رامي الريّس
أن تمضي البلاد سنة كاملة من دون حكومة في حقبة الانهيار الكبير، ففي ذلك عقم سياسي لا يقتصر على إشكاليّات النظام ومصاعب إدارته بسبب طبيعته المركبة ووجهه الطائفي والمذهبي المقيت؛ إنما أيضاً يعكس المستوى الفكري والأخلاقي لعدد من القوى القابضة على مفاصل السلطة وتتحكم بمسار التأليف، كما بمستقبل البلاد والعباد.
أن تمضي سنة كاملة من دون حكومة بسبب تعنّت هذا وعناد ذاك، وبسبب التقاسم الفاضح للحصص والوزارات والمناصب، فهذا يعني أن الأزمة أخلاقيّة قبل أن تكون سياسيّة وإقتصاديّة وإجتماعيّة. ألا يكترث القيّمون على التأليف لمشاكل المجتمع وللانهيارات اليوميّة المتتالية التي تشهدها الساحة المحليّة، فهذا يعني أنّهم لا يقيمون وزناً للمواطنين ورأيهم ودورهم وحقوقهم البديهيّة المشروعة.
لقد بات واضحاً أن العهد وفريقه هو الذي يضع العراقيل على التأليف، وفي ذلك مفارقة عجيبة أي أن العهد يهدر ما تبقى من ولايته في وضع الشروط التي تلامس التعجيز المقصود بدل الانصراف إلى الإنقاذ والنهوض عله يصحح القراءة التاريخيّة التي لن ترحمه لدى الأجيال المقبلة.
كان بإمكان رئيس الجمهوريّة، لو يتحرّر من تأثير بعض المستشارين والأقارب الذين يبحثون عن مصلحتهم المباشرة وليس مصلحته حتماً، أن يبلّغ الرئيس المكلف أنه لا يريد أي منصب له أو للتيار الذي يمثله (مع العلم أن شغله منصب الرئاسة يفترض أن يجعله على مسافة واحدة من الجميع وألا يطالب بحصص لتياره)، وأن يعتبر أن كل الوزراء وزراؤه، وأنه فوق الحسابات الضيّقة لأنه الحكم الذي يسهر على تطبيق الدستور.
كان بإمكانه أن يقدّم نموذجاً فريداً عن رجل الدولة الذي يجترح الحلول للإنقاذ كما يفعل رجال الدولة وأن يتوّج مسيرته العسكريّة والنيابيّة والسياسيّة والرئاسيّة الطويلة بإخراج البلاد من أزماتها المتلاحقة وأن يدفع بها نحو التطوّر والتقدّم.
وهنا، ثمّة إشكاليّة جديّة تتصل بمفهوم “الرئيس القوي” التي تم التسويق لها على أنها تشكل المدخل الحتمي لإنقاذ لبنان، وساندتها أطراف من هنا وهناك لحساباتها المصلحيّة الخاصة. فإذا كان الرئيس القوي لا يستطيع إنقاذ البلاد، إذن هناك حاجة لإعادة النظر بهذا المفهوم برمته لأن تكراره بعد انتهاء الولاية الرئاسيّة في تشرين الأول 2022 من شأنه أن يدفع لبنان نحو المزيد من الخسائر وربما التدمير الذاتي.
لقد فقد لبنان معظم ميزاته التفاضليّة وخسر مرفأ بيروت الذي كان له دوره وموقعه المركزي في النشاط الاقتصادي والتجاري المحلي والإقليمي، وخسر قيمة عملته الوطنيّة ويخسر تدريجيّاً مؤسساته وشركاته وصروحه العلميّة والاستشفائيّة والثقافيّة. العتمة التي تخيّم على البلاد ليس فقط في انقطاع الكهرباء، بل في انغماس لبنان في ذاك الظلام الفكري والثقافي والمعرفي، في تقهقره وتراجعه وانكساره، في فقدانه لموارده البشريّة، في دماره التام نتيجة سياسات عبثيّة فارغة تحارب طواحين الهواء إذا لم تجد من تحاربه على الأرض!
كلما أغرقت البلاد في الظلام، كلما أصبحت إمكانيّة الخروج أكثر صعوبة. لبنان واللبنانيون يستحقون الحياة، ويستحقون حياة أفضل.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع