بولا مراد- الديار
لا خيبة توازي خيبة الجمهور العوني بعد حصول «الارتطام». كل الحجج والمبررات التي عادة ما تعطيه اياه القيادة لمواجهة الجماهير الاخرى بها لم تعد تنفعه. لا حقوق المسيحيين باتت تعنيه بشيء، لا استعادة دور وصلاحيات الرئاسة الاولى تهمه، حتى عناوين كسر «منظومة الفساد» والاصلاح والتغيير باتت منتهية الصلاحية، المئات من العونيين، بالاغلب مناصرين لا يحملون بطاقات حزبية، رفعوا الرايات البيضاء، لم يعودوا يدافعون عن خيارات قيادتهم ولا حتى عن رئيس الجمهورية الذي لطالما شكل بالنسبة اليهم خطا أحمر ممنوع تجاوزه. سقطت كل المحرّمات بالنسبة اليهم، كل شيء بات مباحا بعدما باتوا يفتقدون، كما كل اللبنانيين، مقومات البقاء.
بعضهم ذهب بعيدا باعلان الانشقاق الكلي عن الحالة العونية التي لطالما كان رافعا لواءها ومدافعا شرسا عنها. حتى الامس القريب كان لا يزال يجد المبررات لما وصلت اليه الامور ويتحدث عن حرب كونية تشن على العهد لافشاله. اليوم بات يتحدث علنا عن فشل مدو لا افشال، ويستعير ما كان تعيّر به الجماهير الاخرى الجمهور العوني لجهة ان تمدد الحالة العونية في الادارات العامة ووجودهم الكبير في مجلس النواب ومجلس الوزراء وفي موقع رئاسة الجمهورية لا يمكن التعاطي معه كأمر عابر والاقتناع بأنه وجود غير مؤثر بالحكم. ويقول هؤلاء انه «طالما هذا الوجود غير فاعل، كان الحري بالقيادة العونية والعهد قلب الطاولة منذ مدة لا وضع يده بيد من لطالما كان ولا زال يتهمهم بالفساد وبخراب البلد»، مشددا على ان العونيين يتحملون مسؤولية جزء كبير من الانهيار، فكما السارق والفاسد والمجرم والعميل يتحملون مسؤولية تحلل الكيان اللبناني، فكذلك الفاشل يتوجب ان يتحمل مسؤولية فشله في العمل السياسي».
قسم آخر من العونيين الخائبين، يرفض الاعلان عن خيبته صراحة وعلنا… هو يعبر عنها بطريقة او بأخرى تحسبا لشماتة الجماهير الاخرى به. ينتقد في حلقات ضيقة وصغيرة الاستسلام الحاصل على صعيد العهد والقيادة العونية، يبدو ممتعضا الى حد كبير من السماح بوصول الامور الى ما وصلت اليه، وان كان لا يزال مقتنعا بأن الحرب الكونية على العهد والحصار المفروض على اللبنانيين لدفعهم للفظ حزب الله وتسليم رأسه، هما السببان الرئيسيان للانهيار. هذا القسم وبخلاف الآخر الذي اعلن الانشقاق لا يزال يلتزم بتعليمات القيادة ويصر على انها «خيانة عظمى»للغدر بها وتركها في اوج المعركة.
وبين هؤلاء واؤلئك، يعيش العهد كما القيادة العونية تخبطا غير مسبوق.. فخيارات الرئس عون تبدو محدودة جدا، رغم اقتناعه بأن الامور وصلت الى نقطة اللاعودة، لا يزال يتروى بشن هجوم مضاد على اعدائه.حكي كثيرا في الايام الماضية عن ضرب يده على الطاولة، الا ان طريقه تعاطيه مع حاكم مصرف لبنان بعد قراره رفع الدعم لا يشفي غليل العونيين ولا يرتقي لمستوى الرد الذي ينتظرونه…
وبمقابل تمحيص الرئيس عون لخياراته وتداعياتها، ينصرف باسيل لاستثمار الارتطام انتخابيا، اذ بدت مواقفه الاخيرة بعد اعلان رياض سلامة رفع الدعم محاولة يائسة بقيادة ثورة ضده، بعدما بات الجميع يعلم ان التيار كان شريكا اساسيا بالتمديد لسلامة وسياسته المالية، سواء تم ذلك بارادة ذاتية او بضغط اميركي، كما قال بالفم الملآن الوزير السابق غسان عطالله.
والانكى ان باسيل يربط حاليا رفع الدعم بالبطاقة التمويلية التي لم يعد خافيا انها ستكون بطاقة انتخابية. فكيف يرد رئيس الوطني الحر على من يسأل مثلا ماذا تقدم او تؤخر بطاقة تم رصدها بمليون ليرة لبنانية اذا اصبحت تفويلة السيارة مليونا اسبوعيا؟
بالمحصلة، انه وباختصار زمن تلاشي الحالة العونية. صحيح ان معظم الاحزاب قد تكون تصارع نهايتها، الا ان ما يصارعه العونيون غير مسبوق كونهم على رأس السلطة وكونهم اشبعوا ناسهم على مر السنين احلاما كبيرة تبين انها ليست الا اوهاما استخدموها للعبور الى السلطة.