التحقيق الفرنسي حول انفجار 4 آب: لا عدوان من الجو
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
ثبّت التحقيق الفرنسي حيال انفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، نظرية أن ما حصل ذلك اليوم المشؤوم، كان كناية عن سوء إدارة و إهمال متمادي وقف خلفه المسؤولون المباشرون عن المرفأ، ولم يكن صنيعة اعتداء خارجي أو غارة من الجو، وهو ما يكفل بدحض الكثير من الروايات التي نُسجت حول الإنفجار وأدّت إلى نمو حالة من الجشع في الإستثمار السياسي لدى البعض. ولعل الإشارة الأبلغ كانت في إزاحته فرضية حصول عمل تخريبي ما أدّى إلى تفجير العنبر رقم 12 الذي كان يحوي على “أكياس” من نيترات الأمونيوم غير الصالحة بمرور الزمن و كميات ضخمة من الألعاب النارية وأشياء أخرى قابلة للإشتعال.
خلاصة التقرير بيّنتها مصادر ديبلوماسية أوروبية اطّلعت على مضمون التحقيق الفرنسي حول التفجير لـ”ليبانون ديبايت”، والذي استوجبَ حضور محققين فرنسيين إلى أرض المرفأ عند حصول الإنفجار حيث مكثوا فترةً من الزمن. وبناءً على “تفويض” من الدولة اللبنانية، قاموا بالتحقيقات ورفع الأدلة من أرض الإنفجار وصولاً إلى تمكّنهم من نيل صلاحية تحليلها في مختبرات أوروبية لاحقاً.
يكشف التقرير عن عدة تفاصيل ويلخصها بالتدريج، من طريقة تخزين “النيترات” في “عنبر الموت” رقم 12، إلى سوء التخزين وعدم ملاحظة أبسط معايير السلامة في التخزين على نحو “تكديسهم” إلى جانب مواد شديدة الإحتراق، مروراً بالتدقيق بفرضيات “المؤامرة” وصولاً إلى تصويب عدة تفاصيل من بينها كمية “النيترات” التي انفجرت وقدرتها وموضوع الأقمار الإصطناعية وغيرها من الأمور، ليخرج التقرير بتوصية أساسية وهي إنهاء الجدل حول نظرية وجود أسلحة داخل المرفأ قد تمّ استهدافها من الجو بعامل خارجي.
بداية، يكشف التقرير موضوع صور الأقمار الاصطناعية التي تطلبها الدولة اللبنانية باستمرار، ويقرّ بأن فرنسا لم تسلّم تلك الصور إلى الجانب اللبناني لغاية حينه، على عكس ما أُشيع في وقتٍ سابق. وقد برّر معدّو التقرير، أن صور القمر الإصطناعي الأوروبي لا يمكن لها تحديد سبب الإنفجار، ومردّ ذلك أن الصور المتوافرة ليست بنفس تاريخ وقوع الإنفجار أو قبل حدوثه بلحظات، وقد نصحوا باللجوء إلى مصادر أخرى.
وإلى جانب سرد الكثير من التفاصيل التقنية التي واكبت الإنفجار، كان لافتاً إسقاط المحقق الفرنسي، بحسب المصدر الأوروبي، بأن يكون الإنفجار ناتجاً عن عمل إرهابي أو عامل خارجي لغياب الدليل ولكونها، وبحسب التقرير والمصدر، “لم تقدم ملفاً أو معلومة تؤكد أو تدلّ على أن الإنفجار ناتج عن عمل غير عادي أو ذات دوافع إجرامية أو إرهابية”.
وبما خصّ ذلك، قلّل التقرير من الصور ومقاطع الفيديو التي انتشرت غداة الإنفجار والمُلتقطة بواسطة الهواتف الخلوية من قبل هواة، ليخلص التقرير إلى أن تلك المواد “لا تعطي الدقة الكافية لتحديد وجود عامل خارجي أدى إلى وقوع الانفجار، ومشاهد وصور كتلك معرّضة عادةً للتعديل بواسطة برامج كمبيوتر متخصّصة موجودة في تناول الهواة”. أمّا بخصوص الأصوات التي سمعها البعض قبل لحظات من وقوع التفجير، والتي بُنيت عليها تكهنات عن احتمال وجود طائرات شرعت بعمل عدائي ما، نظر إليها التقرير على أنها ناجمة عن قوة العصف التي كانت أسرع من الصوت وسبقته.
على هذا الأساس، يؤكد المصدر الديبلوماسي الأوروبي بخلاصة اطلاعه، أن فرضية اعتبار العمل عدائياً أو مدبّراً ساقطة مقابل ارتفاع فرضية أن يكون الحادث قضاءً وقدراً، ولعلّ التقرير أوضح منطقية ذلك قياساً إلى ما تقدم، وقد أبرز أن أعمال التلحيم التي سبقت الإنفجار بساعات قليلة كانت –على الأرجح- “بمثابة الشرارة أو أنها أدت إلى قصر كهربائي، تسبّب باندلاع دخان في المكان واشتعال المواد الموجودة في العنبر رقم 12 والتي كانت بمعظمها قابلة للإشتعال ومن بينها ألعاباً نارية وزيوت وغير ذلك، وصولاً لانفجار النيترات:.
ولعلّ التقرير أورد إشارات إلى صدمة من جراء ما كان مُخزّناً في “العنبر الموبوء”. ويستند التقرير هنا إلى صور عُرضت في صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية في وقتٍ لاحق من العام 2020 بيّنت وجود كمية من حاويات الزيوت والكيروسين وهيدروكلوريك الأسيد، إلى جانب وجود نحو 15 طناً من الألعاب النارية (بإقرار الجهات المختصة اللبنانية) مو يشكّل كلٌ على حدة، قنبلة موقوتة قابلة للإنفجار وتدمير مدينة برمّتها.
وبالإشارة إلى تقرير الصحيفة الأميركية، يكشف المصدر الأوروبي لـ”ليبانون ديبايت” انه ولـ6 مرات متكررة في غضون 3 سنوات، قام مسؤولون كبار في الجمارك بإرسال رسائل إلى القضاء عن الحمولة ، مبيّنين خطر بقائها في العنبر ومطالبين بإزالتها لحفظ السلامة، وهي إشارة تدل –بحسب التقرير- إلى إهمال، وعلى القضاء اللبناني تبيان إن كان مقصوداً ومتعمّداً أم لا.
تقنياً، خلص التقرير وبعد دراسة مستفيضة والإستفادة من إفادات الشهود، إلى أن “المزيد من التقييم لمقدار المساحة التي سيحتاجها تخزين 2754 طناً مترياً من نيترات الأمونيوم في العنبر 12 ، يوضح أنه يمكن تخزين الكمية بالفعل في هذا المكان”، ومع ذلك واستناداً إلى إفادات الشهود وكذلك التقديرات المستندة إلى حسابات الإنفجار للضرر الناجم، فليس من المنطقي تخزين 2754 طناً متريًا من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 لتحديد متطلبات التخزين لـ 2754 كيسا من الأطنان المترية”.
وأظهر التقرير أن أحد المختصّين بالمتفجرات، أبلغ أن “نيترات الامونيوم” من الصعب أن ينفجر من تلقاء نفسه، والألعاب النارية هي التي جعلته قنبلة متفجرة”، وهو ما كانت روته مصادر عسكرية لبنانية بدايةً. وسنداً إلى تقرير مختبر مكتب التحقيقات الفيدرالي حول تقييم تخزين ما يقارب 2754 طنا مترياً من سماد نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12، كما كانت تؤكد التقديرات اللبنانية وبيانات الباخرة، فإنه من المحال أن يُقال أن الكمية التي انفجرت هي الكمية ذاتها التي كانت مخزّنة، بدليل أن التحقيق الذي تلى وقوع الإنفجار في محاولة لدراسة قوته، بيّن أن قوته تعادل ما بين 100 إلى 1000 طن من مادة tnt. وقدّر الخبراء أن هذه القوة محال أن تكون ناجمة عن انفجار 2754 طناً من “سماد الأمونيوم” إنما لا تغدو الكمية المنفجرة أكثر من 552 طناً مترياً من السماد عينه. ويشير التقرير بإحدى فقراته، كدراسة لكيفية اختفاء “النيترات” من دون الغوص في احتمال السرقة “المتروك حسمه إلى الجانب اللبناني”، مرجحاً أن جزءاً منها “ربما” قذفه عصف الإنفجار نحو البحر، وهذا يتقاطع مع معلومات أمنية أشارت إلى عثور القوى العسكرية اللبنانية على “كميات محدودة” من النيترات في أماكن متفاوتة البعد من البحر قبالة مكان الإنفجار. إلى جانب ذلك، وبما أن المحققين أخذوا نسباً من التربة لمعاينتها، أقرّوا بوجود “رواسب” من النيترات مُختلطة مع التربة، وعلى الأرجح هي تفاعلات ناتجة عن التفجير وانشطار كميات من النيترات لم تعد تصلح للإنفجار بسبب تلفها بعامل مرور الزمن، مما أدى إلى سقوطها نتيجة العصف على التربة وامتزاجها معها.
في النتيجة كان لا بدّ من السؤال عن دور قوات “اليونيفيل” المتواجدة في البحر وقبالة المرفأ، والتي لم يلحظ وجودها أو دورها أي من التقارير الاجنبية التي تحدثت عن “فرضيات” حيال الإنفجار، ولماذا لا تكون “اليونيفيل” واحدة من الجهات التي تُوجه إليها أصابع الإتهام بالإهمال والتقصير بحكم وظيفتها الرقابية على كل ما يدخل ويخرج من/إلى المرفأ، وامتلاكها لصلاحية “التفتيش البحري” التي تخضع لها حتى اليخوت الخاصة منذ ما بعد حرب تموز/آب 2006. كيف عبرت “باخرة الموت” المحمّلة بالنيترات إلى المرفأ ولماذا سمح لها بالدخول والتفريغ وتحت أي ذريعة؟ لماذا لم تتم مراجعة وضعية الباخرة إن كانت أفرغت حمولتها أم أُعيدت أدراجها ما دامت الحمولة تصلح للإستخدام لأغراض عسكرية؟ لماذا رضيت “اليونيفيل” في أن تبقى “النيترات” مخزّنة في العنبر رقم 12 مدة طويلة وهل كانت تعلم بوجودها؟