ٍَالرئيسيةتحقيقات - ملفات

التحولات فى دوائر مؤسسات الأمن القومى الإسرائيلى

 

المصدر: مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة تحليلا عن أبرز التحولات فى مؤسسات الأمن الإسرائيلية واتجاه حكومة بينيت لتفعيل مجلس الوزراء الأمنى المصغر ومجلس الأمن القومى لإدارة التحديات والأزمات الراهنة خاصة الملفين الفلسطينى والإيرانى.. جاء فيه ما يلى.

أعلن مستشار الأمن القومى لرئيس الوزراء ورئيس مجلس الأمن القومى مئير بن شبات عن رغبته فى التنحى عن منصبه بعد أن شغله لنحو 4 سنوات. ومن المقرر أن يسير أعمال مهام منصبه حتى نهاية أغسطس المقبل، حيث وافق ابن شبات على طلب رئيس الوزراء بينيت بالبقاء فى منصبه لتسيير الأعمال، الأمر الذى سهل إتمام عملية إدارة الملف الأمنى. ومع رحيل ابن شبات، تبدأ حكومة بينيت مهمة البحث عمن يخلفه فى منصبه. ويضاف إلى ما سبق، اتجاه حكومة بينيت لتفعيل مجلس الوزراء الأمنى المصغر بعد التهميش الذى عاناه خلال حكومة نتنياهو السابقة.

الدوائر الأمنية الإسرائيلية

تُعد إسرائيل أحد أكثر النظم السياسية ذات الطابع الأمنى والعسكرى، نظرا لمحورية دور الدوائر الأمنية فى عملية صنع القرار على الصعيدين الداخلى والخارجى، لمواجهة التهديدات التى تتعرض لها، ويلعب عدد من المؤسسات دورا محوريا فى صنع القرار، ويتمثل أبرزها فى التالى:

1ــ مجلس الأمن القومى: تأسس عام 1999، مدفوعا بالحفاظ على سلامة وقوة إسرائيل ومواطنيها ومواطناتها، وهو مسئول عن السياسات الأمنية والتعامل مع العديد من التهديدات التى تواجه تل أبيب، وله دور بدعم اتخاذ القرار الأمنى لدى الحكومة الإسرائيلية ومجلس الوزراء الأمنى المصغر، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الحكومية والأمنية والاستخباراتية الأخرى.

ويعد المجلس هيئة فريدة من نوعها فى الحكومة الإسرائيلية، إذ يضم طيفا واسعا من العسكريين والأمنيين والاستخباراتيين والباحثين والدبلوماسيين والمتخصصين فى حقول التكنولوجيا والقانون والاقتصاد وغيرها من الأمور ذات الصلة.

2ــ مجلس الوزراء المصغر لشئون الأمن القومى: يعد بمنزلة مجلس وزراء داخل مجلس الوزراء، ويترأسه رئيس الحكومة، وتتمثل أبرز مهامه فى رسم السياسة الخارجية والدفاعية وتنفيذها، ويزداد دوره فى أوقات الأزمات والحروب، إذ يقوم باتخاذ قرارات سريعة وفعالة، ويضم العديد من المعنيين بالقضايا الأمنية والعسكرية.

تهديدات أمن إسرائيل

بالنظر للمشهد الأمنى الإسرائيلى الراهن، يمكن ملاحظة أن حكومة بينيت تتولى مهامها فى وقت تواجه فيه إسرائيل العديد من التحديات والتهديدات الأمنية داخليا وخارجيا، والتى أشار إليها بينيت خلال كلمته أمام الكنيسيت أثناء جلسة منح الثقة، والتى تتمثل فى التالى:

1ــ تصاعد التطرف اليمينى: تزايد الاحتقان والاستقطاب بين مكونات المجتمع الإسرائيلى على إثر الحراك السياسى المصاحب للإطاحة بحكومة نتنياهو، وتنامى التطرف إلى حد توجيه تهديدات لأعضاء الحكومة الجديدة وعلى رأسهم بينيت من قبل بعض اليمينيين المتشددين، ناهيك عن التحديات الناجمة عن جائحة كورونا وتداعياتها.

2ــ إمكانية انهيار الهدنة: لا تزال التوترات الفلسطينية – الإسرائيلية قائمة على الرغم من انتهاء عملية حراس الأسوار، والتوصل لهدنة أوقفت القتال الممتد على مدار 11 يوما، إذ إن هناك مخاوف جدية من تكرار المواجهات الفلسطينية – الإسرائيلية. ووضح ذلك فى مسيرة الأعلام فى القدس، التى صدق عليها نتنياهو قبل رحيله، وردت عليها حماس بإطلاق البالونات الحارقة، وهو ما أثار المخاوف من تجدد المواجهات بين الجانبين وانهيار الهدنة. كما أن استمرار سياسات الاستيطان الإسرائيلية قد تدفع لتجدد المواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين.

ويضاف إلى ما سبق التحدى الأمنى الذى تفرضه حماس، حيث تمكنت من الحفاظ على قوتها العسكرية، وتطويرها من خلال تهريب الأسلحة عبر الأنفاق. كما أن أجهزة الأمن الإسرائيلية تعتبر حزب الله أحد أكبر مهددات الأمن الإسرائيلى بفعل تطويره للصواريخ دقيقة التوجيه بدعم إيرانى.

3ــ مواجهة التحدى الإيرانى: يمثل الاتفاق النووى الإيرانى أحد أهم التحديات الخارجية التى تحتاج حكومة بينيت للتعامل معها فى ظل المخاوف من توصل إدارة بايدن لاتفاق مع إيران لا يضمن فرض قيود مشددة على برنامجها لتخصيب اليورانيوم.

كما تستمر إيران فى توجيه سلسلة من العمليات التخريبية ضد إيران، والتى لا تقتصر على برنامجها النووى، مثل حادث منشأة كرج فى يونيو الماضى، ولكنها تطال كذلك مفاصل اقتصادية مهمة، مثل الهجوم السيبرانى والذى تسبب فى تعطيل وإلغاء مئات رحلات القطارات. ولاشك أن تواصل هذه العمليات ضد إيران يفرض على أجهزة الأمن الإسرائيلية التحسب لرد فعل انتقامى من جانب طهران.

كما تعتزم حكومة بينيت تطوير قدراتها للتحسب للتهديدات الإيرانية عبر تبنى خطة يُطلق عليها «تنوفا» (Tenufa) باللغة العبرية، والتى تهدف إلى تخصيص استثمارات ضخمة لتطوير قدرات الجيش الإسرائيلى، عبر امتلاك طائرات مسيرة متوسطة المدى، وحيازة عدد ضخم من الصواريخ دقيقة التوجيه من الولايات المتحدة، فضلا عن شراء بطاريات إضافية للدفاع الجوى.

أبرز التحولات الأمنية

يمكن القول إن أبرز التحولات التى تشهدها المؤسسات الأمنية الإسرائيلية فى الوقت الحالى تتمثل فى التالى:

1ــ اختيار خليفة بن شبات: عيّن رئيس الوزراء الإسرائيلى السابق بنيامين نتنياهو بن شابات فى عام 2017 كمستشار له للأمن القومى وكرئيس لمجلس الأمن القومى، وذلك بسبب خبرته المهنية الواسعة، فهو لديه خلفية عسكرية واسعة بفعل انخراطه فى الشاباك، ومشاركته فى العديد من القرارات والتحركات الأمنية المهمة، مثل العمليات الإسرائيلية ضد قطاع غزة، وكذلك دوره المحورى فى إنجاح اتفاقات التطبيع مع العديد من الدول العربية.

وقد كان له دور رئيسى فى العبور بإسرائيل من تحدى تغيير الحكومة بعد الإطاحة بنتنياهو، إذ وافق بن شبات على البقاء فى منصبه حتى اختيار خليفة له. وتشير التقديرات إلى تطلع رئيس الحكومة نحو تكليف عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومى، ليكون الرئيس المقبل لمجلس الأمن القومى الإسرائيلى، بفعل ما يملكه من مسيرة وخبرات أمنية، غير أن البعض يشير إلى أنه توجهاته قد تكون أقل تشددا من بينيت.

وشغل يادلين منصب رئيس لوحدة المخابرات العسكرية فى جيش الدفاع الإسرائيلى، بالإضافة لمنصب الملحق العسكرى لواشنطن. كما رُشح لمنصب وزير الدفاع قبل انتخابات عام 2015 من قبل حزب الاتحاد الصهيونى، وهو حزب ينتمى إلى يسار الوسط.

2ــ تفعيل مجلس الوزراء المصغر: كان مجلس الوزراء الأمنى المصغر، خلال حكم نتنياهو، خاضعا لهيمنته وتوجهاته، ولكن ثمة تحولات تطرأ على المشهد الأمنى مع تصديق حكومة بينيت على إعادة تشكيل المجلس مع رحيل حكومة نتنياهو، فقد أعلن مكتب بينيت أن جلسات مجلس الوزراء الأمنى الجديد ستعقد كل يوم أحد مباشرة بعد الاجتماع الأسبوعى لمجلس الوزراء. ويمثل ذلك تغييرا كبيرا عما كان قائما فى عهد نتنياهو الذى عمل على نقل ثقل عملية صنع القرار الأمنى ليده ولدائرته المصغرة بدلا من المجلس بأكمله.

ومن المقرر أن يسهم بينيت فى إعادة أهمية دور مجلس الوزراء المصغر بعد تهميشه النسبى فى عهد نتنياهو. كما تجدر الإشارة إلى أن معظم الأعضاء الجدد للمجلس ينتمون إلى أحزاب مرتبطة باليمين ممن يتبنون وجهات نظر متشددة بشأن المسائل الأمنية، وذلك على عكس الأقلية اليسارية ذات التوجهات الأقل تشددا.

وعمل نتنياهو على الاستخفاف بحكومة بينيت زاعما أنها تشكل خطرا على أمن إسرائيل، وذلك بالنظر إلى تباين التوجهات السياسية لأعضائها، وقلة خبرتهم، خاصة ممن ينتمون إلى تيار اليسار، وهو ما يحد، وفقا لنتنياهو، من قدرة إسرائيل على اتخاذ قرارات حاسمة ورادعة بشأن الملف النووى الإيرانى وملف الاستيطان، كما أنه قد يفرض قيودا على العمليات السرية للموساد، خاصة تجاه إيران.

ويلاحظ أن ادعاءات نتنياهو غير دقيقة، بالنظر إلى أنه يضم فى صفوفه 3 وزراء دفاع سابقين منهم نائب رئيس الوزراء ووزير الأمن، بينى غانتس، الذى كان أيضا، رئيس أركان جيش الدفاع الإسرائيلى، فضلا عن بينيت، والذى خدم كقائد سرية فى وحدات النخبة فى الجيش الإسرائيلى «سايريت ماتكال» و«ماجلان»، بالإضافة إلى أفيجدور ليبرمان، والذى تولى منصب وزير الدفاع فى السابق.

وفى الختام، فإنه من المرجح أن تواصل الحكومة الإسرائيلية الجديدة إعطاء الأولوية لإدارة الملفات الأمنية الرئيسية، خاصة الملفين الفلسطينى والإيرانى، وأن تواصل تفعيل دور المؤسسات الأمنية، لاسيما مجلس الأمن القومى، ومجلس الوزراء المصغر، للتعامل مع هذه التحديات. ومن غير المتوقع حدوث تحولات جذرية فى توجهات إسرائيل، نظرا لأن الغلبة والهيمنة لا تزال لليمين الإسرائيلى المنشق بالأساس عن صفوف نتنياهو وينتمى لتوجهاته وسياساته.

      النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى