بولا مراد- الديار
كما جرت العادة، لا تستفيق القوى السياسية والامنية من ثباتها الا عند بلوغ الامور نقطة اللاعودة. لم يعنها كل الذل والمشقة والازمات التي يواجهها اللبنانيون منذ اشهر والتي استفحلت بشكل غير مسبوق في الايام القليلة الماضية.. الا ان الاشارات المتتالية التي وصلتها في الساعات الماضية والتي بدت واضحة لجهة الاقتراب من نقطة انزلاق الامور امنيا وخروجها عن السيطرة دفعت الاجهزة الامنية الى التحرك تباعا بمحاولة لتخفيف ازمة المحروقات بعدما تحولت المحطات حلبات صراع بين الناس واصحاب هذه المحطات وبين المئات ممن لجؤوا الى الطوابير يتنافسون على صفيحة بنزين. اما ازمة المازوت فحدث بلا حرج عن منازل لم تزرها كهرباء الموتور منذ ٣ ايام وتعيش على ساعة او ساعتي تغذية من «كهرباء لبنان» خلال ال٢٤ ساعة.
وقالت مصادر عسكرية ل»الديار» ان «الجيش كان يلاحق ازمة المحروقات وينفذ مداهمات على بعض المحطات منذ مدة، لكن يوم الجمعة الماضي تفاقم الموضوع بشكل غير مسبوق ما بات يهدد بانهيار امني نتيجة المشاكل الكثيرة التي شهدتها محطات البنزين، ما استدعى التدخل بقوة لضمان توزيع المخزون المتوافر لدى هذه المحطات وتأمين مرافقة عسكرية لصهاريج المازوت لمنع مصادرتها وضمان وصولها الى وجهتها الحقيقية. واشارت المصادر الى ان «الاشكالية الاساسية اليوم ليست بموضوع التهريب كما يتم الترويج له انما بالاحتكار الداخلي، لذلك اتخذ قائد الجيش القرار بالتصدي لهذه الظاهرة وتبعته كل الاجهزة الامنية الاخرى».
واعلنت قيادة الجيش أمس السبت ان وحداتها باشرت عمليات دهم محطات تعبئة الوقود المقفلة وستصادر كل كميات البنزين التي يتمّ ضبطها مخزّنة في هذه المحطات على ان يُصار الى توزيعها مباشرة على المواطن دون بدل.
وطلب الجيش اللبناني عبر حسابه على تويتر التبليغ عن اي محطة وقود عمدت الى تخزين مادتي البنزين والمازوت واقفلت ابوابها، او اي جهة تقوم ببيع البنزين او المازوت في السوق السوداء عبر الاتصال على الرقم ١١٧.
ومباشرة بعد اعلان الجيش، اكدت قوى الامن الداخلي انها لن تبقى مكتوفة الايدي امام ما يعانيه المواطن من جراء أزمة المحروقات مؤكدة مباشرة عمليات الكشف على مخزون المحروقات في المحطات للتأكّد من عدم تخزينها المادة.
وفي اطار التنافس المعهود بين الاجهزة الامنية، سارعت المديرية العامة لأمن الدولة للاعلان ايضا عن «استكمال مهامها السابقة بالكشف على محطات المحروقات»، مشيرة الى انها ستقوم بتكثيف دورياتها ومداهمة المحطات في المناطق اللبنانية كافة والتحقق من مخزونها.
وأوضحت في بيان أنه عند التثبت من وجود البنزين المخزّن سيتم ضبطه ومصادرته والتصرف به وفقا لما جاء في قرار قيادة الجيش اللبناني.
وادت حملات القوى الامنية الى مصادرة عشرات آلاف ليترات البنزين المخزنة في مختلف المناطق اللبنانية.
كارثة في AUH
وأتى التحرك الامني بعد اعلان المديرية العامة للنفط والمصرف المركزي في بيان عن توافق وزارة الطاقة والمصرف المركزي، على ان يتم تسديد ثمن المخزون من المحروقات الموجود حاليا لدى الشركات المستوردة على سعر صرف 3900، مطالبين الشركات المستوردة للنفط تسليم السوق المحلي بالمحروقات مع إعطاء الاولوية للمستشفيات، مصانع الأدوية والامصال، الأفران، المطاحن، المرافق الحيوية، وذلك عبر جداول تصدر عن وزارة الصحة ووزارة الاقتصاد والتجارة واعتماد جدول تركيب الاسعار الصادر نهار الاربعاء الفائت، على ان تستمر كل الوزارات والادارات والاجهزة الامنية وفق صلاحياتها في مراقبة التوزيع والتزام الاسعار الرسمية المعتمدة لمنع التهريب والتخزين والبيع عبر السوق السوداء.
وكانت الشركات المستوردة والمحطات توقفت كليا عن تسليم البنزين والمازوت بعد اعلان حاكم مصرف لبنان رفع الدعم ورفض رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء هذا القرار من دون ان يقوما بما يلزمه التراجع عن قراره. وادى هذا التخبط الى تهديد المستشفيات والافران حيث تم رصد عودة اللبنانيين للاصطفاف في طوابير للحصول على ربطة خبز، ما اعاد الى الاذهان مشاهد الحرب الدامية.
وفيما أكّد نقيب اصحاب المستشفيات سليمان هارون أن المستشفيات تلفظ انفاسها الاخيرة إن بسبب نقص المازوت او غيرها من ازمات، انشغل الرأي العام بتحذير المركز الطبي في الجامعة الأميركية من كارثة من مقبلة ومن توجه لاغلاق المستشفى صباح يوم الاثنين، موضحا في بيان ان ٤٠ مريضاً بالغاً و 15 طفلاً يعيشون على أجهزة التنفس سيموتون على الفور و 180 شخصًا يعانون من الفشل الكلوي سيموتون بالتسمم بعد أيام قليلة من دون غسيل الكلى. ودعا المركز لامداده العاجل بالمازوت قبل الإغلاق الإجباري يوم الاثنين.
سجال سلامة- باسيل
وتواصلت يوم امس عملية تقاذف مسؤوليات الانهيار والارتطام بين القوى السياسية.
وفيما أكّد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن «جميع المعنيين كانوا يعلمون بقرار رفع الدعم عن المحروقات، اي الحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب، وبالتالي القرار ليس كما يصوّر له»، اعتبر انه «بدل القيام بهذه «المسرحية» اذهبوا الى مجلس النواب واقروا قانونا يمول الاستيراد من الاحتياطي الالزامي». ورد سلامة على الكلام الاخير للنائب جبران باسيل، قائلا: « انا حاكم المصرف المركزي لكن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حاكم البلد».
واستدعى كلام سلامة هذا ردا مباشرا من باسيل الذي قال في تغريدة عبر «تويتر»: لو صحيح أنا حاكم لبنان ما كنت تركتَك من زمان».
وبمحاولة منه لاستيعاب تدهور الاوضاع بشكل دراماتيكي، اكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ان «الظروف الصعبة التي يجتازها لبنان، والتي هي نتيجة تراكمات سياسات مالية خاطئة، لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تقضي على عزيمتنا في المضي قدما في معالجة تداعياتها». وخلال استقباله وفدا شبابيا طمأن الى ان «مسار تشكيل الحكومة العتيدة سالك»، آملا ان «يخرج الدخان الأبيض قريبا فتتشكل حكومة تتمكن من تحمل الأعباء الواجبة لمواجهة تراكم الأزمات بما يرضي تطلعات اللبنانيي. وأضاف: «ليست المرة الأولى التي يجتاز فيها لبنان صعوبات كبرى، لكنني مصمم، وهذا قراري الراسخ، على تحمل مسؤولياتي الكاملة في مواجهتها، مهما بلغ حجم العراقيل ومهما تلطى البعض بحجج واهية للتهرب من تحمل ما يترتب عليه من واجبات أخلاقية ودستورية تجاه شعبه. ولقد كان واضحا، منذ تسلم مهامي الدستورية، ان أي موقف او قرار إصلاحي اتخذناه، جوبه بعراقيل جمة لم يكن هدفها الا وضع العصي في الدواليب لغايات باتت مكشوفة للجميع، محليا ودوليا».
واعتبرت مصادر سياسية مطلعة على جو عون انه يستنزف صلاحياته للحد من الازمة والتخفيف من آثارها، لكن دستور «الطائف» لم يبق له اي صلاحية للتعامل الحاسم مع هكذا ازمات، وما حصل مع الرئيس حسان دياب الذي رفض تلبية دعوة الرئيس عون لعقد مجلس الوزراء وبت مسألة الدعم، اكبر دليل. واضافت المصادر ل»الديار»:» كما ان الرئيس بري لن يدعو مجلس النواب للانعقاد لتعديل قانون النقد والتسليف لانه رأس الحربة في مواجهة العهد وهو يعتقد ان الامور وصلت الى مستوى من النضوج قد تؤدي الى استسلام الرئيس عون قريبا، لذلك كان الرد الرئاسي حاسما في هذا المجال يوم امس».
واشارت المصادر الى ان «عون يعول حاليا على ايجابية الرئيس المكلف نجيب ميقاتي التي يفترض ان تترجم مطلع الاسبوع المقبل بتشكيلة واقعية تناسب المرحلة، لافتة الى انه واذا ما تبين ان ميقاتي يسير على خطى رئيس «المستقبل» سعد الحريري فعندئذ تكون المؤامرة على العهد بلغت اوجها والافضل له حينها التنسيق مع قائد الجيش كي يستلم الجيش البلد».
وافيد امس عن لقاء عقد بعيدا عن الاعلام بين عون وميقاتي لاستكمال المشاورات الحكومية مع تجديد التأكيد على الايجابية المحيطة بالعملية ككل.
وبعد اجتماعها الاسبوعي، اعتبرت الهيئة السياسية في التيار الوطني ان «مجمل الأزمة التي نمرّ فيها، من رفض رئيس الحكومة التجاوب مع رئيس الجمهورية، ورفض حاكم مصرف لبنان الاستجابة لطلب الإلتزام بقرارات الحكومة، يفضح حقيقة هذا النظام السياسي الذي سحب من يد رئيس الجمهورية الصلاحيات التنفيذيّة، وكل هذا يدحض ادعاءات تحميل الرئيس مسؤولية عدم مواجهة الأزمة، فكيف يتحمل المسؤولية من لا يملك أي سلطة تنفيذيّة وأي صلاحيّة فعلية في إدارة وتحريك المال العام والقضاء والأمن»، مضيفة: يعتبر التيّار أن أزمة رفع الدعم المفتعلة لا يجب أن تؤثر في تأليف الحكومة كأولوية مطلقة، حيث أن التعاون الإيجابي بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف كان سيؤدي الى ولادتها سريعاً جداً، ويبدو واضحاً أن أحد أسباب الأزمة المفتعلة هو تأخير أو تعطيل ولادة الحكومة والتعكير على الجو الإيجابي والبنّاء القائم حولها».