تقارير أميركية حذرت من السيناريوهات الجارية في أفغانستان
استشهد أحد التقارير الحكومية الأميركية بتحذير الرئيس السابق لهيئة الأركان المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد؛ والذي أكد -في شهادة له أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ (في مارس/آذار 2014)- أن “قوات الأمن الأفغانية ستبدأ في التدهور عند انسحاب قوات التحالف الدولية، والنقاش الوحيد سيكون حول وتيرة هذا التدهور”.
ورغم إشارة التقارير والتحليلات إلى صدمة أو مفاجأة التقدم السريع لقوات طالبان وانهيار قوات الجيش والشرطة الأفغانيتين خلال الأيام القليلة الماضية؛ فإن الكثير من التقارير الرسمية الأميركية “المعلنة والمنشورة” والصادرة من عدة جهات حكومية رقابية؛ حذّرت من السيناريوهات الجارية حاليا، وقدمت التوصيات والمقترحات لتجنبها.
وبحسب تقارير صادرة من 3 جهات؛ هي مكتب المفتش العام لوزارة الدفاع حول الأوضاع في أفغانستان، ومكتب المساءلة الحكومية، ومكتب خدمة أبحاث الكونغرس. وتضمنت كل منها بنودا تؤكد إخفاق عملية البناء الأميركية لقوات الجيش والشرطة في أفغانستان.
وتعرضت التقارير إلى الدروس المستفادة من الأخطاء المتكررة، وتقدمت بنصائح وتوصيات للقيادة الأميركية بأفغانستان، ولصانعي القرار في العاصمة الأميركية، حول كيفية تجنب انهيار الدولة والجيش في حال انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان.
تقييمات المفتش العام بوزارة الدفاع
ألزم الكونغرس وزارة الدفاع (البنتاغون) بتقديم تقرير دوري ربع سنوي عن تطورات الأوضاع في أفغانستان، وقدم مكتب المفتش العام الخاص تقارير تفصيلية في مئات الصفحات حول إعمار أفغانستان؛ وقد ركزت على المخاطر الأمنية والفساد المستشري في كل قطاعات الحكومة الأفغانية بما فيها قوات الجيش والشرطة.
ومنذ بداية عام 2019 أصدر مكتب المفتش العام بالبنتاغون 13 تقريرا متعلقا بالأمن و8 تحديثات فصلية ربع سنوية، حول قوات الأمن الأفغاني وبرامج التدريب والدعم وتقديم المشورة والتي تنفذها القوات الأميركية وقوات التحالف الدولي داخل أفغانستان.
وكان مكتب المفتش العام لوزارة الدفاع، نقل -في تقريره عن الربع الأخير من عام 2020- تقييما من وكالة استخبارات الدفاع مفاده أن طالبان تحتفظ بعلاقات مع تنظيم القاعدة وأن بعض أعضاء القاعدة “مندمجون في قوات طالبان وهيكل قيادتها”.
وبين عامي 2017-2020، لم تجرِ وزارة الدفاع الأميركية المراقبة المطلوبة لتقديم معدات دفاعية وتكنولوجية متقدمة وحساسة إلى الحكومة الأفغانية، بما يضمن تقليل المخاطر إلى أدنى حد ممكن، عن طريق منع تحويل أو إساءة استخدام تلك المعدات؛ ونتيجة لذلك تعرض بعضها إلى السرقة أو الفقدان.
كما تشير التقييمات إلى أنه منذ عام 2010، خصصت واشنطن أكثر من 8.5 مليارات دولار لتطوير سلاح جوي أفغاني قادر ومستدام، لكن أي انسحاب من أفغانستان قد يترك القوات المسلحة الأفغانية مشلولة دون دعم حيوي ضروري لها.
وفي سياق التقييم أيضا؛ أدى عدم فعالية إدارة ومراقبة الوقود والمعدات والزي الرسمي الذي اشترته الولايات المتحدة لأفراد الجيش الأفغاني إلى فقدان ملايين الدولارات بسبب الهدر أو الاحتيال.
كما تبين أن العديد من المباني التي أقامها مقاولون ممولون من الولايات المتحدة شُيدت بشكل رديء وغير آمن، وفي بعض الحالات غير مستخدمة.
تهديدات تفوق سابقاتها
وفي السياق ذاته، أشار المفتش العام الخاص لإعادة إعمار أفغانستان جون سوبكو -بتقرير صدر في سبتمبر/أيلول 2017- إلى أن الحكومة الأميركية لم تكن مستعدة لإجراء برامج مساعدة القطاع الأمني بالحجم والنطاق المطلوبين في أفغانستان.
وحسب التقرير، قد أدى الافتقار للمصطلحات والمفاهيم والنماذج المشتركة بين الجهات المختلفة إلى تقويض الاتصالات والتنسيق، وأضر بالثقة، وكثف الاحتكاكات والمناوشات، وساهم في نقص الموارد الضرورية للجهود الأميركية لتطوير الجيش الأفغاني.
كما ركزت الخطط الأميركية الأولية لأفغانستان على محاربة الإرهاب فقط، ولم تتضمن تطوير جيش أفغاني أو شرطة أو دعم المؤسسات على المستوى الوزاري؛ بل قوضت الشراكات الأميركية المبكرة مع الميليشيات المستقلة -بهدف تعزيز أهداف واشنطن في مكافحة الإرهاب- من جهود إنشاء الجيش الأفغاني.
وقدمت الولايات المتحدة أنظمة تسليحية ومناهج إدارية وأسلحة غربية إلى قوات أفغانية يغلب على جنودها الأُمية، ويفتقدون إلى التدريب المناسب، كما أن البنية التحتية المؤسسية تطلبت زيادة الدعم المالي الأميركي دون أن تتقدم.
وأشار التقرير إلى أن مهمة الأميركيين في أفغانستان معرضة خلال عام 2021 إلى تهديدات تفوق مثيلاتها في أي وقت مضى في السنوات الـ20 الماضية.
تأثير تخفيض القوات الأميركية
من ناحية أخرى، أشار تقرير خدمة أبحاث الكونغرس -الصادر في 11 يونيو/حزيران الماضي- إلى تأكيد مسؤولي القوات الأفغانية أن خفض القوات لن يؤدي إلى تغييرات كبيرة في مهام الأميركيين داخل أفغانستان، والتي تتمحور حول مكافحة الإرهاب والتدريب، وتقديم المشورة، ومساعدة القوات الأفغانية.
ومع ذلك، أشار التقرير إلى أن بعض المسؤولين العسكريين الأميركيين أكدوا حينها أن خفض مستوى القوات الذي أمر به الرئيس ترامب قد يؤدي إلى تقليص حدود القدرات الأميركية العسكرية داخل أفغانستان.
وشكك مراقبون -بمن فيهم فريق دراسة أفغانستان الذي كلفه الكونغرس- بمدى قدرة الولايات المتحدة على أداء مهامها في أفغانستان مع وجود 2500 جندي أميركي فقط.
وفي خطابه في 14 أبريل/نيسان الماضي، قال الرئيس جو بايدن “سنعيد تنظيم قدراتنا في مجال مكافحة الإرهاب بالمنطقة لمنع ظهور الإرهابيين من جديد في أفغانستان”، لكن الخبراء والمراقبين شككوا في ذلك بعد استكمال انسحاب القوات الأميركية.
في الوقت ذاته أشار التقرير إلى سوء تقدير رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارك ميلي الذي قال -بمؤتمر صحفي عُقد في مايو/أيار 2021- إن “النتائج السيئة ليست حتمية في أفغانستان”؛ نظرا لما وصفه بنقاط القوة لدى الحكومة والجيش الأفغانيين.
تقييمات أقل إيجابية
وسلط التقرير الضوء على تقييمات أخرى للحكومة الأميركية كانت أقل إيجابية، ففي تقييمه السنوي للتهديدات لعام 2021، أفاد مكتب مدير الاستخبارات الوطنية بأن “الحكومة الأفغانية ستكافح لكبح جماح طالبان إذا سحب التحالف الدعم وانسحبت قواته“.
وقال مسؤولون عسكريون أميركيون إن خيارات مختلفة -بما في ذلك التدريب عن بُعد (الذي كان قائما إلى حد كبير منذ ظهور جائحة كورونا) أو تدريب الأفراد الأفغان في بلدان أخرى- هي قيد الدراسة لمواصلة دعم القوات الأفغانية بعد انسحاب القوات الأميركية.
وسلطت بعض التقارير الضوء على تضخيم بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية حاجة تنظيم طالبان للمساعدة الدولية، وأن ذلك سيكون عاملا ضاغطا عليها كي تقلل من حدة مواقفها في طاولة المفاوضات.
وعلى النقيض، ذكر تقييم لمجلس الاستخبارات الوطني رفع عنه السرية مؤخرا أن “رغبات طالبان في الحصول على المساعدات الخارجية والشرعية قد تُلطف سلوكها بشكل هامشي مع مرور الوقت”، إلا أن “طالبان ربما تركز في البداية على توسيع نطاق سيطرتها بشروطها الخاصة”.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع