طالبان اليوم ليست داعش ولا القاعدة ولكن…!
محمد صادق الحسيني-البناء
طالبان جمع طالب باللغة المحلية، وهي إشارة الى جماعة من الطلبة الأفغان الذين درسوا او تدرّبوا في مدارس مولوي جلال الدين حقاني صاحب «شبكة حقاني» العسكرية القتالية السلفية الباكستانية في منطقة وزيرستان المحاذية لأفغانستان..!
والمعروف انّ حركة طالبان السلفية الجهادية قد تشكلت في العام ١٩٩٤ في شرق أفغانستان على يد الملا محمد عمر الشهير.
في حقبة الملا عمر برز الجانب المتشدّد المعروف لطالبان وكلّ من عداه من المؤسسين ظلّ مغموراً بمن فيهم واحداً من أهمّ مساعديه وقادة التأسيس الحركي الملا عبد الغني برادر…!
وقد اشتهر في أروقة الديبلوماسيين والسياسيين للدول المحيطة بأفغانستان يومها بأن هذه الحركة الأفغانية المتشددة، قد تمّت رعايتها بشكل ملحوظ وبارز من قبل الاستخبارات العسكرية الباكستانية.
كما عرف ولا يزال معروفاً بأنّ باكستان ظلت على علاقة وثيقة بالحركة، وانها لطالما استخدمتها كورقة قوية في علاقاتها الإقليمية ومفاوضاتها حول مستقبل أفغانستان والمنطقة.
ثمة واقعة مهمة حصلت قبل نحو ١٠ سنوات لا بدّ من ذكرها هنا لعلها شكلت محطة مهمة وعلامة فارقة فيما جرى وربما لا يزال يجري في أفغانستان.
في العام ٢٠١٠ وفي عملية مشتركة للمخابرات الأميركية والباكستانية يتمّ القبض على أحد أهمّ الرموز الطالبانية التي كانت تطاردها واشنطن بعد موت ملا عمر الا وهو ملا عبد الغني برادر الزميل الحميم لبن لادن.
وبعد اختفاء تامّ للرجل لمدة ٨ سنوات أسيراً لدى الأميركيين، وبعد مفاوضات شاقة أجرتها الحركة وبوساطة قطرية ملحة، يتمّ إطلاق سراحه في العام ٢٠١٨…!
وبسرعة يتقدم الملا عبد الغني برادر، ليصبح مديراً للمكتب السياسي للحركة وممثلها في الدوحة، ومن ثم يصبح كما هو الآن الرجل الأول للحركة بلا منازع، وهو الذي قاد كل المفاوضات الأخيرة مع الأميركيين، وعقد كلّ الاتفاقيات العلنية والسرية معهم، وهو الذي يشرف حالياً على كلّ التطورات الأمنية والعسكرية والسياسية لحركة طالبان، وهو الذي يفترض أنه دخل كابول فاتحاً…
لا احد من المتابعين الجديين يعتقد ان طالبان ستسلم مقاليد البلاد بولاياتها الـ ٣٤ للأميركيين ومخططاتهم المستجدة بسهولة فهم قاتلوا طوال العقدين الماضيين من اجل اهداف حركتهم وقدموا آلاف الشهداء في هذا الطريق…!
والاغلب انهم سيلعبون على التناقضات الاميركية وتوظيفها لفرض امارتهم الاسلامية كامر واقع بدون قرقعة سلاح…!
في هذه الأثناء وكما تقول مصادر أفغانية متابعة فإنّ الأميركيين من جهتهم، عملوا ما استطاعوا الى ذلك سبيلاً خلال العقدين الماضيين – وعلى طريقة إعداد الخطة «ب» والخطة «ج» لكلّ مخطط – في القضاء او الامحاء او الازاحة لكل الرموز الطالبانية المتشددة، لتظهر «طالبان» جديدة، ديمقراطية، تعددية، تقدمية معتدلة، عاقلة، مسالمة، تتربّع عرش كابول لتكون واجهة أفغانية (پشتونية) كاملة الدسم، مطعّمة ببعض من الوان الطيف الافغاني من الطاجيك الى الاوزبك الى الهزارة الى الدرانيين او النورستانيين وذلك عندما تحين لحظة الانسحاب التي لا بدّ منها، وها هو زمانها قد حان…!
وهذا يعني في ما يعني انّ العقدين الماضيين كانا كفيلين في بلورة نسخة جديدة من طالبان غير نسخة طالبان الأولى الملتصقة بذهن الناس بملا عمر وبن لادن…!
طالبان الجديدة هي طالبان السنية الحنفية السلفية القوية، لكنها غير الوهابية التكفيرية، طالبان المنفتحة على العالم الخارجي بكل تلاوينه ولكن:
طالبان التي ستشكل كما يتمنى الأميركيون بالطبع جداراً يشبه سور الصين العظيم بوجه كلّ من بكين وموسكو وطهران…!
جدار يمنع التحام الثنائي الصيني الروسي العملاق، مع القطب الإيراني الصاعد والواعد…!
لم يكن ذلك ممكناً بدون تحوّل حقيقي في طالبان نفسها، ورجل المرحلة لم يكن سوى ملا عبد الغني برادر، ومساعديه الذين يملأون الشاشات اليوم ويقودون المفاوضات والحوارات في كل من طهران وموسكو وبكين بالإضافة الى الدوحة…!
موقع أفغانستان الجيوبوليتيكي والجيواستراتيجي بمثابة نقطة تقاطع التاريخ والجغرافيا بين الحضارات والمدنيات الشرقية وحتى الغربية منها، كفيل بنظر الاميركيين اذا ما ظلّ قلقاً وغير مستقراً على ان يكون كفيلاً بزعزعة مشروع «حزام واحد طريق واحد» الصيني وجعله يتعثر، وطريق الحرير الحديدي الشرقي مقطوع عند النقطة الافغانية، وان يشاغب قدر الإمكان على منتدى او منظمة شانغهاي للتعاون وهي المنظمة الأمنية السياسية الاقتصادية التي تضم نحو عشر دول أهمّها الصين وروسيا والهند والتي يفترض ان تصبح إيران رئيسي الدولة الجديدة كاملة العضوية فيها في ١٧ من آب المقبل…
واذا ما استحضرنا المشهد التلمودي والهوليودي الأميركي الى واجهة الأحداث الجارية حالياً في أفغانستان ومحيطها، فإنّ ثمة من يجزم في أفغانستان وفي محيطها من الباحثين، بأنّ الأميركي الذي طالما ناور بداعش والقاعدة واستعملهما بطريقة تدوير النفايات، فإنه سرعان ما سيلجأ الى خلط الأوراق قريباً، لتنطلق دورات عنف متعددة تشعل كل آسيا الوسطى والقوقاز انطلاقاً من أفغانستان لتصل الى داخل روسيا والصين من خلال تحريك الأقليات العرقية المجنّدة بالآلاف تحت الرعاية الاستخبارية الأميركية..!
وهذا هدف أميركي معلن ومعروف، وتتمّ الدعاية له على طول الخط، تحت عنوان مخادع وهو الدفاع عن حقوق الإنسان وحرية المعتقد ومحاربة الديكتاتوريات والأنظمة الشمولية!
طبعاً يحصل هذا في إطار المخطط الأميركي الذي يحاول دوماً ان يحوّل هزيمته المرة الى نصر مزيف…!
انها معركة عالمية جديدة أميركا بحاجة ماسّة لها، في خطتها لوقف الصعود الصيني المتسارع في كلّ شيء، والقوة العسكرية الروسية المتفوّقة على أميركا بالأسلحة التقليدية وغير التقليدية، وما تسمّيه بالنفوذ الإيراني المتعاظم والذي بدأ يشكل تهديداً وجودياً لقاعدتها المتقدمة في المنطقة التي اسمها «إسرائيل»…!
الإيرانيون والروس والصينيون يدركون تماماً دلالات ما حصل ويحصل في أفغانستان من هزيمة منكرة للأميركيين، ومن خبث في نسخهم الجديدة في المواجهة، ولكنهم يعرفون أيضا لا سيما الايرانيين، كيف تخاض معارك الحروب الناعمة وهم الأبرع في لعبة الشطرنج…!
ووادي پنج شير وقاسم سليماني مع احمد شاه مسعود… يشهد لهم…
وفيلق فاطميون يشهد لهم، وأمور اخرى تبقى قيد المفاجآت ستكشف مدى سطحية وسذاجة الأميركي، وكيف ان اليانكي الكاوبوي سيلدغ من نفس الجحر مرتين…!
كلّ هذه التحليلات متحركة بانتظار موقف طالبان الحقيقي الذي ننتظره بفارغ الصبر من «إسرائيل» وسيدها الأميركي!
بعدنا طيبين قولوا الله…