نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الاميركية مقالين عن المشهد الأفغاني، قال أحدهما إن طالبان اكتسحت أفغانستان بعد سنوات من الحسابات الأميركية الخاطئة، بينما أشار الآخر إلى أن الدعم الأميركي للحكومة الأفغانية طوال 20 عاما مسحته الحركة في أسابيع قليلة.
وعزا المقالان، اللذان شارك في كتابتهما 4 من صحفيي نيويورك تايمز، (اثنان لكل مقال)، الهزيمة المدوية للقوات الأميركية وقوات الحكومة الأفغانية، إلى المبالغة الأميركية في تقدير نتائج الأموال الضخمة التي أنفقتها على الحرب بأفغانستان، وإلى عدم رغبة الجيش الأفغاني في القتال من أجل الحكومة.
استشراء الفساد
وأشار مقال كتبه ديفيد إي سانغر وهيلين كوبر إلى الفساد المستشري، وفشل الحكومة في دفع رواتب العديد من الجنود الأفغان وضباط الشرطة لأشهر، والانشقاقات، وإرسال الجنود إلى الجبهة دون طعام وماء كافيين، ناهيك عن الأسلحة.
وذكر المقال الآخر الذي كتبه سكوت راينهارد وديفيد زوتشينو أن الجيش الأفغاني الذي لم يؤمن بنفسه والجهد الأميركي الذي لم يعد الرئيس الأميركي جو بايدن ومعظم الأميركيين يؤمنون به، قد وضع نهاية خبيثة لأطول حرب أميركية.
وأشار إي سانغر وكوبر إلى أن كبار مستشاري بايدن أعربوا عن إصابتهم بالدهشة من الانهيار السريع للجيش الأفغاني في مواجهة هجوم جيد التخطيط من قبل طالبان والذي يهدد الآن العاصمة الأفغانية كابل، ليقولا إن السنوات الـ20 الماضية تثبت أنه ما كان على هؤلاء المستشارين أن يُصابوا بالدهشة.
فقدان الإرادة
وقال راينهارد وزوتشينو إنه ورغم أن مسؤولي الإدارة الأميركية، يقولون إن الجيش الأفغاني يتفوق على طالبان بالتدريب والعدد (300 ألف جندي إلى 75 ألفا)، فإنهم ينسون أن الجيش الأفغاني لا يرغب في القتال من أجل الحكومة لأسباب عديدة منها ما ذُكر عن الفساد المستشري وفقدان الإرادة.
وعن الحسابات الأميركية الخاطئة ذكر سانغر وكوبر أن البنتاغون أصدر تحذيرات رهيبة إلى بايدن حتى قبل توليه منصبه بشأن احتمال اجتياح طالبان للجيش الأفغاني، لكن التقديرات الاستخباراتية، التي تبين الآن أنها أخطأت الهدف بشكل كبير، قدرت أن ذلك قد يحدث خلال 18 شهرا، وليس أسابيع.
وأضافا أن القادة الأميركيين كانوا يعرفون أن معاناة القوات الأفغانية ظلت مستمرة.
ونقل الكاتبان عن مساعدي الرئيس قولهم إن استمرار هذه المشاكل عزز اعتقاد بايدن بأن الولايات المتحدة لا تستطيع دعم الحكومة الأفغانية والجيش إلى الأبد. وفي اجتماعات المكتب البيضاوي هذا الربيع، أخبر مساعديه أن البقاء لمدة عام آخر، أو حتى 5 سنوات، لن يحدث فرقا كبيرا ولا يستحق المخاطرة.
نهاية مأساوية
وقال الكاتبان إن القوة الأفغانية التي لم تؤمن بنفسها والجهود الأميركية التي لم يعد بايدن ومعظم الأميركيين يعتقدون أنها ستغير مسار الأحداث في أطول حرب أميركية، قد أدت إلى هذه النهاية المأساوية، مشيرين إلى أن الولايات المتحدة الأميركية احتفظت بقواتها في أفغانستان لفترة أطول بكثير مما فعل البريطانيون في القرن الـ19، ومرتين أطول من بقاء القوات السوفيتية، مع النتائج نفسها تقريبا.
وقال راينهارد وزوتشينو إن بايدن، الذي أصبح متشككا بشدة في الجهود الأميركية لإعادة تشكيل الدول الأجنبية في السنوات التي قضاها في لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ وكنائب للرئيس، لم يعد يؤمن بأي تغيير في مسار الحرب.
يغفلون نقطة كبرى
ولفت الكاتبان الانتباه إلى أن بايدن كتب مؤخرا: “أولئك الذين يسلطون الضوء على التفوق العسكري للحكومة الأفغانية، من حيث العدد، والتدريب، والمعدات، والقوة الجوية، يغفلون النقطة الكبرى، وهي أن كل شيء يعتمد على الرغبة في القتال من أجل الحكومة. وقد اتضح أن ذلك يعتمد على وجودنا ودعمنا، وقد ظللنا نحث الأفغان على إظهار إرادتهم السياسية في وقت تعتمد فيه إرادتهم على إرادتنا، وها نحن ذاهبون“.
وقبل ذلك، كان بايدن يسعى إلى إحداث تغيير في الحرب، حيث أكد أنه يثق بقدرة الجيش الأفغاني، “الذي هو أفضل تدريبا وأفضل تجهيزا وأكثر كفاءة فيما يتعلق بشن الحرب”، حسب ما قال.
الأسبوع الأكثر إثارة
لكن في الأيام السبعة الماضية -يقول سانغر وكوبر- الأكثر إثارة في عقدين من الحرب، انهار ذلك الجيش، وسقطت المدن الحيوية في أيدي طالبان الواحدة تلو الأخرى، وساد شعور بالذعر.
ونقَلا عن بايدن، قوله عندما تولى منصبه إنه كان لديه خياران إما الالتزام بالاتفاق الذي أبرمه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مع طالبان أو تكثيف الوجود العسكري وإرسال المزيد من القوات للقتال مرة أخرى في حرب أهلية لدولة أخرى.
وأضاف بايدن “كنت الرئيس الرابع الذي يشرف على وجود القوات الأميركية في أفغانستان، ولن أمرر هذه الحرب إلى رئيس خامس”.