الحزب أسير “ثنائيّ جهنّم”

نديم قطيش –

يوجد سببٌ للاعتقاد أنّه، وربّما للمرّة الأولى، تختلف حسابات حزب الله عن حسابات ميشال عون في شأن مصير الحكومة، من دون أن يغيّر هذا الاختلاف كثيراً في شأن مصير التشكيل.

مرّ وقتٌ كان حزب الله فيه لا يمانع أن تتشكّل حكومة أو لا تتشكّل، مبقياً القرار في هذا الشأن بيد “ثنائيّ جهنّم”، عون وصهره. كانت الأولويّة هي رضى الحليف المسيحي والتعايش غير المكلف مع إشباع رغباته السلطوية. سيقبل الحزب لو تشكّلت حكومة يرضى عنها عون، وسيتعايش مع فراغ حكومي يقوده ويقرّره عدم الرضى العوني.. في الحالتين لم يرَ حزب الله أنّ ثمّة أثماناً تترتّب عليه.

أزمة حزب الله مع اللبنانيين منذ 2005 لم تتعلّق بميزان الشراكة السياسية أو بإشكاليات داخل النظام، بل كانت دوماً ذات طبيعة فوق-دولتية، أي أنّ الأزمة سببها خيارات تتعلّق بما هو خارج الدولة والمؤسسات والنظام

فكلّ حكومة منذ اتفاق الدوحة 2008 هي، بدرجات متفاوتة، حكومة حزب الله، بعد إقفال كلّ السبل أمام تكرار التجربة الفارقة للرئيس فؤاد السنيورة الذي استمرّ في الحكم “بلا رفّة جفن” على الرغم من خروج الثنائي الشيعي من حكومته، ومن دون أن تنجح الاستقالة في إفقاد الحكومة نصابها الدستوري. وكلّ حكومة شكّلت تحدّياً لأيّ خيار سياسي لحزب الله أسقطها أو استبدلها.

أسقط حكومة سعد الحريري الأولى وشكّل حكومة نجيب ميقاتي الثانية، التي حين نفد وقودها ذهب بعدها إلى حكومة تمّام سلام في ضوء حساباته الجديدة التي تتعلّق بدخول جبهة النصرة إلى الداخل اللبناني. أمّا حين سقطت حكومة حسان دياب في الشارع خلافاً لرغباته المُعلَنة، كان الحزب قد وضع كل بيضه في سلّة العهد الذي تعهّد بأن لا يسقطه أحد.

في الخلاصة ما كان حزب الله يخشى حكومة تولد برضى حليفه المسيحي ولا يهاب فراغاً حكوميّاً سببه عدم رضى “ثنائيّ جهنّم”. كانت الأولويّة ولا تزال حماية الغطاء المسيحي الذي يوفّره له عون من موقعيْه الشعبي المسيحي، ولو المتراجع، والسياسي الدستوري، كرئيس للجمهورية.

ما استجدّ أنّ حزب الله بات يرى في الفراغ الحكومي أثماناً تترتّب عليه، بعدما فشلت كلّ محاولات الترقيع وسياسات الدعم الأهلية عبر بطاقات تموين وقروض حسنة، وبعدما بدأت ألسنة لهب الغضب الشعبي تحاصر نوابه ووزراءه وأمنيّيه، في بيوتهم وفي مقاصدهم. هذا ما حصل أمام منزل مسؤول الارتباط وفيق صفا في قلب الضاحية، ومع النائب والوزير حسين الحاج حسن في إحدى حسينيّات بعلبك، وفي علي النهري في البقاع أمام منزل نائب حزب الله أنور جمعة، عدا عن الحملات التي طالت شخصيات في حزب الله على مواقع التواصل الاجتماعي كالنائب نوّار الساحلي وزميله حسن فضل الله، تُضاف إلى تظاهرات غاضبة شاتمة في قلب الضاحية والجنوب والبقاع.

الحقيقة البسيطة أنّ قرار حزب الله انتقل من حال التعايش مع “ثنائيّ جهنّم” إلى حال الأسر، بسبب العزلة التي فرضها على نفسه. صارت البلاد برمّتها أسيرة لدى الأسير وآسِريه

والحال هذه، فإنّ الفراغ، الذي كان بوسع حزب الله تحمّل كلفته، ما عاد قادراً على غضّ النظر عنه، وبين نخبه مَن يحاجج أنّ تشكيل حكومة برئاسة نجيب ميقاتي تحقّق أمرين: الضمانة السياسية التي يمثّلها موقف ميقاتي من القضايا الأساسية التي تعني حزب الله، وخلق مناخ يفرمل حال الانزلاق المتسارعة التي يمرّ بها لبنان نحو ارتطام أكبر وأكثر كارثية..

العقبة أمام ولادة هذه الحكومة هي العناد العوني الذي يسعى إلى تمديد الفراغ الحكومي، حتى إذا ما جاء أوان نهاية العهد الرئاسي بعد نحو 400 يوم، قال عون لن أسلّم الرئاسة، كموقع مسيحي، لحكومة تافهة كحكومة تصريف أعمال برئاسة حسان دياب. أمّا البديل فحكومة يقبل بها عون، ويكون قرارها بيد جبران باسيل، كي يضمن “ثنائيّ جهنّم” يداً طولى في القرار السياسي لهندسة مرحلة ما بعد عون. وهذه حكومة إذا ما تشكّلت فلن تأتي على لبنان إلا بالمزيد من العقوبات والمزيد من الانهيار تالياً..

حزب الله الذي يواجه بيئة معادية سنّيّة ظهرت بعض تجلّياتها في خلدة والجيّة، وبيئة معادية مارونية ظهرت تجلّياتها في حملة مناصرة البطريرك الراعي بعد ما عدّه موارنةٌ كثرٌ تطاولاً شيعيّاً على بكركي، وبيئة معادية درزية تمثّلت في حادثة شويّا غير المسبوقة منذ اتفاق الطائف، بات أكثر حاجةً إلى الغطاء العوني، كغطاء مزدوج مسيحي ورئاسي، وبات قرار الحزب أسير قرار “ثنائيّ جهنّم”.

لست ممّن يعوّلون كثيراً على أنّ حزب الله يريد من خلال الفراغ الحكومي إيصال الأزمة إلى إعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني. فالحقيقة أنّ حزب الله يملك شهوات أكثر بكثير ممّا يملك مشروعاً حقيقياً أو واقعياً لهذا الطرح المفترض، وليست لديه تحالفات لبنانية أو إقليمية كافية لفرض تغييرٍ بهذا الحجم في لبنان. إنّ دقّة التوازنات اللبنانية لا تترك الكثير ممّا تمكن المطالبة به، وأزمة حزب الله مع اللبنانيين منذ 2005 لم تتعلّق بميزان الشراكة السياسية أو بإشكاليات داخل النظام، بل كانت دوماً ذات طبيعة فوق-دولتية، أي أنّ الأزمة سببها خيارات تتعلّق بما هو خارج الدولة والمؤسسات والنظام. وحتى حين اختلف مع الآخرين حول تركيبة الحكومة، كان الهمّ، قبل أيّ شيء آخر، هو تأمين معادلة سياسية تحمي هذه الخيارات الفوق-دولتية.

الحقيقة البسيطة أنّ قرار حزب الله انتقل من حال التعايش مع “ثنائيّ جهنّم” إلى حال الأسر، بسبب العزلة التي فرضها على نفسه. صارت البلاد برمّتها أسيرة لدى الأسير وآسِريه، فيما الطريق تقصر ويشتدّ انحدارها نحو جهنّم.

      النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

 

Exit mobile version