“ليبانون ديبايت” – علي الحسيني
يُشبه حال اللبنانين في انتظار تأليف الحكومة، قول “صبرت حتّى ملّ الصبر منّي” ولعل البطريرك الماروني بشارة الراعي، كان خير المُعبّرين عن مرارة الحال خلال لقائه رئيس الجمهورية أمس بأن “شعبنا ينتظر لكن هذا الإنتظار صعب ومرّ”. أمّا الغوص في بحر التأليف والأسباب التي تحول دون تحقيقه، فهذا أمرٌ يعود إلى أسرار التكليف الذي على أساسه تتحدّد مهام كل فريق، فإمّا القبول إنطلاقاً من شروط التكليف وما تتضمنها من تسهيلات مُتبادلة، وإمّا الرفض إنطلاقاً من مقولة “ما متت ما شفت مين مات”.
يبدو أن الرئيس المُكلّف نجيب ميقاتي، قد وقع خلال هذه الفترة تحت تأثيرين: الأوّل يتعلق بشعور داخلي يتملّكه بأن ثمّة طريق لبلوغ الهدف وهو “الصبر”، والثاني له علاقة بالإتفاق الذي التزم به أمام رؤساء الحكومة السابقين، وهو عدم إفساح المجال أمام رئيس الجمهورية ميشال عون، لتكرار السيناريو الذي رافق مهمّة الرئيس سعد الحريري في مهمة التأليف قبل أن يصل إلى حائط مسدود بعد أكثر من ثمانية أشهر على التكليف، أمضى مُعظمها “رايح جاي” بين “بعبدا” و”بيت الوسط”.
يبدو أن هامش المناورة لدى الرئيس ميقاتي في عملية التأليف، قد بدأ يضيق وبدأ يرتفع معه الصوت السُنّي الرافض بأغلبيته الساحقة، للطريقة التي يتعاطى بها الرئيس عون مع مع المُرشّحين لإدارة موقعهم الأول والأبرز في الدولة، وهو أمر بدأ ينعكس أيضاً على ميقاتي المُطالب سُنيّاً بالإعتذار، وهو العالم أنه لم يعد بإمكانه الصمود طويلاً أمام هذا المطلب، لأن المُحاسبة ستكون عسيرة هذه المرّة في صناديق الإنتخابات، والويل كل الويل، لمن يُخالف مطالب شارعه.
بحسب مصادر مُقرّبة من مرجع حكومي سابق، فإن “عملية تكليف الرئيس نجيب ميقاتي أو القبول بها سُنيّاً، جاءت بعد مشاورات مكثّفة داخل “البيت السني” السياسي، وبمباركة دار الفتوى وعلى رأسها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لذلك فإن الرئيس ميقاتي لا يملك “ترف” الوقت في مهمته، خصوصاً وأن ما يظهر من رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل حتّى الأن، لا يدلّ على وجود حسن نوايا لفكّ أسر التأليف، مما يدلّ على أن الإدعاءات بالإصلاح ومُعالجة المشاكل الإقتصادية والإجتماعية التي يتذرّع “العهد” بأنها على قائمة أولوياته، ودعواته للإسراع بالتأليف من أجل الإنطلاق بها، هي فقط عناوين يستخدمها “الثنائي” عون ـ باسيل لتقطيع الوقت للوصول إلى انتخابات نيابية فارغة لا تؤثر على مكانتهما الشعبيّة”.
أمّا بالنسبة إلى الرئيس ميقاتي، وبحسب المصادر نفسها فإن” ميقاتي والحريري بالنسبة إلى عون وباسيل و”حزب الله”، لا يختلفان عن بعضهما البعض، لذلك فإن من عطّل مهمة الأول ومنعه من تأليف حكومة اختصاصيين، سوف يُعيق بكل تأكيد مُهمّة الثاني حتى لو ظل ميقاتي “يرشح” نوايا إيجابية من الأن ولغاية ثمانية أشهر إضافية، وهي الفترة التي ظل فيها العناد يطوّق مساعي الحريري. لذلك، فإن على ميقاتي أن يتخذ قراره بالإعتذار سريعاً وترك الأمور كما هي عند رئيس الجمهورية، الذي سيكون عليه أن يتحمّل مسؤوليتين، الأولى أمام الشعب، والثانية أمام المُجتمع الدولي”.
وتُشير المصادر المقربة من المرجع الحكومي السابق إلى أن “لبنان بحاجة إلى حكومة تُدير أزماته بأسرع، لذلك فإن على البعض أن يؤجّل عمليات تصفية الحسابات السياسية الشخصيّة وأن يُدرك خطورة ما تمرّ به البلاد، قبل أن يغرق المركب بمن عليه.” لكن هل للرئيس ميقاتي مُهلة مُحددة لتقديم اعتذاره بحسب ما جرى عليه الإتفاق داخل “البيت السني”؟ تُجيب المصادر: الرئيس ميقاتي يعلم تماماً المُهلة الزمنية المُحددة للإعتذار، لكن الأهم، أنه يعلم التوقيت الذي يجب أن يٌعلن فيه اعتذاره”.