك تكون المحاسبة الحقيقية. فمن أخطأ ومن أوصل البلاد إلى ما وصلت إليه من حال إهتراء يُحاسب ويُقصى عن المسؤولية، على أن يحلّ مكانه الشخص المناسب للمهمّة المناسبة بطرق ديمقراطية وحضارية، وهي بالطبع غير غريبة عن أخلاقيات اللبنانيين.
المهم أن يقتنع الشعب بأنه قد آن الآوان لتحقيق قفزة نوعية وإدخال دمّ جديد غير فاسد في شرايين الحياة السياسية. يجب أن يقتنع ويعمل في الوقت نفسه على حتمية التغيير، وأن تستلم مقاليد المسؤولية طبقة نخبوية جديدة تتعاطى مع المستقبل بذهنية مختلفة كلّيًا عن عقلية “المختار والناطور”، وسياسة “مرقللي تـ مرّقلك”.

لبنان الطائفي بالمعنى السلبي للكلمة لم يسلم فيه أبناؤه من شرور الآخرين، أيًّا كانوا. نريد لبنان جديدًا مختلفًا عن “لبنان المزرعة”. ولكن للوصول إلى هذه الأهداف لا بد من مرحلة إنتقالية لتمكين اللبنانيين من الإستمرار بأقل أضرار ممكنة. وهذا الأمر لن يتحقق بين ليلة وضحاها، بل يتطلب الأمر الكثير من التضحيات للوصول بسلام إلى عشية الإنتخابات المفصلية، وذلك من خلال حكومة “الممكن”، على أن تضع في روزنامة أولياتها وقف عجلة التدهور من خلال تأمين مقومات السلامة المالية العامة عبر التفاوض الواضح والشفاف مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتبدأ بورشة إصلاحية لا بدّ منها، وهي مطلب لبناني وخارجي معًا.
ما تقومون به حاليًا، يا جماعة الخير، ليس سوى أعمال شغب يُعاقب عليها القانون. وهذا ليس عمل “الثورة” الحقيقية، التي يجسدّها بعض الذين يحاولون مقاومة العقلية الحالية المتحكّمة بالواقع اللبناني. فـ”الثورة” الحقيقية بمفهومها الإصلاحي لا تكون بتحطيم واجهات المحلات وإقتحام المؤسسات وتكسير إشارات السير. هذا تشويه لـ”الثورة”. وثمة إعتقاد لدى الكثيرين منكم أن من يقوم بهذه الحركات غير المنتظمة وغير المدرجة في خانة أولويات التحرّك السلمي والهادف هم من خارج الصفوف، وهم دخلاء على “الثورة”، بل أكثر من ذلك، هم مدسوسون لحرف “الثورة عن أهدافها الحقيقية، وتشويه هذه الأهداف بتصرفات لا تليق بعدد كبير ممن نزلوا إلى الشارع ليطالبوا بالتغيير والإصلاح الحقيقيين، وضرورة الإتيان بطبقة سياسية جديدة غير مرتهنة لشعارات أثبتت التجارب فشلها وعقمها.
المهم أن يتمكّن لبنان من إجتياز هذه المرحلة بأقل أضرار ممكنة، وبـ”حكومة الممكن”، التي ستعمل حتمًا وفق أولويات يضعها الرئيس ميقاتي في أجندته الإنقاذية بالتعاون مع الجميع، حتى نصل إلى يوم الإنتخابات، يوم الحساب الحقيقي.
المهمّ أن يبقى الوطن واقفًاعلى أرجله. والمهمّ أيضًا أن تتشكّل الحكومة في أسرع وقت ممكن، ولكن ليس “كيفما كان”، لأن أمامنا نموذجًا عن حكومة “ال حيالله”، ومن تجربتها نتعلّم الدروس لئلا نقع حيث وقعت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى