نبيه البرجي- الديار
كما لو أن تسويات منتصف الليل، القصر لك والسراي لي، ليست اغتصاباً، وليست فقط خرقاً، للدستور…
وكما لو أن ادارة النهب العام، على خطى علي بابا والأربعين حرامي، ليست اغتصاباً، وليست فقط خرقاً، للدستور…
وكما لو أن التبعية، بالياقات الفاخرة، لهذا البلاط ولذاك البلاط، لهذا الحرملك ولذاك الحرملك، ليست اغتصاباً، وليست فقط خرقاً، للدستور…
وكما لو أن الاستئثار الماكيافيللي بكل وظائف القطاع العام، للأزلام، وللقهرمانات، وللجواري، وللمرتزقة، ليست اغتصاباً، وليست فقط خرقاً، للدستور.
وكما لو أن اعادة لبنان، وكان أريكة القمر، وقيل أريكة الله، الى العصر الحجري، وحتى من دون قناديل الكاز، وحتى من دون الشموع، ليست اغتصاباً، وليست فقط خرقاً، للدستور …
وكما لو أن قوانين الانتخاب التي لا تليق بالقردة، وحيث التكريس الاحتفالي لثقافة الصومعة، اياها ثقافة القوقعة، ليست اغتصاباً، وليست فقط خرقاً، للدستور…
وكما لو أن التوريث القبلي للموقع، وللحزب، وللبشر، وقد أعادنا صراع الشقيقين الى مشهدية قايين وهابيل، ليس اغتصاباً، وليس فقط خرقاً، للدستور…
وكما لو أن البقاء من دون حكومة لأكثر من عام، وربما لأكثر من قرن، والدولة تلفظ أنفاسها الأخيرة، والرعايا يلهثون وراء رغيف الخبز، ووراء علبة الدواء، ووراء تنكة البنزين، ووراء تنكة المازوت، ليس اغتصاباً، وليس فقط خرقاً، للدستور.
وكما لو أن تتويج ذاك الحانوتي الصغير(Le petit boutiquier) خليفة على المسلمين، وتتويج ذاك الذي بمواصفات الطنجرة الفارغة خليفة لقسطنطين الأكبر، ليس اغتصاباً، وليس فقط خرقاً، للدستور.
وكما لو أن بقاءكم على سطح الأرض، وعلى ظهورنا، وعلى صدورنا، ليس اغتصاباً للدستور، أن لم نقل اغتصاباً للقضاء والقدر. بالدرجة الأولى اغتصاب الحياة، وقد اغتصبتم حتى قبورنا. الآن حقائبنا هي قبورنا، ولتذهب بنا الطنابر أينما ذهبت، ما دام كل ما نستطيع فعله أن نقفل الطرقات على بعضنا البعض، وأن نقفل الأبواب في وجه بعضنا البعض.
هذا اذا تناهت اليكم قهقهات الحاخامات: متى تحملون الينا خشب الأرز على ظهوركم لاعادة بناء الهيكل، وقد سقطت فوق رؤوسنا حجارة الهيكل ؟
هكذا تغدو الدعوة المتأخرة جداً، الكاريكاتورية جداً، من الشريك في ادارة الخراب، وفي ادارة جهنم، الى عقد مجلس وزاري طارئ، خرقاً للدستور، وانتهاكاً لقدسية الطائفة، كما لو أن اللبنانيين ليسوا سواسية في مهرجان الأنين، وفي طوابير العار، وفي التسكع على أرصفة المرافئ، وعلى أرصفة القطارات. متى تنصب لنا الخيم في ضواحي الصفيح ؟
هل يمكن أن تفسروا لنا ـ دستورياً ـ ما هو عقاب الذين يتولون صناعة التهجير الجماعي للبنانيين من ديارهم؟ اذهبوا الى دوائر الأمن العام، وشاهدوا الطوابير الأخرى التي تلوّح بجوازات السفر استعداداً للرحيل ولو الى العالم الآخر.
كلنا نعلم على ماذا يختلف، وعلى ماذا يتفق، ملوك الطوائف، وشيوخ القبائل، وعرابو المافيات، وأكلة لحوم البشر. لم يبق منا سوى عظامنا. متى تنبشون قبورنا، وقد بتنا عالة على أبوابكم، وعلى لحاكم ؟
ها اننا ننتظر الدخان الأبيض بتشكيل الحكومة. أي حكومة ؟ اذا كانت الطبقة السياسية اياها تتقيأ الأسماء، وتتقيأ الوجوه، وتتقيأ الحقائب ؟
ربما لا تعلمون ما أضافه حاكم عربي الى «صفقة القرن»، في ليلة الشمبانيا مع جاريد كوشنر. ازالة لبنان وصناعة لبنان الآخر. مستودع للاجئين (حتى من الجليل) وللنازحين. لا مشكلة في أن يحل أبومالك التلي، وقد أبدل ثوبه الأفغاني بربطة عنق باذخة، ضيف شرف على السراي الحكومي.
حكومة لدفن الموتى. لا مشكلة عندهم في اغتصاب… القضاء والقدر !!