جيروزاليم بوست: واشنطن تتخلى عن شركائها واحداً تلو الآخر

 

تسارع الأحداث بشكل لافت في أفغانستان وانهيار الجيش الأفغاني إضافة لطريقة تعامل الولايات المتحدة مع تقدم الحركة على محاور كابل، جعل من حلفاء واشنطن في المنطقة والعالم يتخوّفون من مستقبل العلاقة معها، وهي المستعدة دائمًا لتبديل المعادلات بسرعة وفق ما يراعي مصالحها.

طرحت صحيفة جيروزاليم بوست تساؤلات في مقال لها عن “هل ستؤدي أفغانستان إلى تآكل المزيد من الثقة بواشنطن وادعاءاتها بأنها ما زالت ملتزمة تجاه المنطقة؟” مشيرة إلى انه و”على ما يبدو أن الولايات المتحدة تتخلى عن شركائها واحداً تلو الآخر، أو على الأقل تنبههم إلى أن الساعة تتكتك. الرسالة هي أَظهِر لنا أنك ضمن مصالحنا أو أنك انتهيت”.

النص المترجم:

الانهيار السريع لأفغانستان والطريقة التي صُدم بها المسؤولون السياسيون والعسكريون الأميركيون، فضلاً عن الخبراء من مختلف مراكز الأبحاث، من سرعة الانهيار، هو رمز لتحدٍّ أكبر تواجهه الولايات المتحدة اليوم.

بعد أفغانستان، سيتعين على الولايات المتحدة طمأنة الحلفاء والشركاء بأنها ستبقى في مكانٍ ما في العالم.

بينما يتحدث المسؤولون الأميركيون عن “حروبٍ أبدية” وإهدار “الخزينة” حول العالم، هناك مخاوف بشأن ما سيحدث بعد ذلك.

هذا صحيح بشكل خاص في الشرق الأوسط، حيث يتساءل شركاء أميركا وحلفاؤها عما إذا كانت الولايات المتحدة ترى البلدان هنا فقط على أنها “مصالح”. إن الحديث عن اتخاذ الولايات المتحدة موقفاً أكثر صرامة تجاه المملكة العربية السعودية ومصر، وهما دولتان شكّلتا ذات يوم أحد أعمدة السياسة الخارجية الأميركية، يقود إلى مخاوف.

دعم الولايات المتحدة لاتفاقات أبراهام هو أيضًا قضية رئيسية. لن تسمّي الإدارة الأميركية الجديدة اتفاقات السلام الإسرائيلية باسمها، لكنها نشرت رسائل تشيد بالتطبيع الذي تمارسه “إسرائيل” الآن مع دول الخليج والمغرب.

المخاوف بشأن دور الولايات المتحدة في العراق وسوريا تشغل بال الناس أيضاً. هل ستؤدي أفغانستان إلى تآكل المزيد من الثقة بواشنطن وادعاءاتها بأنها ما زالت ملتزمة تجاه المنطقة؟

تتمتع الولايات المتحدة بسجلٍ طويل من التدخل في مختلف البلدان على مدى العقود العديدة الماضية. كانت هذه الصراعات، التي يطلق عليها “الحروب الصغيرة” أو “الحروب الطويلة”، نتيجة لنهاية الحرب الباردة و11 أيلول.

وهذا يعني أن الولايات المتحدة مارست التدخل الإنساني وبناء دولة، ثم انتقلت إلى منع العراق من امتلاك أسلحة دمار شامل، وخوض حرب عالمية على الإرهاب. اتضح أن الكثير من هذا مجرد أسطورة، كما شوهد في أفغانستان.

الأمم لم تُبنَ. أينما تدخلت الولايات المتحدة، أصبحت البلدان بشكل عام فوضوية وفقيرة وحلّت بها كوارث هوبزية (نسبةً للفيلسوف السياسي هوبز صاحب نظرية العقد الاجتماعي).

من العراق إلى سوريا، ومن أفغانستان إلى الصومال، ومن هاييتي إلى بنما، أرسلت الولايات المتحدة قوات إلى العديد من الأماكن، ولم تتحسن بشكل عام بعد ذلك. قد لا يكون ذلك بسبب تدخل الولايات المتحدة. ربما كانت التدخلات مجرد أحد أعراض النظام العالمي الفوضوي، وصعود التطرف والمساحات غير الخاضعة للسيطرة.

على سبيل المثال، قد لا تكون الفوضى في ليبيا اليوم بسبب التدخل. ولا يمكن إلقاء اللوم على الفوضى في اليمن على الولايات المتحدة. لكن الولايات المتحدة عامل، وسوء إدارتها الواضح، أو محاولتها الفاشلة لبناء قوات أمن محلية، يثير العديد من الأسئلة. أين كان سلاح الجو الأفغاني طيلة الشهر والنصف الماضيين؟

الرئيس الأميركي جو بايدن قال، في تموز، إن الجيش الأفغاني لديه 300 ألف جندي “جيدي التسليح مثل أي جيش في العالم” وأن لديه سلاح جو. لكن سلاح الجو كان عبارة عن حفنة من طائرات الهليكوبتر. بشكل عام، لم تترك الولايات المتحدة سلاح جو حقيقي.

الصور من ولايات أفغانستان تُظهر الفقر والإهمال. على ما يبدو، عشرون عاماً لم يُسفروا عن الكثير. الأميركيون يتساءلون أين ذهبت مليارات الدولارات. إنهم يرون في هذا مثالًا آخر على تضليل واشنطن أو تضليلهم. يريدون أن تُنفق الأموال في البيت على البنية التحتية.

لا تتحدث أميركا فقط عن الانعزالية، وهو موضوع استمر عبر تاريخ الولايات المتحدة واكتسب زخماً تحت شعار إدارة ترامب: “اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى”. يميل اليسار واليمين الأميركيان إلى الاتفاق على أن الوقت قد حان لأن تنظر الولايات المتحدة إلى الداخل وأن السياسة الخارجية يجب أن تركز بشكل ضيق على المصالح.

هل هذا في مصلحتنا؟ ماذا نفعل ولماذا نفعله؟ هذه هي الأسئلة التي يتم طرحها. مع طرح هذه الأسئلة، يبدو أن الولايات المتحدة تتخلى عن شركائها واحداً تلو الآخر، أو على الأقل تنبههم إلى أن الساعة تتكتك. الرسالة هي أَظهِر لنا أنك ضمن مصالحنا أو أنك انتهيت.

حدث هذا في شرق سوريا، في سنتي 2018 و2019، مدفوعة جزئياً من قبل العناصر الموالية لتركيا في وزارة الخارجية الأميركية، التي أرادت إنهاء الجهود الأميركية في سوريا في منافسة مع القيادة المركزية الأميركية، انتهى الأمر بسياسة الولايات المتحدة إلى انسحابٍ جزئي.

غزا “جهاديو الإبادة الجماعية” المدعومون من أنقرة المناطق التي ساعدت الولايات المتحدة في تأمينها مع قوات سوريا الديمقراطية. ساعد شركاء قوات سوريا الديمقراطية هؤلاء في تحرير الرقة من “داعش”. لكن المسؤولين الأميركيين وصفوا الشراكة بأنها “مؤقتة وتكتيكية وتعاملات”.

اليوم أيضاً، من المحتمل أن تغادر الولايات المتحدة شرق سوريا إذا لم تشهد بعض التقدم. هذا يضع الناس في حالة توتر، كما كان الناس في كابول، يتساءلون عما سيحدث بعد ذلك ويتحوطون في رهاناتهم.

تسمّي الولايات المتحدة هذه “مصالح”، لكن من غير الواضح لماذا يُعتبر تسليم منطقة لأعداء الولايات المتحدة في مصلحة الولايات المتحدة. إن رأس المال السياسي لوجود ثقة الناس بواشنطن والاعتماد عليها أمر مهم، لكن يتم تبديده.

في العراق، تواجه الولايات المتحدة نفس المشكلة. أصدقاء وشركاء الولايات المتحدة يتبخّرون أو يتحوطون في رهاناتهم. في إقليم كردستان هناك الكثير من المخاوف من أن الولايات المتحدة لن تبقى. استهدفت الميليشيات الموالية لإيران أربيل، وداعش لا تزال تترك ندوباً، وتركيا تقصف بعض المناطق.

في هذه الأثناء، في الخليج، تواجه الولايات المتحدة مخاوف من أنها لا تدعم اتفاقيات أبراهام بالقدر الكافي. يبدو أن هناك بعض التحوط الآن في الرياض فيما يتعلق بالمحادثات مع إيران. تواجه السعودية الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن. قد تسعى لإيجاد صفقة.

قد تغير مصر من منظورها أيضاً، وتسعى إلى دور أكبر في القرن الأفريقي. ربما يقوم السودان بإصلاح الأمور مع تركيا لأنه أراد المزيد من الدعم بعد موافقته أيضاً على العلاقات مع “إسرائيل”. لكنه بحاجة لاستثمارات.

تتحدث الولايات المتحدة أكثر هذه الأيام عن أعداء “قريبين من الندّية” والرغبة في مواجهة روسيا والصين. ومع ذلك، تتساءل العديد من البلدان عن الالتزامات التي تقع على عاتق الولايات المتحدة. في المقابل، عندما تطلب من الأصدقاء والشركاء مساعدتها في هذا التنافس.

عندما ترفض الولايات المتحدة حتى رؤية الدول على أنها دول حليفة، لكنها تسميها “مصالح”، ثم تطلب منها المساعدة في المواجهة مع روسيا والصين. تتساءل العديد من الدول عما يحدث عندما تغيّر الولايات المتحدة سياساتها، ولا تعد “المصالح” متوافقة. هذه الدول تتساءل عما إذا كان من “مصلحتها” مواجهة الصين أو روسيا أو إيران.

وهذا له تداعيات على “إسرائيل” لأن “إسرائيل” تعتبر نفسها حليفة وثيقة للولايات المتحدة. كما نمت العلاقة بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” في السنوات الأخيرة، وشركات الدفاع الإسرائيلية هي الآن رائدة العالم في مجال التكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، والطائرات المسيّرة، والرادار، والبصريات، والصواريخ، والدفاع الجوي، وأجهزة الاستهداف توجيه الذخائر.

في تموز، قالت شركة “لوكهيد مارتن” والصناعات الجوية الإسرائيلية إنهما أبرمتا مذكرة تفاهم ستشكل جزءاً من اتفاقية استراتيجية للعمل معاً في مجال الدفاع الجوي. توفر “Elbit Systems” خوذات لطائرات F-35. هذا كله مهم جداً.

على السطح، العلاقات الإسرائيلية – الأميركية هي الأفضل على الإطلاق. هناك تمارين مشتركة أكثر مما كانت عليه في الماضي. كثيراً ما يلتقي المسؤولون الأميركيون بنظرائهم الإسرائيليين. هذا يعني أن كارثة أفغانستان ليس لها آثار فورية. في الواقع، وجود بصمة أميركية أصغر وقواعد أميركية أقل يعني ظاهرياً أن الولايات المتحدة بحاجة لـ”إسرائيل” أكثر مما كانت عليه في الماضي.

“إسرائيل أقوى” هي الآن ليست مجرد ضمن مصالح الولايات المتحدة. إنها تلعب دوراً أكبر في المنطقة. هذا صحيح أيضاً لأن جزءاً كبيراً من المنطقة يتكون من دول ضعيفة أو فاشلة أو أماكن يحتلها وكلاء إيران. “إسرائيل” موجودة على عتبة لبنان المفلس، وعلى الحدود مع سوريا حيث يستمر الصراع.

للولايات المتحدة قاعدة في التنف بالقرب من الحدود الأردنية، ليست بعيدة عن “إسرائيل”. بينما القواعد الأميركية في قطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ليست موضع شك، هناك أسئلة حول مدى قرب الولايات المتحدة من الرياض والقاهرة هذه الأيام. في غضون ذلك، تعمل “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة على تعزيز العلاقات الوثيقة مع اليونان والهند، وهما دولتان تعمل معهما الولايات المتحدة أيضاً.

السؤال الكبير بعد أفغانستان هو كيف ستُظهر الولايات المتحدة أنها ملتزمة حقاً بالاستقرار والأمن، سواء كان ذلك قبالة سواحل تايوان أو قبالة سواحل عُمان، حيث تعرضت سفينة مؤخراً لهجوم بطائرة مسيّرة.

الدول تختبر عزم الولايات المتحدة. يبدو أن الولايات المتحدة في مأزق بعد سقوط كابول. كيف اختفى 300 ألف جندي أفغاني؟ هل كان جيش شبح؟ وإذا كان الأمر كذلك، فماذا يقول ذلك عن تدريب الولايات المتحدة للقوات العراقية وقوات الأمن الفلسطينية، والأخيرة من خلال منسّق الأمن الأميركي لـ”إسرائيل” والسلطة الفلسطينية، أو ما كان يسمى سابقاً “جيش دايتون”.

إذا واجهت السلطة الفلسطينية تحدّيات، فهل ستكون قوات الأمن الفلسطينية على مستوى المهمة؟ وماذا سيحدث في شرق سوريا ومع قوات سوريا الديمقراطية، وهي قوة رئيسية أخرى ساعدت الولايات المتحدة في دعمها؟ هذا مهم لأن الأعداء، مثل إيران، يريدون دخول أي فراغ في المنطقة وإنشاء بيزنس خاص بهم.

نحن نعلم كيف يبدو هذا “البيزنس” في أماكن مثل لبنان. إنها عملية مُفلسة. تحتاج الولايات المتحدة إلى طمأنة الحلفاء بأنها ستواصل دعم المنطقة في هذا الوقت الصعب.


المصدر: جيروزاليم بوست

الكاتب: سيث فرانتزمان

 

Exit mobile version