سفير الشمال- مرسال الترس
يقف اللبنانيون على أكوام عملتهم الوطنية ليلقوا نظرة على “العصر الحجري” الذي وعدهم به أحد كبار المسؤولين في كيان العدو الاسرائيلي وهو يقترب منهم بخطى ثابتة ولكن من المؤكد أنه بات على أبوابهم.
بعد سنة وعشرة أشهر على “الحراك الشعبي” وجد الناس أنفسهم في طوابير ذلّ أمام المستشفيات والصيدليات ومحطات المحروقات، وربما غداً على رغيف الخبز الذي هو الملاذ الأخير للفقير والجائع. بعدما أسهمت الإجراءات المصرفية غير المألوفة إلى شطب ما كان يُسمى بالطبقة المتوسطة والتي كانت تمثل أكثر من سبعين بالمئة من الشعب اللبناني في فترات البحبوحة!
إزاء تراكم تلك الأزمات على رقاب اللبنانيين لا بد من أن يتذكروا وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي يسرائيل كاتس في نهاية العام 2017 يهدد “بإعادة لبنان إلى العصر الحجري”. حينها ظن الناس بان ذاك المسؤول يشير إلى أن الطيران الاسرائيلي (الأقوى على الأقل في الشرق الأوسط) سيدمر كل شيء في لبنان كما فعل جزئياً في حرب تموز عام 2006. فدب الخوف في قلوب معظمهم من الآتي. ولكن وفق الآلية المتبعة تبين أن ذاك المسؤول وبعد فشل بلاده في العقدين الأخيرين بالحروب العسكرية، أنه يعني بكلامه أن ذلك سيتم عبر “الحرب الناعمة” التي باتت تعتمدها الدول المتسلطة (التي كانت تسمى سابقاً الاستعمارية)، ضد الشعوب التي لا ترضخ لإرادتها وتعمل على تنفيذ استراتيجياتها!
والأسوأ من كل ذلك، أن معظم دول الغرب التي تتحكم بمصادر الكتل النقدية على صعيد العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية تقوم منذ سنتين بتنفيذ ذاك الحلم الاسرائيلي. وهي بالتأكيد لم تكن بعيدة عما حدث مع المصارف اللبنانية التي استهدُف بعضها بعقوبات أجبرتها على الإقفال. ودفعت الآخرين إلى تنفيذ ما تَرسم لها من خطوات حتى لا تلحق بهم المقصلة. وعندما بدأت الاجراءات المصرفية تطال أموال المودعين وتتحكم بها وفق مزاجية ذاك الغرب الذي يعرف الجميع أن “اللوبيات” اليهودية تتحكم بأمواله وإعلامه، بدأت تنهار معظم مقومات الدولة في لبنان التي بنت اقتصادها على الاستيراد والدولرة وما شابه. وتذكروا جيداً ما قاله ذاك المسؤول الاسرائيلي بعدما لمسوا ما يحصل في المحروقات والأدوية … وبالتالي شلل كل القطاعات!
اللافت أنه عندما طالبت بعض الاصوات النافذة في لبنان بالتوجه شرقاً لم يكن ذلك “عشقاً” بعيون الشرق، وإنما السعي لتحرير رقاب أهل الوطن من يد الغرب الذي يضع مصالح اسرائيل في رأس اهتماماته، فقامت الدنيا ولم تقعد لأن المنظومة الإعلامية المرتبطة بذاك الغرب تستفيد مما يغدقه عليها سنوياً وباعترافه علناً.
وها ان اللبنانيين باتوا نعاجاً تساق إلى الفقر والجوع والعصور الحجرية تحت إشراف الغرب الذي يضع أنماطاً متعددة من الشروط من أجل دعم إنساني فقط! فأين هم الذين طالبوا بالتوجه شرقاً لا يترجمون جهودهم لدعم ذاك التوجه مهما كلف الأمر، لإنقاذ مواطنيهم، طالما أن “العصر الحجري” بات على الأبواب بإنقطاع كل ما يمت إلى الحضارة بصلة في القرن الحادي والعشرين؟ في بلد كان دُرّة ومنارة وسويسرا الشرق، فأين ذاك الشرق لا يطالب بحصته على هذه الأرض؟