محمود مرداوي
باتت واضحة الأمور والأوراق على الطاولة، وشقائق النعمان تمتد وتنساب حتى أصبحت خيوط قناب تربط بين الجبهات النشطة ربطاً وثيقاً تمليه المصلحة والإحساس بالمسؤولية على قاعدة؛ ما لم أحققه بالاتفاق تمليه المصلحة الميدانية وتوحيه القراءة الاستراتيجية.
يا روح ما بعدك روح …أمانة ومصير مخيف ينتظر المنطقة، وواجب عظيم يحذو اللاعبين المؤتمنين الذين يدفعون لقاء مواقفهم تضحيات باهظة.
إن المبادرة التي تحلت بها المقاومة في جبهات عدة بمنتهى الشجاعة بدأت بسيف القدس .
معركة خالدة بدأتها المـقاومـة لأهداف تتعلق بالقدس بعيداً عن غزة وظروف حياة أهلها المعيشية على أهميتها ؛ حيث أطلقت المـقاومة بعد إنذارها للعدو سبعة صواريخ موجهة على القدس، تلتها سلسلة من المعارك الضارية تخللتها مآثر وبطولات سامكة، الأمر الذي فرض واقعاً جديداً وقواعد اشتباك مغايرة وضعت العدو تحت الضغط الهائل، فقام بسحب كل ما بجعبته من خطط ووسائل لتعديل الكفة وردع المقاومـة في غزة ، لكن الجيش قبل أيام وبحضور نفتالي بينت اعترف بأن عملية الخداع وضرب مدينة الأنفاق باءت بالفشل الذريع ، إلى درجة أن نفتالي بينت غرد قائلاً “أن الأحكام ممن هو خارج الدائرة لن تكون كمن هو في داخلها ”
كما أن عضو الكنيست تسيڤي هاوزر رئيس لجنة الأمن والخارجية السابق طالب بفتح تحقيق لفشل سلاح الفتك في عملية (حارس الأسوار) الذي خبأه رئيس الأركان كوخافي كأساس للردع والحسم في أي مواجهة قادمة .
إلى جانب وزير سابق صرح لمعاريف قائلاً: لقد أهدروا أداة هجومية استراتيجية في العملية دون أن تحقق أي أهداف كانت قد حُددت لها، علماً أن مليارات الشواقل قد أُنفقت عليها، متهماً الكابينيت وهيئة الأركان بالتسرع وقلة الخبرة ورعانة التفكير .
هذه الشجاعة والمبادرة استباحت السفن الإسرائيلية الراسية في المضائق والبحار ، تلاها هجوم صاروخي من لبنان قرأه العدو تغييراً ومحاولة من الجبهات البناء على ما تنجزه الأخرى في مسعى لإرساء قواعد اشتباك مختلفة تراكم الأحداث الناتجة عن المبادأة، لكن الجراءة والمناورة تقتضي العمل على توسيع حزام النار الذي يحيط في العدو من كل جانب، فما كان مستحيلاً أصبح ممكناً بصعوبة فيه قدر من المخاطرة، فلا استسلام أمام الطموح والآمال، فالضفة محل الأنظار تعتبر جبهة أخرى تستنزف العدو، لكن سلم ارتقائها المقاوِم وتعميق استنزافها للعدو فرصة كامنة يجب استثمارها وبذل أقصى الدرجات لجعلها ضلعاً متقدماً في المواجهة تحتاج تفعيلاً بوعي حتى تصبح قوة كامنة ، خروجها إلى حيز التنفيذ يؤذي العدو، فلا تتسرع المـ/قا/ومـ.ـة في استخدام المبادرة المتدحرجة في سلم التصعيد بمعزل عن أضلع المواجهة الأخرى، ولا يبادر العدو لابتزازها لإخراج قوتها الكامنة إلى حيز التنفيذ، فلا تجد نفسها مضطرة للمبادرة بقدر ما تبقى قوة كامنة، هذه القوة تمنح تحت سقفها وفي وعاء الضفة الغربية نماذج مواجهة مشابهة لما يجري في بيتا وبذلك تصبح الضفة الغربية جزء من معادلة الردع ، إذ أن الاتفاق الضمني بين أضلع المواجهة ليس بالأمر الضروري ، والمصالح التي أنتجتها المبادرات الشجاعة ميدانياً حققت المصالح بدون اتفاقات مكتوبة.
إن تطوير الضفة ضلع رابع رادع للعدو يحقق عدة مصالح استراتيجية ؛
أولاً:
تحويل حاجة العدو والقوى الدولية والإقليمية للسلطة أمنية وعسكرية ، إلى جانب الحاجة السياسية.
الثاني:
تستطيع السلطة أن تحول التنسيق الأمني لخدمة الاحتلال إلى ضبط ميداني للمحافظة على القوة الكامنة يقظة فعالة لا تخرج إلى حيز التنفيذ بما لا يتوافق مع المصلحة المشتركة، فتصبح أداة ضاغطة من زاوية تخدم الرؤية الشاملة في المواجهة مع العدو في المنطقة تجعل السلطة إن فعلت جزءاً منها دون أن تدفع ثمناً باهظاً لقاء مواقفها، وإلا المنطقة مقبلة على مواجهة ، إذ أن العدو يعاني من حالة من الارتباك لظروف تتعلق بطبيعة الحكومة والقيادة، وكذلك حيوية المـ.ـقا/ومـ.ـة وسرعة المناورة وتنويع أشكال المواجهة المحدودة، فالعدو يبحث عن حل عملياتي يرفع من كلفة مناورات المـ./قا.و.مة ولا يصل حد المواجهة، على نمط المعارك ما بين الحروب ، لكنه متردد حتى اللحظة، لكن هذا التردد لن يطول، فلا يملك خياراً آخر إلا محاولة العبث على أمل اتقاء ثمن التغيير ، فالضفة تصبح في خضم شكل الصراع والمواجهة القادم أمام ثلاث خيارات:
الأول :
إدراك السلطة لما يجري فتتحرك بالاتجاه الذي يخدم استمرار بقائها، فتتموضع في المكان الصحيح بمحض إرادتها.
الثاني :
تموضع الضفة بالتوافق في المكان الذي يسمح لها بالتحول لقوة كامنة يتجنبها العدو في ظل نشاط وفاعلية الجبهات الأخرى، لكنها تشكل مصدر استنزاف وابتزاز مزعج لكنه أقل كلفة من تدخل الاحتلال ونشوء حالة من الفوضى في الضفة .
الثالث :
يُفرض على السلطة واقع جديد متأثر لما يجري في الجبهات الأخرى فتجد نفسها عرضة لدفع الثمن وتحمل أعباء المرحلة.
المبادرة خيار الشعوب ولا مكان للتردد
“فلا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون ”
واعلموا يقيناً أنه لا يحدث في ملك الله إلا ما أراد الله.