وليد شقير
مع الذروة الجديدة من اضمحلال الدولة التي بلغها لبنان، حيث تقفل مستشفيات بسبب نقص المحروقات لمولدات الكهرباء في ظل عجز مؤسسة الكهرباء عن تأمين الطاقة، ويُفقد الخبز بعد توقف أفران عن تشغيل آلاتها لإنتاجه… هل يدفع الدرك غير المسبوق الذي وصل إليه الوضع المعيشي في البلد، المعنيين نحو تسريع تشكيل الحكومة الجديدة برئاسة نجيب ميقاتي أم أن السيناريو الذي شهده تأخير إنتاج السلطة التنفيذية مع زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري على مدى 9 أشهر سيتكرر مع الرئيس المكلف الحالي؟
تحول رفع مصرف لبنان الدعم عن استيراد البنزين والمازوت والفيول أويل، إلى جزء أساسي من الاشتباك السياسي بين الأطراف المتناحرة، واتسع الانقسام حوله كجزء من التناحر على السلطة والمرجعية، حيث يرى الفريق الرئاسي أن صلاحية اتخاذ قرار كهذا يعود له وللحكومة حتى لو كانت مستقيلة، بعد أن كان وافق عليه وأقر منذ أشهر بأن لا بد من رفع الدعم حتى لا يجري المس بالاحتياطي الإلزامي في مصرف لبنان (14 مليار دولار) إثر استنفاد ما تبقى لديه من العملة الخضراء، لاستيراد المحروقات والطحين والأدوية والمستلزمات الطبية والمواد الغذائية منذ زهاء سنتين، بسعر الصرف الرسمي أي 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد مقابل بلوغه عتبة الـ21 ألف ليرة.
انصبت حملة الرئاسة اللبنانية على حاكم المصرف المركزي رياض سلامة، الذي رد كاشفاً بالأرقام كيف أدى دعم الاستيراد إلى تشجيع التهريب والاحتكارات في كافة المواد المدعومة، معتبراً أن الحل يكمن في تأليف الحكومة، أو في إصدار تشريع في مجلس النواب يجيز استخدام الاحتياطي الإلزامي الذي يشكل 14 في المئة من أموال المودعين في المصارف. وهو كان استمر في سياسة الدعم مراهناً على أن تشكيل حكومة جديدة تفاوض صندوق النقد وتنفذ الإصلاحات المطلوبة من المجتمع الدولي يؤدي إلى إراحة البلد، ما يقود إلى انخفاض سعر صرف الدولار وإلى تدفق بعض المساعدات إذا عجلت هذه الحكومة بتحقيق بعض الإصلاحات، في شكل يخفض فاتورة الاستيراد للمواد الأساسية ويغني عن استخدام الاحتياطي الإلزامي.
يقول مصدر نيابي من مؤيدي رفع الدعم مقابل التسريع في وضع البطاقة التمويلية لتمكين الأسر المحتاجة من الحصول على مبلغ يتراوح بين 97 و130 دولاراً أميركياً لتأمين حاجاتها اليومية، إن قرار سلامة وقف الدعم الذي نبه إلى حتمية اتخاذه منذ تشرين الثاني عام 2020 نزل كالصاعقة على الفريق الرئاسي الذي كان يخطط للإبقاء على الدعم وحتى على الإنفاق من الاحتياطي الإلزامي في ظل بقاء الفراغ الحكومي إذا لم يحقق ما يريد في حكومة جديدة يتحكم بها وبتوازناتها كما يشاء.
بعض هذا الفريق الرئاسي يعتبر أن استخدام الاحتياطي الإلزامي ورقة في يده تمكنه من الصمود على موقفه المتشدد في تأليف الحكومة حتى لو استمر الفراغ حتى نهاية العهد الحالي. لكن رفع الدعم وتداعياته المأسوية وجه النقمة مجدداً نحو العهد وسيده، إضافة إلى سائر الطبقة السياسية، خصوصاً أن صهر الرئيس النائب جبران باسيل كان من الذين أقروا بأن الدعم لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، حيث عارض علناً في أحد مؤتمراته الصحافية قبل 3 أشهر المس بالاحتياطي الإلزامي. لكن ما كان يعمل له باسيل وعون بموازاة ذلك، هو إقالة سلامة من أجل تعيين حاكم جديد يكون مطواعاً أكثر في تلبية الفريق الرئاسي في قرارات مصرف لبنان. وهذا ما عناه باسيل في قوله قبل أسبوعين بأننا نعمل على تغيير المنظومة الاقتصادية والمالية، مستخدماً بذلك شعارات الحراك الشعبي.
بهذا المعنى أحبطت خطوة سلامة نوايا الفريق الرئاسي، ما دفع باسيل إلى توجيه تظاهرات مناصريه نحو منزل الحاكم. فهو رفع عن كاهله مسؤولية المس بالاحتياطي وألقى بمسؤولية تمويل الاستيراد على السلطة السياسية التي يتحكم بها عون وباسيل في ظل استمرار الفراغ الحكومي. ومن هنا مطالبته بتشريع في البرلمان يجيز الإنفاق من الاحتياطي.
هل سيقود كل ذلك إلى إعادة النظر بتعطيل تأليف الحكومة، لتفادي تنامي غضب الشارع ومنه جمهور عون وحتى جمهور حليفه “حزب الله”، بحيث يتم تسهيل مقاربة ميقاتي الحكومية؟
بعض المعنيين بالإجابة عن هذا السؤال من نواب وسياسيين وجدوا في الرسالة التي وجهها رئيس الجمهورية أمس السبت إلى البرلمان عبر الرئيس نبيه بري، يشتكي فيها على حاكم المصرف المركزي ويدعو فيها إلى “اتخاذ الإجراء المناسب” مؤشراً سلبياً. ويقول مصدر نيابي مواكب لاتصالات تأليف الحكومة إن من يريد حكومة لا يبعث بهذه الرسالة لرمي مسؤولية بدائل رفع الدعم وتصاعد أزمة فقدان المحروقات والخبز وإقفال مستشفيات… والذل الذي يعيشه المواطن في طوابير الانتظار على محطات الوقود والأفران على النواب. ومن التقوا الرئيس بري بعد تلقيه رسالة عون نقلوا عنه أنه فوجئ بها، وأن ردة فعله الأولى كانت التساؤل: “لماذا لا يشكلون الحكومة في سرعة لتقرر هي إرسال مشروع قانون إلى البرلمان بتشريع استخدام الاحتياطي الإلزامي أو تقرر أي إجراء آخر”. واعتبر مصدر مقرب من بري أن الفريق الحاكم يريد تحميل رئيس البرلمان مسؤولية إفشال الحلول وحتى عدم تشكيل الحكومة، في وقت يمكن تسريع تشكيل الحكومة خلال أيام ثم تضع بيانها الوزاري بسرعة والمجلس النيابي سيسرع في منحها الثقة خلال 3 أيام لتبدأ عملها.
أما بالنسبة إلى موقف “حزب الله” فإن قطباً سياسياً فاعلاً يعتقد أنه إذا أراد “حزب الله” حكومة سترى النور. وإذا لم يرد حكومة فإنها لن تولد. فهو قادر على دفع عون إلى تسهيل إنجاز الاتفاق مع ميقاتي. وهو قادر على تركه وباسيل يطرحان الشروط التي تؤخر ذلك.
وفي هذا الصدد يشير بعض المعطيات إلى أن قيادة الحزب تروج للتفاؤل بإمكان قيام حكومة، وأن بعض رموزه يردد بأن موقفه العلني بوجوب تولي حكومة فاعلة معالجة الأزمة الخانقة سيترجم عملياً.
يتساوى الحديث التفاؤلي عند بعض أوساط الحزب مع ذلك الذي يصدر عن ميقاتي وأوساطه عن توافق مع عون على توزيع الحقائب على الطوائف. لكن هذه الأوساط تبقى حذرة ومتكتمة على ما دار في اجتماع الرئيسين أمس.
ويعتبر مصدر مقرب من ميقاتي أن هناك سباق حواجز يجري وصولاً إلى الحكومة، “وحاجز التوزيع الطائفي للحقائب تخطيناه، (إلا إذا تراجع عنه عون لاحقاً). أما الحواجز الثلاثة الأخرى، التي تستدعي تريثاً في التفاؤل لمعرفة إمكان تخطيها، فهي المتعلقة بما إذا كان رئيس الجمهورية سيسعى إلى الحصول على الثلث المعطل في حكومة من 24 وزيراً، وإذا كان سيصر كما حصل مع الحريري على تسمية الوزراء المسيحيين التسعة الباقين، بالإضافة إلى وزيرين سيسميهما النائب السابق سليمان فرنجية وثالث “الحزب السوري القومي الاجتماعي”. كما أوضح المصدر أنه يفترض ترقب ما إذا سيكون عون متعاوناً في شأن اختيار مجموعة الوزراء الذين يحرص ميقاتي بموازاة تمثيلهم لطوائفهم على اعتبارهم “فريق العمل” الذي سيساعده في مهمات التفاوض مع صندوق النقد الدولي والإصلاحات الصعبة المنتظرة. فهؤلاء سيتولون الحقائب المهمة في الخطوات الاقتصادية الملحة مثل المالية والاقتصاد والطاقة والشؤون الاجتماعية التي ستقدم مساعدات للأسر المحتاجة.
فميقاتي ينوي تلزيم إنشاء معامل الكهرباء بتمويل من الصناديق العربية للتنمية، بهدف تخطي أزمة هذا القطاع، والتعجيل في الإجراءات المالية الإصلاحية الأولية المطلوبة من المجتمع الدولي، وصولاً إلى التصحيح المالي الذي سيشمل رفع رواتب موظفي القطاع العام التي قضى على 90 في المئة منها ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي…
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع