كمال خلف
يذكر “خالد بيك العظم” في مذكراته ان بعض من السوريين فك سرج خيول عربة الجنرال الفرنسي” هنري غورو” عندما دخل سورية محتلا عام 1920 وسرجوا انفسهم بدل احصنة العربة وجروها الى دمشق ” وكان اول ما قام به الجنرال غورو حال الوصول على ظهور من اختاروا ان يكونوا بديلا لدوابه ان دخل الجامع الاموي متوجها لقبر فاتح القدس “صلاح الدين الايوبي” وركله برجله قائلا “هاقد عدنا يا صلاح الدين” ثم بعد ذلك وعبر عقد ونيف من الزمن دفع الشعب السوري ثمنا باهظا من دماء أبنائه عبر ثورات متلاحقة ليخرج في نهاية المطاف الغزاة الفرنسيين.
ولكن لنتأمل هذا المشهد وكيف كان حكم التاريخ فيه . كان هؤلاء “العربجية” مجرد عابرين ومدانين تخجل حتى من ذكرهم كتب التاريخ، بالمقابل خلد التاريخ وحفظت الامة قائد معركة ميسلون وزير الحربية السوري ”يوسف العظمة” ورفاقه على الرغم من ان الجيش الفرنسي الغازي سحقهم في معركة غير متكافئة، رغم ذلك خلدهم شعبهم وامتهم كابطال مقاومة ضد الاحتلال، وبنى لهم النصب التذكارية والتماثيل الرمزية في ساحات سورية، واصبحوا رموزا تتذكرها الأجيال بفخر واعتزاز كتعبير عن الكرامة الوطني.
ومازال التاريخ يضرب مثلا “أبا رغال” دليلا على الخسة والخيانة و”أبو رغال” هذا هو العربي الذي تطوع ليكون دليل جيش” ابرهة الاشرم” ملك الحبشة الى الكعبة المشرفة ليهدمها، وظل العرب يرجمون قبر “ابي رغال” كشعيرة عندهم بعد كل حج عقودا حتى ظهور الإسلام . اذ لم يكن يعرف العرب حينها من يخون قومه مقابل المال.
هذه ليست حوادث من تاريخ غابر لاخذ العبرة منها فقط، انما هي حال نعيشه في عصرنا الراهن وفي بلادنا العربية. وما اكثر اليوم من يرتضي ان يكون حصانا يركبه الغزاة ليحتلوا بلاده، وكم أبو رغال اليوم بيننا يعملون دليلا ومرشدا للقوى الأجنبية لتدمير اوطانهم مقابل ثمن بخس.
في عام 2011 اسرج بعض الليبيين ظهورهم لقادة حلف الناتو بحجة الإطاحة بدكتاتور ظالم واعدين الشعب الليبي بالديمقراطية والحرية و العيش الكريم، لكنهم دمروا ليبيا وقسموها وافقروها وجعلوها نموذجا للدولة الفاشلة، واسرج بعض السوريين ظهورهم في ذات السنه، وتطوعت دول لتلعب دور “ابي رغال” دليلا ومرشدا للغزاة، فدمروا سورية، لكنهم فشلوا في احتلالها. والنماذج تتكرر.
في لبنان اليوم ما اكثر من جعلوا ظهورهم لسروج عربات الغزاة والاعداء، فبات الهجوم على المقاومة مهنة يتفرغ لها أصحابها ويعتاشون عليها. وبات القضاء على سلاح المقاومة مطلبا للبعض بالتطابق الكامل مع خطاب إسرائيل. لكن ماذا ستكون النتيجة لو فعلوا وجروا عربة إسرائيل الى قلب بلادهم، ولو ساعدوها على كسر سلاح لبناني رادع لإسرائيل. هل سينعم اللبنانيون بالكهرباء والوقود والدواء والعيش الرغيد؟ ام سيكونون عبيدا عند المحتل، وسيدفع الشعب نهرا من الدماء لإخراجه، اما الحالة المعيشية حالهم لن يكون افضل من الليبيين والعراقيين و الأفغان، فكلهم جاءهم الغزاة واعدين بالسمن والعسل والنتيجة اليوم معروفة. لكن احفاد “أبي رغال” لا تهمهم النتائج الكارثية لبلادهم، المهم المنفعة الشخصية.
ان من يملك المال وامبراطوريات الاعلام في بلادنا العربية المنكوبة، ويستعمل رجال الدين بفتواى غب الطلب، ويشتري النخب والاقلام، يعتقد في قرارة نفسه بانه سيطر على الراي العام العربي، وبات قادر على التحكم بمجرى التاريخ واحكامه، وبالتالي اغتيال القيم والمفاهيم و معتقدات الامة، وخلق اخرى مناقضة تعلي من شأن
الخيانة، وتبرر العمالة، وتسمح بجر عربة المحتل، والتحالف مع العدو، والتنازل عن مقدسات وحقوق الامة وشعوبها اكاد اجزم ان هذا الاعتقاد ليس الا وهم سيزول امام ضمير الامة وشعوبها، وان التاريخ سيفلت من سطوة المال ومشعوذي السلطان، وان نجحوا الى حين . وسيلقي عليهم حكمه تبعا لنواميس الأمم و تاريخها وحضاراتها وميزان القيم والمثل الانسانية عبر العصور . ولن يكتب التاريخ عنهم سوى انهم عربجية الأعداء وستخجل منهم شعوبهم .
ان قوى التغيير في العالم العربي والتي ضاقت ذرعا من الاستبداد والفساد عليها الاعتماد على قواها الذاتية، وعلى مجتمعات تستطيع اقناعها وانضاجها من خلال بناء تصورات واقعية للحكم الرشيد البديل عن الأنظمة القائمة، وان تواجه بشجاعة وتضحية من اجل مستقبل افضل، وان تنبذ ما يسوق لها بان اسهل الطرق للتغير اللجوء للقوى الخارجية إقليمية كانت ام دولية، لان هذه القوى ستركب على ظهرك وتحقق مصالحها هي لا مصلحة بلادك . ان تكون حصانا يركب على ظهرك المحتل والطامع والعدو، وتدخله بلادك ليصنع لك التغيير يعني انك اسوء من المستبد والفاسد وستكتب في سفر التاريخ بانك مجرد عربجي او ما يسوقه العربجي . ان تعمل دليلا ومرشدا للقوى الخارجية، لهدم مقدساتك ومكامن قوة بلادك، واقتصاد وطنك، وامن مجتمعك ٫ فانت لست متحررا وحداثيا كما تظن او قالوا لك، انت مجرد نسخة حداثية عن” ابي رغال ” ومكانك مزبلة التاريخ الى جواره .
كاتب واعلامي فلسطيني
المصدر: كمال خلف