كلما خطا رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المُكلف تأليف الحكومة نجيب ميقاتي خطوة نحو الاتفاق، تبرز عراقيل وعقبات تعيدهما خطوات الى الوراء. فبعدما توافق الفريقان على توزيع الحقائب طائفياً على أن يستكملاها يوم أمس بإسقاط الأسماء عليها، عاد النقاش الى النقطة الأولى، وأشهر كل من عون وميقاتي فيتوات على الأسماء المتبادلة بما ينذر بتعطل العجلات الحكومية. يتزامن ذلك مع بصمات لرئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري بغرض الاطاحة بأي أمل لتشكيل حكومة، وتطويل أمد الأزمة لأشهر مقبلة. عرقلة حريريّة يراها العونيون متكاملة مع قرار حاكم مصرف لبنان رفعَ الدعم عن المحروقات، في سياق السعي إلى إطلاق موجة هجوم جديد على العهد اسوة بما جرى بعد 17 تشرين وبعد تفجير المرفأ
لم تنسحب الايجابية المفرطة المسرّبة عمداً حول قرب تشكيل الحكومة على الاجتماع الذي جمع رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي برئيس الجمهورية ميشال عون أمس في قصر بعبدا. أول تجليات ذلك كان خروج ميقاتي بوجه متجهّم ليعلن «بدء الدخول بموضوع الأسماء»، ليُعقّب بعدها أن «نسبة تشكيل الحكومة أكبر من نسبة الاعتذار». ففيما كانت نهاية الأسبوع الماضي حافلة بالتفاؤل وتذليل العقبات وإسقاط الفيتوات التي فرضها الرئيس السابق سعد الحريري، بدأت مصادر الرئيسين عون وميقاتي تتحدث عن بروز «شروط تعجيزية» مشابهة لتلك التي حالت دون ابصار حكومة الحريري الضوء. يومها، كان السبب الرئيس لعدم التشكيل غياب الضوء الأخضر السعودي للحريري، اضافة الى الخلاف الشخصي الذي طبع علاقة الأخير بكل من عون ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. اليوم تتخدث مصادر الرئيسين عن بصمات حريرية واضحة للاطاحة بأي أمل لتشكيل حكومة جديدة. هذا الدور التعطيلي لم يكن بالوضوح الذي ظهر عليه في الأيام الأخيرة وقد تزامن مع رفع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الدعم عن المحروقات، ليشتدّ بعد انفجار عكار وما تلاه من تراشق عبر البيانات بين الحريري وباسيل.
أمس، عادت عقارب المشاورات الى الوراء بعد أن كان قد تم الاتفاق على التوزيع الطائفي للحقائب على أن يتمّ استكمالها باسقاط الأسماء عليها. ما حصل، بالميزان العوني، هو «نسف لكل ما جرى النقاش به بين الرئيسين وخطوة الى الوراء لا يمكن فصلها عن السعي لتفجير البلد برفع الدعم وخلق أزمة غير مسبوقة كانت أولى نتائجها انفجار عكار. تلك هي البداية فقط، فثمة معلومات تتحدث عن مخطط للعبث بالأمن وخلق فوضى شاملة للامعان بضرب صورة العهد وتحميله وزر كل مشكلة تحصل في البلد. وقرار رفع الدعم هو إطلاق الموجة الثالثة من الاحتجاجات ضد العهد، بعد 17 تشرين وتفجير المرفأ». أبرز المستفيدين من انهيار الوضع الاقتصادي والاجتماعي والأمني ليسا سوى «رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري»، بحسب المصادر العونية التي تضيف: «هما لن يوفرا جهداً لكسر الاتفاق بين ميقاتي وعون الذي كاد يصل الى خواتيمه، قبل أن يقرّر الحريري وبري التصعيد في مسار بدأ بالايعاز لسلامة رفع الدعم مع تأمين التغطية السياسية اللازمة له، واستكمل بنسف اتفاق عون – ميقاتي، لينتهي أول من أمس بقيام بعض الشبان بتكسير واجهة منزل ميقاتي بالتزامن مع عدم حضور القوى الأمنية سوى في وقت متأخر». وفي هذا السياق يتهم مقربون من ميقاتي تيار المستقبل بافتعال هذا التحرّك قبيل يوم واحد من لقاء رئيس الجمهورية لبدء التشاور بالأسماء. وترى مصادر ميقاتي أن هجوم الحريري على عون بعد انفجار التليل كان موجّها نحو الرئيس المكلّف أكثر مما كان موجهاً نحو رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر، إذ «كيف تستقيم المطالبة برحيل رئيس الجمهورية مع تغطية تأليف حكومة بالشراكة معه؟».
وتقول المعلومات أن اتصالاً هاتفياً جرى بين عون ميقاتي مساء الأحد، استنكر خلاله رئيس الجمهورية ما حصل، ثم جرت محادثة «ايجابية جداً» بينهما جرى الاتفاق على استكمالها في لقاء الاثنين، «قبل أن ينقلب التفاؤل الى تشاؤم». يتقاطع ما سبق مع ما تقوله مصادر مطلعة على عملية التأليف، حول عدم رغبة حريرية بانجاح مهمة الرئيس المُكلّف لعدة أسباب، أهمها المنافسة بين أي رئيسيّ حكومة والحرب الشرسة على عون. وتشير الى مطالب مستجدة قدّمها كل من تيار المستقبل والاشتراكي والمردة، استدعت تغيير مسودة التوزيع وسط رفض عون لهذا الأمر. وقد علمت «الأخبار» أن زيارة الرئيس المُكلّف الى بعبدا نهار أمس، سبقها الأخبر بزيارة الى عين التينة. وفيما أشارت مصادر قريبة من عين التينة إلى أن بري قبِل بالتخلي عن مرشّحه لوزارة المالية يوسف خليل واقتراح بديل له هو عبدالله ناصر الدين (الملحق الاقتصادي في السفارة اللبنانية في واشنطن)، تحدّثت مصادر أخرى عن ان برّي عاد ليتمسّك باسم يوسف خليل، رغم علمه بأن رئيس الجمهورية يرفضه «لأنه موظف عند رياض سلامة وسيعرقل التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان».
في المقابل، ترى مصادر مقربة من ميقاتي أن عون الذي كان وافق على اسقاط وزارة الطاقة من حساباته، عاد ليطالب بها أو على الأقل المشاركة بتسمية الوزير. كذلك اعترض عون على الأسماء المعروضة لشغل حقيبة الداخلية في موازاة اصرار ميقاتي على تسلّم المردة لوزارة الاتصالات، على أن تؤول التربية للحزب الاشتراكي. يتكلل هذا المشهد بشائعات تتحدّث عن طلب الحريري من ميقاتي الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة.
رغم ذلك كله، لا زالت مصادر عون وميقاتي تؤكد أن الوصول الى حلّ مرض للجميع ممكن وأن الطرقات لم تُسدّ بعد، لا بل يمكن تجاوز العقبات المستجدّة. في حين تشير مصادر عونية الى دخول حزب الله على خطّ التسوية بين الرئيسين، يفترض أن تتجلى نتائجها في اليومين المقبلين. وتشير المصادر إلى أن العقد الأساسية تم حلها، وما يجري حالياً ليس سوى وضع اللمسات الأخيرة التي قد تتخللها بعض العقد، لكن حلها ليس مستحيلاً. إلا ان المصادر نفسها تنقسم بين جازم بتأليف الحكومة في غضون ايام، واخرى متريثة خشية «ضياع الفرصة نتيجة تعنّت المتفاوضين».
على خطّ موازٍ، زارت السفيرة الأميركية دوروثي شيا يوم أمس كلّاً من رئيسيّ الجمهورية والرئيس المكلّف «للبحث في تشكيل حكومة بسرعة»، عل حد قولها، مضيفة أن «الشعب اللبناني يعاني والاقتصاد والخدمات الأساسية وصلا إلى حافة الانهيار، وأن كل يوم يمر دون وجود حكومة تتمتع بالصلاحيات وملتزمة وقادرة على تنفيذ إصلاحات عاجلة، هو يوم ينزلق فيه الوضع المتردي أصلا أكثر فأكثر إلى كارثة إنسانية». ولم تنس شيّأ الترحيب «بإطار العقوبات الجديدة التي اعلن عنها الاتحاد الأوروبي لتعزيز المساءلة والإصلاح في لبنان«، مؤكدة أن «واشنطن ستواصل التنسيق مع شركائها بشأن التدابير المناسبة». كلام السفيرة الأميركية «المشجّع» على تأليف حكومة معطوف على حماسة فرنسية مماثلة، تضعه مصادر مطلعة في اطار «النفاق»، اذ لم يسجّل أي دفع جدّي من الدولتين للضغط على حلفائهما للتعاون، وهو ما يُفسَّر بنِية ضمنية للاستمرار بالفراغ الحكومي والاستفادة من انهيار البلد للاستثمار السياسي وتنفيذ الأجندة الغربية باحراق كل من التيار العوني وحزب الله.
من جانبه، اعرب الرئيس عون خلال لقائه «المجلس الوطني للتجمع من اجل لبنان في فرنسا»، عن امله «في ان نتوصل الى الحد من الازمة الراهنة من خلال تشكيل حكومة جديدة في خلال الأيام القليلة المقبلة، رغم سعي البعض لعرقلة هذا التشكيل»، مؤكدا «ان رئيس الجمهورية رغم ما خسره من صلاحيات الا انه شريك في التأليف مع رئيس الحكومة المكلف، وله ان يختار من بين الأسماء المطروحة في ظل ما يتمتع به من سلطة معنوية». وفي ردّ على المطالبة باستقالته وآخرها من الحريري، قال أنه «لن يستقيل وسيقوم بواجباته حتى النهاية ولن يهزه احد ان في موقعه او في حرصه على مواصلة محاربة الفساد». وأضاف: «لبنان لم يشهد مثيلا للازمة التي يعيشها اليوم الا في العام 1916، وهي ازمة ليست ظرفية بل تعود الى التسعينات ما أدى الى افقار البلد والاعتماد على اقتصاد ريعي ضاعف من ديونه وضاءل من فرص العمل فيه»، لافتا الى مساهمة «عدد من الظروف في اشتداد هذه الازمة بدءا من ارتفاع الدين الإجمالي مرورا بالحرب السورية وتداعيات ازمة النزوح على لبنان، ووصولاً الى العجز في الميزان التجاري». وأعاد عون التأكيد على سعيه المتواصل لاجراء التدقيق الجنائي، لافتا الى «انه كلما اقترب الامر من التحقيق كلما زادت الضغوطات لمنعه».