أثر سقوط كابول على لبنان!
المصدر: “درج”
ما نفترضه من أثر محتمل لسقوط كابول بيد طالبان يحتاج شروطاً تتولى الحروب الأهلية اللبنانية وغير اللبنانية تأمينها كل يوم، لا سيما إذا ما كنا حيال جماعة أكبر ديموغرافياً، وأضعف سياسياً وأمنياً.
هل يمكن أن يكون لعودة طالبان إلى كابول أثر في لبنان؟ السؤال ليس بدهياً، والحدث بعيد من لبنان، والحركة الأفغانية في ذروة صعودها لم يسبق أن كان لها أثر ذو فعالية سياسية في لبنان. لكن الحركة تشهد اليوم صعوداً لا يقل قوة عن ذاك الذي شهدناه عندما تدفق طلاب المدارس الدينية البشتونية من محيط مدينة بيشاور الأفغانية إلى المدن الأفغانية عام 1996. وهذا مؤشر إلى أن الزمن لا أثر له في بيئات مأزومة ومحتقنة، ويمكن أن يُكرر نفسه على نحو ما تتكرر المأساة نفسها.
وإذا لم يكن لبنان جزءاً من هموم الحركة العائدة إلى كابول، وهو ليس جزءاً من همومها، إلا أنها في الواقع جزء من همومه. فالجماعة السنية اللبنانية تعيش أسوأ أيامها، وهي تشهد فراغاً سياسياً هو تتويج لهزيمة مذهبية ألحقها بها “حزب الله” بالدرجة الأولى والتيار العوني بالدرجة الثانية. الحدث الأفغاني يخاطب ضائقة مجموعات سنية في لبنان، فهو بالنسبة إليها مؤشر صعود لجماعة صادرة عن وجدان مذهبي مشترك.
الجماعة اللبنانية تشعر بيتم عميق وبحال من التخلي الشديد القسوة عنها، أقدمت عليه السعودية، وحاولت هي تعويضه عبر تركيا إلا أنها لم تنجح لأسباب كثيرة أهمها عدم حماسة تركيا لهذه البنوة. لكن طالبان أيضاً لا تصلح لأن تكون عمق السنة في لبنان، إلا أنها قد تكون نمودجاً ملهماً، ليس لجهة نمط الحكم والممارسة، إنما لجهة ما تمثله من قوة أملت إنجازات.
تحتاج عودة “طالبان” إلى كابول إلى مسارات أكثر تعقيداً لكي يكون لها أثر في بيروت.
تعيش الجماعة السنية في لبنان أحلك أيامها. الفساد يفتك بطبقتها السياسية من كل حدب وصوب، وإفلاس سعد الحريري أصاب الماكينة الحياتية والمعيشية لشرائح واسعة من أبناء المدن والمناطق السنية، ونفوذ “حزب الله” السياسي والأمني جعل من هذه الجماعة النقطة الأضعف في المواجهة بين الناس وأجهزة السلطة. في الشارع من السهل علينا أن نتوجه إلى منزل زعيم سني فاسد ونتظاهر هناك ونحطم واجهته، لكننا لا نقوى على التظاهر أمام منزل نائب من “حركة أمل” أو “حزب الله”. هذا ليس نيلاً من المتظاهرين، بل إشارة إلى ضعف الخصم في الحالة السنية.
في مقابل ذلك، يبدو منسوب الغضب على النظام في البيئات السنية في لبنان أعلى منه في أي بيئة أخرى. ليست مصادفة أن طرابلس كانت عروس الثورة، وهذا الغضب لم يعثر بعد على قناة تصريف سياسي، فيما يعلم الجميع في لبنان أنه يشتغل على وقع جرح نرجسي تشعر به الجماعة الأكبر في لبنان.
تحتاج عودة “طالبان” إلى كابول إلى مسارات أكثر تعقيداً لكي يكون لها أثر في بيروت. لكن لطالما أجادت علينا وقائع عيشنا في هذا الإقليم البائس بفرص من هذا النوع. ثم إن لدينا من الشروط ما يكفي لاستيراد المآسي من أبعد بُقع الأرض. الشرط الداخلي متوفر لكي تخاطب “طالبان” وجداناً مذهبياً جريحاً. الفقر والتهميش والهزيمة، لكل هذه الأبعاد عمق مذهبي ومشاعر حنق يغذيها استهداف واضح للجماعة، ويغذيها أيضاً ذواء الزعامة وأفولها.
و”طالبان” بوصفها عنصراً وجدانياً من خارج الهوية قد تتولى أيضاً، ومن بعيد، دمج الجماعات السنية الحانقة من خارج الهوية، أي من اللاجئين السوريين والفلسطينيين، ولنا بواقعة خلدة أخيراً مثالاً، فما أثارته الواقعة من تشتيت للمشاعر في ظل الاحتقانات المذهبية يدفع إلى التأمل، واستهداف “حزب الله” في خلدة جاء من الهامش الاجتماعي السني، أي من العشائر المنتشرة على أطراف بيروت، لكن سرعان ما لاقى الاستهداف أصداء في متونها. وفي وقت شهدت السوشيل ميديا المضادة حملة تشكيك بلبنانية هذه العشائر حديثة التجنيس، سرعان ما استنفر ذلك دفاعاً عنها بوصفها شريكة كاملة الهوية. والعشائر في هذه اللحظة تحولت إلى خط الدفاع الأول عن وجدان الجماعة.
ما نفترضه من أثر محتمل لسقوط كابول بيد طالبان يحتاج شروطاً تتولى الحروب الأهلية اللبنانية وغير اللبنانية تأمينها كل يوم، لا سيما إذا ما كنا حيال جماعة أكبر ديموغرافياً، وأضعف سياسياً وأمنياً.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع